عائشة باركي اسم خالد في محاربة الأمية والجهل في الجزائر

عرفت بكفاحها وجهودها سواء في نشر المعرفة أو في النضال ضد آفة الأمية في الجزائر والتزامها بدعم كافة المبادرات الرامية إلى تعزيز الجهود المبذولة في مكافحة الأمية أبشع أرث تركه الاستعمار الفرنسي في أوساط المجتمع خاصة في صفوف الشباب والنساء.

مركز الأخبار ـ امرأة استثنائية تمتعت بالتزام لا ينضب تجاه نظيراتها، عائشة باركي مكنت الآلاف من النساء والرجال في المناطق النائية في الجزائر من تعلم القراءة والكتابة.

 

نضال وعمل دؤوب والتعليم أبزر القضايا

لعبت النساء دوراً محورياً في النهوض بالمجتمعات القديمة والحديثة وأثبتن قدرتهن على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، هذا ما فعلته عائشة باركي مؤسسة ورئيسة الجمعية الوطنية "اقرأ" لمحو الأمية، من مواليد عام 1946 كرست حياتها في التعليم بفروع محو الأمية منذ عام 1963 بعد أن غادرت قريتها بعين بسام بولاية البويرة عام 1964إلى العاصمة إلى أن حصلت على عمل ثابت وبدأت التدريس بالحراش في العاصمة ودرست اللغة الفرنسية لمدة عشر سنوات إلى أن تم تعيينها مديرة لمدرسة الموحدين التي أصبحت فيما بعد جامعة، في هذه الأثناء كانت ناشطة ومدافعة عن حقوق المرأة، حيث تم انتخابها عام 1986 وتعيينها أمينة وطنية وعضوة في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني.

وتزامناً مع الانفتاح على التعددية أنشأت الجمعيات النسوية وفي ظروف صعبة قامت في عام 1990 بتأسيس جمعية "اقرأ" لمحاربة الأمية في الجزائر، وحملت على عاتقها عدد من المهام على رأسها محاربة الأمية في أوساط الشباب وكذلك الرسوب المدرسي وغرس روح التعلم لدى مختلف فئات المجتمع من خلال إنشاء العديد من المراكز في مختلف مدن البلاد منها مراكز الحرف والصناعات التقليدية للنساء الماكثات في المنازل، كما استفادت من نضال عائشة باركي المرأة النايلية والشاوية والمزابية والتارقية التي أبعدتها الظروف التاريخية عن حقها في التعليم، وكذلك سلحت العاملين/ات في هذا المجال بكل الوسائل الحديثة.

وبفضل نضال عائشة باركي في مجال محو الأمية أعلنت الحكومة آنذاك أن يوم الثامن من كانون الثاني/يناير 1991 يوماً لمحو الأمية العربية وهو ذات اليوم الذي تم الإعلان فيه رسمياً عن ميلاد الجمعية، وعلى الرغم من إنجازاتها المهنية على المستوى الوطني والإقليمي والدولي بهذا المجال إلا أنها في كل مرة ترفض منصب الوزير مكتفيةً بعضويتها في مجلس الشيوخ الجزائري منذ عام 2013 حتى وفاتها عام 2019.

سعت خلال مسيرتها إلى دعم التعليم ومحو الأمية لتمكين بنات جنسها وضمان تعليمهن المهارات الحياتية وذلك من خلال مراكز محو الأمية التي افتتحتها في الكثير من المدن الجزائرية على رأسها جمعية "اقرأ" حيث ساهمت في محو أمية أكثر من مليوني شخص على مدار 30 عاماً بين نساء ورجال، في وقت وصلت فيه نسبة القضاء على هذه الظاهرة في الجزائر بـ 10.16%، حيث نوهت في لقاء لها أن الأغلبية الساحقة من الأشخاص المسدلين في دروس محو الامية هم من النساء مؤكدةً على شجاعتهن وإرادتهن في كسر بعض التابوهات ورفع التحديات، إلى جانب تطوير الجمعيات لكتيبات في مجال التوعوية بما يخص الصحة الإنجابية والجنسية وكذلك الحقوق الإنجابية والوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي.

 

مسيرة حافلة وجوائز مستحقة

شاركت جمعية "اقرأ" في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وعلى رأسها خفض نسبة الأمية إلى النصف، من خلال إطلاقها برنامجاً واسعاً لمحو الأمية والتدريب والإدماج المهني للنساء تحت اسم مشروع "عفيف" في جميع أنحاء البلاد، حيث قالت عنه إنه النموذج الأصلح للقضاء على أمية المرأة وإدماجها، استطاعت من خلاله إبراز جهل الكثير من الناس خاصة أولئك الذين يعيشون في الأرياف، وخلال أكثر من ثلاثين عاماً عمت الفائدة على ملايين الأشخاص خاصة النساء، وبذلك حصلت الجمعية على صفة جمعية ذات منفعة عامة.

أنشأت عائشة باركي مراكز تعلم الحرف والصناعات التقليدية للنساء المحرومات من الخروج من المنزل والعمل، كما طورت الوسائط التكنولوجية في محاربة الأمية، لم تتوقف عند هذا الحد بل أطلقت شعار "حريتي في محو أميتي" وتكللت جهودها المبذولة في سياق محو الأمية بوضع استراتيجية بالجزائر ساعدت على خفض نسبة الأمية في البلاد عام 2019 إلى 7.8% مقابل 85% تقريباً عند الاستقلال وهذه الاستراتيجية كانت السبب في منح الجزائر جائزة اليونيسكو عام 2014، ليس هذا فحسب بل أصدرت كتابها الشهير "أمحو أميتي" بثقافة اللاعنف مساهمةً في دعم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف التي أشرفت عليها آنذاك وزارة التضامن الوطني وقضايا الأسرة تحت شعار "من أجل مجتمع آمن".

وخلال مسيرتها النضالية والجمعوية قامت عائشة باركي بإطلاق مشروع تعليم الأمازيغية عام 2015 بالتعاون مع المحافظة السامية للغة الأمازيغية في البلاد ضمن مبادرة لتعلم هذه اللغة، وذلك بفتح قسمين بولاية بومرداس للتوسع فيما بعد إلى 27 قسم على الرغم من انعدام المراجع والكتب الخاصة بهذه اللغة التي شكلت أبرز التحديات التي واجهتها عائشة باركي إلى جانب قلة المؤطرين، فقد كشفت في لقاء لها أن اصطدام تجربة محو الأمية الأمازيغية في كثير من الأحيان بضآلة الإقبال على الدروس في حالات توفر المدرسين وفي غيابهم في المناطق التي تعرف طلباً متزايداً على تعلم هذه اللغة.

وخلال رحلتها لتمكين المرأة وتعزيز حقوقها بمحو أميتها، حصلت جمعية "اقرأ" على العديد من الجوائز منها اليونسكو الدولية لمحو الأمية عام 1997 وفي ذات العام انضمت عائشة باركي للمرصد الوطني لحقوق الإنسان الذي ترأسته بالإنابة، وفي العام التالي حصلت على جائزة أليسكو وعام 2000 حصلت على جائزة إيسيسكو وغيرها من الجوائز في مجال محو الأمية، كما أن الجمعية عضو في العديد من المنظمات العربية غير الحكومية، كما أن عائشة باركي كانت مراقب في المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة وعضو مؤسس لهذه المنظمة بفرعها العربي، وكذلك شغلت منصب نائبة رئيس المجلس الدولي لتعليم الكبار التي حصلت منه على جائزة "روبي كيد" عام 1994.