فيان آمارا شهيدة اللغة والحرية

الشهيدة فيان آمارا بحثت عن حقيقة المرأة واهتمت بتربية جيل يتمتع بالإصرار، وركزت في ذلك على تعليمهم لغتهم الأم التي حرموا منها لأعوام

نورشان عبدي
كوباني ـ .
في السادس والعشرين من تموز/يوليو الجاري، يصادف الذكرى السَّنوية الثامنة لاستشهاد المناضلة ومعلمة اللغة الكردية فيان آمارا، بعد مقاومة عظمية أبدتها في وجه مرتزقة جبهة النصرة، والتي استشهدت عام 2013 بقرية كندال شرقي مقاطعة كوباني في شمال وشرق سوريا، بعد هجوم شرس بدأ في 19 تموز/يوليو في العام نفسه. 
فيان آمارا الاسم الحقيقي سفيم كايا، من مواليد عام 1983 من قرية غاكوران التَّابعة لناحية كفر في جولميرك بشمال كردستان، عاشت منذ صغرها تناقضات وتساؤلات حول الحياة، باحثة عن إجابات من الأشخاص المحيطين بها ومجتمعها، لكنها لم تجد ما تسعى إليه، لتتجه إلى البحث في الدَّين لعلها تجدها هناك، وانضمت لندوات دينية.
عملت على تطوير نفسها باللغة الكردية، رغم عدم خضوعها لأي دورة، وبحثت كثيراً، إلا أنها لم تصل إلى مبتغاها، لتؤثر فيها حركة التحرر الكردستانية، وتلتحق بصفوف النَّضال والمقاومة سنة 1999، وهناك وجدت مكانها الذي تنتمي إليه، وخضعت لدورات تدريبية عسكرية وإيديولوجية. 
تميزت فيان آمارا بحيويتها وطاقتها الكبيرة، وقاتلت في صفوف الكريلا على مدى أعوام، لتلفت أنظار الجميع إليها، فمجرد حضورها كان يجلب الفرح ويرفع المعنويات، وبنضالها الدؤوب بحثت عن الحقيقة مما ولد الاحترام لها في قلوب رفيقاتها.
وتمتعت بشخصية ناقدة وجريئة لتكون موضع ثقة الجميع ومتواضعة، فكانت حكيمة ذات مواقف جريئة وصريحة، وتؤمن بأن النَّقد والنَّقد الذّاتي يطوران الإنسان.
تطورت بعد انضمامها إلى العديد من المجالات العسكرية ّوالثَّقافية، وتعمقت في اللغة الكردية، لتكتب قصائد شعرية، فكان النَّجاح من نصيبها، إذ انتقلت للعمل في مؤسسة العلم والفكر التابعة لـ منظومة المجتمع الكردستاني، وتحلت بالمسؤولية الكاملة، لتبدأ العمل والتدريب فيما بعد في مخيم "الشهيد رستم جودي" بإقليم كردستان، وكان لها دور بارز وهام في مجال الترجمة.
تمتعت المناضلة فيان أمارا بعلاقتها المتينة والوطيدة مع الأطفال، لأنها حملت داخلها الرَّوح الطَّفولية البريئة والصًّادقة، وبهذا استطاعت التقرب أكثر من الأطفال وملامسة مشاعرهم وروحهم، فهي كانت تكافح لتأمين حياة حرة آمنة للأطفال والمرأة، وتدريب الأطفال كان من أولوياتها وطموحاتها.
في حين لم يغب عن نضالها قضية المرأة، التي تقصت عنها في كتب وفكر القائد عبد الله أوجلان، إيماناً منها أنها بفهم هذه القضية ستتمكن من فهم شخصيتها وجوهرها الحقيقي، وبالبحث والتَّحري والتَّدريب فتحت الأفق أمامها للوصول إلى الحرية وفهم الذات.
 
افتتاح معاهد وأكاديميات تخليداً لذكراها
كانت على دراية تامة بأن الثورة ستحقق التَّغيير الجذري، ساهمت بنشر اللغة الكردية في قلب مركز المقاومة كوباني، بقيت هناك ما يقارب العام والنَّصف، وطدت خلال تلك الفترة علاقتها مع الأهالي بزيارة منازلهم وتدريبهم، كانت تحلم بتدريس اللغة الكردية في كل جزء من كردستان.
واستمرت بالعمل في مقاطعة كوباني بإعطاء الدَّورات في الأكاديميات، وإدارة أمور المدارس ومجال التربية والتَّعليم، ومع مهاجمة مجموعات مسلحة للقضاء على مكتسبات ثورة روج آفا، كانت المناضلة فيان آمارا في الصفوف الأمامية ضمن المقاومة، للدفاع عن منجزات الثورة وحمايتها من براثن المرتزقة.
وتخليداً لروح المناضلة فيان التي استطاعت من خلال فكرها وحبها لوطنها وشعبها ترك بصمتها في كافة مناطق شمال وشرق سوريا، افتتحت العديد من المعاهد والأكاديميات في مناطق شمال وشرق سوريا باسم المناضلة فيان آمارا، ففي 28 تشرين الأول/أكتوبر 2013 في مقاطعة عفرين افتتح معهد الشهيدة فيان آمارا للغة والأدب الكردي، وفي الشهباء افتتح معهد باسمها في التاسع من أيلول/سبتمبر 2019، كما وافتتحت في مقاطعة كوباني في 29 كانون الأول/ديسمبر 2013، وتم تخريج وفتح عدة دورات باسمها.
 
إحياء اللغة والحفاظ عليها كانت من أولويات نضالها
على مدار سنوات طويلة حاولت الدولة التركية القضاء على الشعب الكردي عن طريق طمس وإبادة لغتهم، لكنها لم تنجح في محاولاتها وسياساتها القمعية، لتحيَّ مع ثورة 19 تموز/يوليو 2012 ثورة اللغة، وتطورها بشكل أكاديمي وتجعلها رسمية بعدما كانت ممنوعة التَّداول.
 
 
وقالت المُتخرجة من معهد الشَّهيدة فيان آمارا نسرين كنعان "المعلمة فيان آمارا خلقت بداخلنا الأمل بالمستقبل والطموح من أجل الحياة الحرة، لأنها لم تكن معلمة فقط، إنما كانت المُرشدة والمُدربة والمُحفزة لنا لمعرفة الحياة الحقيقية".
والتقت بالمناضلة والمعلمة فيان آمارا في عام 2013 للمرة الأولى في مؤسسة تعليم اللغة الكردية "كنتُ أتردد إلى المؤسسة بهدف تعلم حروف اللغة الكردية فقط، لكن بعد تعرفي على الشَّهيدة فيان تمكنت من تغيير تفكيري، وجعلتني أتمكن من اللغة أكثر".
وأضافت "لكوننا تعلمنا في مدراس النظام البعثي أثر ذلك سلباً علينا، من ناحية معرفة حقيقتنا ولغتنا وحقيقة المرأة الكردية، ولكن بمعرفتنا للمناضلة فيان آمارا فُتح أمامنا الطَّريق للاستفسار والتَّساؤل أكثر عن كل ما كان ممنوعاً أو غير واضح".
وتشير إلى أن المناضلة فيان كانت من محبي الحياة وتخلق الأمل بداخل طلبتها، وكانت تحب الأطفال بشكل خاص، وكانت تعشق الوطن والأرض، وحينها كانت تقول "إذا كان شخص واحد في كوباني ينزعج مني فلن أعيش هنا يوماً"، وكان لها طريقة خاصة بالتعامل مع جميع أفراد مجتمعها.
وتابعت "لروح فيان تأثير خاص في مؤسسة اللغة الكردية، كانت تسعى لتكون متقدمة في كافة محافل الحياة وليس فقط بتعليم اللغة الكردية، بفضل النَّقاشات والحوارات بينها وبين الطلبة تعرفنا على حقيقتنا وثقافتنا".
وأكدت "اليوم طلبتها يحافظون على فكرها، وجميعهم متواجدون ضمن المؤسسات، وحققوا آمالها، لأنها زرعت الإصرار والمقاومة والنضال بداخل كل من علمتهم، ونحن فخورون بأننا طلبتها".
ثورة اللغة التي بدأت في مناطق روج آفا بشمال وشرق سوريا، كان للمناضلة فيان آمارا دور ريادي ضمنها، والحديث لـ نسرين كنعان "بعد ثماني سنوات من استشهادها، مازال اسم فيان آمارا يذكر في قسم الأدب الكردي، وما زالت محبتها بداخلنا".