'دنيز الباحثة عن الحقيقة'

بمناسبة الذكرى السابعة لاستشهاد الصحفية دنيز فرات، قالت شقيقتاها بيريتان ميدوسا وساريا يلدزتان "كانت الشهيدة دنيز تتعامل بوجه باسم مع الجميع وكانت تمثل أساس الحياة بالنسبة لنا. وسننجح في إظهار وكشف الحقيقة على خطى دنيز ورفاقها"

دلوجان بوزي
كوباني ـ .
ولدت ليلى يلدزتان (دنيز فرات) عام 1984 في قرية خجي خاتون بناحية جيلديران التابعة لمدينة وان. انضمت دنيز إلى صفوف النضال من أجل الحرية في الخامس عشر من آب/أغسطس عام 1992 في قرية سيدكان في مدينة ديانا في جنوب كردستان مع شقيقتها الصغرى شكران يلدزتان (ساريا رشو). وقعت سارية رشو وصديقتها ميديا في حصار قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK في الثامن من آب/أغسطس عام 1999 في منطقة متينة، فقامتا بتفجير قنبلتيهما اليدويتين بنفسيهما وفقدتا حياتهما تفادياً للأسر. تعيش عائلة دنيز على التعاليم والمعتقدات الكردية. ولأن العائلة كانت تعيش في القرى الحدودية بين شرق كردستان وشمال كردستان، فقد تعرضت في العديد من المرات للهجوم والاضطهاد والظلم من قبل الدول الواقعة على الحدود. بعد أن طورت الحركة الكردية نفسها ونظمت أفكارها الكردية بين سكان شمال كردستان، بدأت عائلة دنيز أيضاً بالعمل في الحركة الكردية، وعلى إثر ذلك وخلال انقلاب 12 أيلول/سبتمبر 1980 تم القبض على والد دنيز، لكنه هرب بعد فترة من السجن وعاش متخفياً في قريته بشكل غير قانوني. مع مرور الوقت، ازدادت الضغوطات على عائلة دنيز، واعتقلت الدولة التركية أشقائها الذكور بسبب انخراطهم في الحراك الكردي وازدادت الضغوط والمضايقات على المنزل، وفي كل يوم كان الجنود يداهمون القرية بشكل روتيني ويفتشون المنزل. ولهذه الأسباب أصبحت الحياة صعبة بالنسبة لهم وصلت بهم إلى حد لا يستطيعون فيه العيش في قريتهم.
 
رحلة النزوح وانضمام دنيز وساريا
بسبب ازدياد الضغوط، نزحت دنيز فرات مع عائلتها في عام 1990 إلى مدينة ماكو في شرق كردستان. هناك انضمت أخت دنيز الكبرى آيفر المعروفة باسم بنفش رشيد إلى صفوف النضال من أجل الحرية. بعد وقت قصير أصبحت إقامتهم بماكو في خطر وهذه المرة تعين على العائلة تغيير المدينة والذهاب إلى أورمية. بعد فترة قصيرة أصبحت إقامتهم في مدينة أورمية أيضاً في خطر وهذه المرة أجبرت العائلات على الانتقال إلى جبل خاكورك والبقاء مع المقاتلين الأكراد. في عام 1991 بدأت الدولة التركية حملتها على منطقة خاكورك في جنوب كردستان. بقيت دنيز مع عائلتها لمدة 15 يوماً ضمن حرب خاكورك. بعد 15 يوماً ذهبت دنيز مع والدتها وشقيقاتها وأشقائها الصغار إلى قرية سيدكان التابعة لمدينة ديانا التي تقع عند سفح جبل خاكورك. عندما ذهبت دنيز وشقيقتها ساريا إلى جبل خاكورك بحجة رؤية أختهما بنفش رشيد اندلعت الحرب في ذلك الوقت، وبقيتا في منطقة خاكورك. في عام 1992 اندلعت ما يسمى بحرب الأخوة بين حركة الحرية والدولة التركية، وحزب PDK والاتحاد الوطني الكردستاني YNK. فقدت العديد من النساء المكافحات اللواتي كانت دنيز وساريا تحبهن للغاية حياتهن وتأثرتا باستشهادهن كثيراً وقررتا الانضمام. انضمت كل من ساريا ودنيز إلى حركة الحرية في يوم واحد وبلغتا الشهادة في يوم الثامن من آب/أغسطس من سنوات مختلفة.
 
كانت دنيز تكافح دائماً
عملت وكافحت دنيز فرات من أجل نضال المرأة الكردية وشعبها لسنوات عديدة. بعد تطور الصحافة الحرة تطوعت في عام 2007 للانضمام إلى الصحافة النسائية. لم تصبح دنيز صحفية فحسب، بل قامت بعمل لا مثيل له في جميع جوانب الحياة. فطورت نفسها بسرعة في وسائل الإعلام من جهة ومن جهة أخرى ساعدت رفاقها الإعلاميين أيضاً. عملت دنيز في مجلة Tanriça Zilan لفترة طويلة، والتي كانت تنشر في مناطق الدفاع المشروع، وقدمت برنامج rojeva jinê لإذاعة dengê welat. في عام 2011 بدأت العمل الإعلامي في YRD وهناك شغلت مكانها في الأعمال المكتوبة والمرئية. عملت في مجال الصحافة النسائية بشغف كبير. في كل مكان تذهب إليه دنيز إما أن تراقب أو تلتقط صورة أو مشهداً مثيراً، لذلك كانت تعيش حياة ذات مغزى وهادفة في كل مكان تذهب إليه. في عام 2013 تم انتخاب دنيز كمنسقة في مؤتمر صحفي وعملت كصحفية في مخيم الشهيد رستم جودي في مخمور بإقليم كردستان. بدأت بنشر وتوزيع صحيفة Rojeva Welat الأسبوعية في المخيم، بالإضافة إلى ذلك قدمت برامج خاصة لقناة Stêrk Tv. كما كتبت مقالات لمجلة Tanriça Zîlan، كما عملت كمراسلة لـوكالة JINHA وأعدت أخباراً لـ Rojnews وANF حسب الحاجة. كما شاركت عبر الهاتف أثناء الحرب في MED nûçe, Stêrk Tv, Ronahî Tv, Çira Tv, Newroz Tv, IMC tv وراديو Dengê Welat وكذلك قدمت الأخبار العاجلة إلى وكالة ANF.
 
دنيز المدافعة عن بلادها
في الثامن من آب/أغسطس عام 2014 وأثناء تغطيتها لأحداث حرب عصابات داعش ومقاتلي حركة الحرية، أصيبت دنيز فرات بجروح خطيرة وتم نقلها إلى مشافي مدينة هولير حيث فقدت حياتها هناك. حمل كل من عائلتها ورفاقها ومناضلو الحرية والصحفيون والشعب بأعداد كبيرة جثمانها على أكتافهم وأقاموا لها مراسيم مهيبة على جبل قنديل. بعدها نُقل جثمان دنيز فرات في قافلة كبيرة من قبل أهالي شمال كردستان وإقليم كردستان، إلى جانب آلاف الصحفيين والعائلات إلى مسقط رأسها في مدينة وان وإلى قريتها Xecê Xatûnê على وجه الخصوص حيث وري جثمانها الثرى. بعد استشهاد الصحفية دنيز سارت كل من شقيقتاها بنفش ساريا وبيريتان ميدوسا على خطاها ومارستا العمل الصحفي. تعمل الصحفية بنفش ساريا عوضاً عنها في مجلة Tanriça Zîlan وتقدم برنامج rojeva jinê لإذاعة Dengê Welat. وهي حالياً تعمل في وكالة NUJINHA.
 
كتبت دنيز عن تجارب وقصص الشعوب في العديد من مقالاتها
في مقالة لها عن اللغة الأم وتحت عنوان "اللغة الجريحة والمحرمة" وصفت الصحفية دنيز فرات اللغة كالتالي "اللغة هي الجسد، الجغرافيا هي الجسد، والثقافة هي الجسد، اهتموا بجسدكم. اللغة والطبيعة والثقافة أسميهم جميعهم الجسد. إذا لم تهتموا بجسدكم فلن ينفع الرأس في شيء، ولن يكون له معنى".
كتبت دنيز فرات المقال التالي في الثالث من آب/أغسطس عام 2014 عندما حاولت عصابات داعش شن حملة إبادة جماعية ضد أهالي شنكال تحت عنوان "الأديان تتسبب في قتل الناس في عصرنا" قالت فيه "قُتل الآلاف من الأشخاص في مجزرة شنكال. ماذا فعل هؤلاء حتى يعاقبوا بهذه الطريقة، أو لماذا يتم اتهام وتجريم الأطفال بعمر بضعة أشهر والأمهات والفتيات الشابات. الصور التي تم التقاطها كانت شهود على هذه الوحشية والوضع المأساوي. وكما قال أحد الناجين من كارثة شنكال "لا يمكنهم إلا التقاط صور للكارثة" لماذا يُعاقب أطفال هذا البلد بهذه الطريقة؟ هل لأنهم إيزيديين؟ هذا هو السبب الوحيد. إذا اعتبرنا هذا السبب الوحيد، سنرتكب أخطاء كبيرة. صحيح أن الدين في عصرنا يستخدم كأداة لأعمال قذرة، لكن هذا ليس السبب الوحيد لمجزرة شنكال. مجزرة شنكال كانت كرسالة لوحدة الشعب الكردي التي يتم السعي إليها بقيادة الزعيم آبو".
كما كتبت المقال التالي عن الأطفال أيضاً "يقال إن كل قلب بشري بحجم قبضة يده. فكيف يتحمل هذا القلب الصغير الألم؟ من منكم يستطيع أن ينظر في عيني طفل من هذا البلد دون أن ترمش عينيه؟" تلك العيون السوداء المليئة بالألم والأمل... هل يصح أن تخفي عين واحدة في نفس الطفل كل من الأمل والألم، يمكن لعيون أطفال النار والشمس ذلك. يمكن أن تعبر عن الفرح والأمل أيضاً. ولأنهم حراس الأمل، فإنهم يعانون من أجل هذا الأمل. إنهم الألم والمتألم في مسيرة الحرية. أنهم قلوب صغيرة محبة للحرية. في يوم من الأيام عندما يكبرون لن يخجلوا من أنفسهم، لأنهم بهذه الأيدي الصغيرة كانوا يرشقون الحجارة على قاتلي الأمل. ولأولئك الذين لا يعترفون بذلك "ستختفي الغابات/ستختفي الأشجار/ماذا ستقولون للأطفال الذين سيأتون من بعدكم" "عندما تُقطع الشجرة الأخيرة، ويتم تسميم النهر الأخير، وتُقتل أخر سمكة؛ ستجدون أن المال لا يؤكل".
بمناسبة الذكرى السابعة لاستشهاد الصحفية دنيز فرات تحدثت شقيقتاها بيريتان ميدوسا مراسلة Jin tv في قامشلو وساريا يلدزتان لوكالتنا عن شخصية ونضال الشهيدة دنيز في حركة الحرية.
 
"انخرطت في العمل الصحفي على خطى دنيز"
بينت بيريتان ميدوسا في بداية حديثها أن دنيز فرات تركت إرثاً ورائها وهي اليوم تواصل هذا الإرث وأضافت قائلة "لم أقضي وقتاً طويلاً مع الشهيدة دنيز، لأنني كنت صغيرة عندما انضممت إلى حركة الحرية. عندما انخرطت دنيز في الإعلام كنت أذهب لزيارتها، وعلى الرغم من أنها بلغت من العمر 34 عاماً كان المرء يشعر أنها تحتوي على خصائص الأطفال في داخلها. كانت نقية القلب، وتهتم بالقيم والأخلاق وانفعالية. في عام 2011 ذهبت لزيارتها، في ذلك الوقت كانت الدولة التركية تهاجم الشعب ونتيجة لذلك قُتلت طفلة صغيرة اسمها سولين، على الفور عانقتني دنيز حتى لا أخاف ولا يحدث لي شيء. في تلك الأثناء التي كانت فيها الطائرات التركية تحلق وتقصف حملت دنيز الكاميرا والتقطت الصور. وعلى الرغم من أن الطائرات المسيرة كانت تحلق لكشف المواقع إلا أنها أصرت على التقاط الصور، وقالت إنه مهما حدث سألتقط صور الطائرة وهي تقصف. كانت تعمل بجد وبلا كلل، وبعد أن ارتقت إلى مستوى الشهادة لم يكن لدي أي أحلام أو نية لممارسة الصحافة، وكنت أدرس في مجال آخر وأردت تحسين دراستي وتطويرها. ولكن هناك شيء من هذا القبيل في عائلتنا، أي عندما يضحي أحد أفراد الأسرة بحياته أو يفقد حياته، يجب على أحد أفراد الأسرة الباقين مواصلة عمله. عندما قُتلت بنفش أيضاً من قبل حزب PDK حملت أختنا الصغرى سلاحها وواصلت نضالها".
 
"ضحت دنيز بنفسها من أجل العمل الإعلامي"
وأشارت بيريتان ميدوسا في حديثها إلى أنه كان لاستشهاد دنيز فرات تأثير كبير عليهم وقالت "لم أشارك أنا فقط في العمل الإعلامي، بل أختي بنفش أيضاً شاركت بنفس العمل. عملت دنيز بروح دافئة وبلا كلل. واليوم نحن نواصل عملها لتحقيق أحلامها. لقد واصلت عملها بنفس الروح في الحرب التي بدأت في مخمور عام 2014. كان هدفها إطلاع الرأي العام على الأحداث والكشف عن حقيقة وحشية مرتزقة داعش في شنكال، وما كان يحدث في شنكال، وعن التعاون بين داعش والدولة التركية. عملت دنيز بنشاط وشكلٍ فعال، وأمضت طفولتها في النضال. لقد كان الأطفال الأكراد بالفعل يناضلون ويقاومون العدو وهذا مصدر فخر لنا. وعلى الرغم من أن حياتنا كانت مليئة بالمصاعب والمتاعب، إلا أننا محظوظون لأنه كان لدينا أخت مثل دنيز التي كان لها تأثير على كل أطفال الأسرة. إذا لم يكن هناك هدف في حياة الإنسان فلا معنى لها، لذلك اختارت دنيز لنفسها خط النضال. هذا الإرث الذي تركته لنا سنعمل حتى النهاية حتى نتمكن من الانتصار وتحقيق النجاح".
 
"شجعتني دنيز على الكتابة"
هكذا وصفت ساريا يلدزتان أيضاً الشهيدة دنيز فرات أثناء حديثها، "لم أمضي وقتاً طويلاً مع الشهيدة دنيز، ولكن عندما أصبحت تزور المنزل عملت على تطويري ودفعتني نحو الأمام. كانت دنيز أول من علمتني الأبجدية الكردية. بدأت أيضاً الكتابة مع دنيز وكان اسم دفتري الصحراء. لم أكن أحب الكتابة. ولكن بجهود دنيز أحببت الكتابة. كتبت دنيز مقولة في دفتري لن أنساها أبداً. كانت تقول "حيث توجد نهاية، توجد بداية جديدة" بعد هذه المقولة بدأت أنا أيضاً مع دنيز بداية جديدة. ما زلت أكتب حتى اليوم، إلى أن وصلت إلى المرحلة الجامعية واخترت قسم الأدب الكردي بفضلها. كانت دنيز تقول يجب أن يبحث المرء عن الحقيقة دائماً".
 
"دنيز عاشقة الحياة"
أنهت ساريا يلدزتان حديثها قائلة "ذات يوم زرت دنيز، كانت في العمل، على الرغم من أن أعمالها كثيرة في ذلك اليوم، لكن كان لديها وقت لقراءة الكتب، فلطالما أحبت كتاب محمد أوزون hawara Dîcleyê، سألتها متى ستنتهين من قراءة هذا الكتاب، فأجابتني لقد قرأت هذا الكتاب من قبل وأنا أعيد قراءته مرة أخرى. قالت لي أنتي أيضاً يجب أن تخصصي وقت لقراءة الكتب. لقد وضعت كلماتها موضع التنفيذ. لم تكن دنيز أختاً فحسب، بل كانت أيضاً صديقة تساعدني كثيراً، كانت ذكية جداً، يقول الجميع عندما يتحدثون عنها أنها كانت ماهرة جداً في عملها، وكانت تحب القراءة والكتابة وتشجع أصدقائها على القراءة. في هذه السنوات القليلة التي بدأت أكتب فيها أكتب أيضاً عن دنيز، في قصائدي ومؤلفاتي تستحوذ دائماً على أحاسيس ومشاعري. سأكتب عنها دائماً وأتحدث عن شعرها المخضب بالحناء. عندما أفتح صفحات ذلك الدفتر أتذكر دنيز".