السلطانة شجرة الدر ملكة مصر 80 يوماً

شجر الدر أو شجرة الدر من أكثر الأسماء النسائية شهرة في التاريخ الإسلامي وخاصة في الدولة المملوكية استلمت حكم مصر في وقت عصيب، واستطاعت انهاء الوجود الصليبي في البلاد الواقعة تحت حكمها

مركز الاخبار ـ .  
لم يكن عرش مصر في حساباتها ولا ضمن مخططاتها فهي لم تكن مؤهلة لذلك بحسب التسلسل الطبقي الذي يحكم المجتمع، فهي امرأة وجارية اشتراها الصالح نجم الدين أيوب سابع سلاطين الدولة الأيوبية قبل أن يصبح سلطاناً.
شجرة الدر عُرفت بجمالها وذكائها. وحتى اليوم لا يوجد تأكيد تاريخي عن أصولها الحقيقية حيث اختلف المؤرخون في نسبها بين تركية وخوارزمية وأرمنية فيما قال آخرون أن أصولها بدوية.
تقول بعض الكتب التاريخية أنها ذات أصول تركية ولدت في أرمينيا الجبلية لعائلة مسيحية، لكنها اختطفت وبيعت في سوق النخاسة مع الجواري والغلمان واعتنقت الإسلام بعد أن اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب. 
كانت مع الصالح نجم الدين أيوب عندما اعتقل في الكرك عام 1239م، وبقيت معه خلف القضبان لمدة سبعة أشهر، في ذلك الوقت رزقا بطفل اسمياه خليل لقب فيما بعد بالملك المنصور لكنه توفي في عام 1250م. 
بعد إطلاق سراحهما وعودتهما إلى مصر أعتق السلطان شجرة الدر وتزوجها. 
 
وفاة الصالح نجم الدين 
في عام 1204م أصبح الصالح نجم الدين أيوب سلطاناً على مصر. في الأوقات التي كان يغادر فيها البلاد تأخذ شجرة الدر مكانه وتقوم بتسيير شؤون الحكم، ظلت الأمور على حالها حتى عام 1249م عندما انقلبت أحوال البلاد وأحوال شجرة الدر رأساً على عقب. 
انسحبت القوات المصرية من دمياط وتركتها فريسة سهلة للصليبيين، وهو ما دعا السلطان نجم الدين أيوب إلى معاقبتهم. كان الأسطول الفرنسي ضخماً حيث تكون من 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم. 
في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 1249م مات السلطان على إثر مرض أصابه بينما الحرب مشتعلة بين المسلمين والصليبين وقد تقدموا داخل الأراضي المصرية.
 
العرش... خيار الضرورة
في تصرف يتسم بالحكمة قررت شجرة الدر اخفاء خبر وفاة زوجها السلطان نجم الدين أيوب حرصاً على عدم تشرذم جيوش المسلمين، وتجنب حدوث اضطرابات حتى انهاء الغزو الصليبي، ثم نقلت جثته سراً إلى قلعة جزيرة الروضة وقالت إن الاطباء منعوا عنه الزيارة. 
استطاعت شجرة الدر إدارة البلاد باسم السلطان مستفيدة من الأوراق التي تركها لها، فقبل وفاته ترك لها أوراقاً على بياض فكانت تصدر الأوامر حول المعركة، وكذلك أخذت العهد له واستطاعت تنصيب ابنه توران شاه ولي للعهد.  
لم تطمع شجرة الدر بالحكم يوماً وخير دليل على ذلك إرسالها في طلب ابن الصالح من زوجته الأولى ويدعى "توران شاه" ليتسلم الحكم بدلاً من والده المتوفى، وكان حاكماً على "حصن كيفا" التي تقع حالياً بمحافظة بطمان في تركيا.
 
شجرة الدر تكتب تاريخ مصر 
في ذلك الوقت المسافة من تركيا إلى مصر تحتاج أياماً إن لم يكن شهوراً مما يصعب وصول توران شاه في الوقت المناسب لإدارة المعركة.
لم يكن الوقت مناسباً للانتظار خاصة وجيوش الحملة الصليبية بقيادة الملك الفرنسي لويس التاسع نزلت على شواطئ ساحل مدينة دمياط ونصب الجنود خيمة لملكهم منذ حزيران/يونيو 1249م ويكاد كابوس احتلال البلاد من قبل الصليبيين والسيطرة الكاملة على البلاد يتحقق مما استوجبت تحركاً سريعاً.
وصل نبأ موت السلطان إلى الصليبين وهو ما شجعهم على التوغل أكثر في البلاد ومهاجمة المنصورة.
بعد تسلم شجرة الدر للحكم عملت على تنظيم القوات المنسحبة، وقبلت بخطة القائد المملوكي بيبرس البندقداري وهي نصب كمين لاستدراج القوات الصليبية إلى داخل مدينة المنصورة ما يعرف بمعركة المنصورة والتي استمرت ثلاثة أيام (8ـ11 شباط/فبراير 1250م).
فُتح أحد أبواب المنصورة وتم الإيعاز للشعب للتأهب والالتزام بالسكون التام لتشجيع القوات الصليبية على الدخول وإيهامهم أن ما حدث في دمياط قد حدث في المنصورة وأن قوات المسلمين انسحبت من المدينة.
انطلت الحيلة على جيش لويس التاسع وحوصر جنوده في المدينة وقتلت أعداد كبيرة منهم بعد أن باغتتهم قوات المماليك بالسيوف ورماهم الشعب بالحجارة والرماح، وتم أسر الملك لويس التاسع.
وبذلك استطاعت شجرة الدر إدارة المعركة بحنكة كبيرة والانتصار على الفرنسيين بعد أن احتجزت قائد الحملة وأنهت الوجود الصليبي في البلاد.
 
السلطانة شجرة الدر
بعد انتصار المسلمين في المعركة وصل توران شاه إلى مصر وأعلن رسمياً عن وفاة السلطان الصالح نجم الدين أيوب ليتولى ابنه الحكم وأطلق عليه لقب المعظم. 
لم يملك توران شاه خبرة في الحكم والسياسة بل إنه تنكر لشجرة الدر واتهمها بسرقة ثروة والده واخفائها، وأصر على أن تسلمه الثروة المزعومة رغم تأكيدها له بأنها انفقتها في المعارك. 
لم يكن موقفهُ أفضل تجاه المماليك فقد احضر موالين له كانوا معه في حصن كيفا ووزع عليهم الهبات والإقطاعات دون المماليك بل إنه كان يحتقرهم ويهددهم، وأبعدهم عن الحكم مما زرع الخشية في قلوبهم من غدره بهم فعملوا على التخلص منه وكان ذلك في عام 1250م أي بعد أقل من شهرين على مبايعته، وبذلك سقطت دولة الأيوبيين وقامت دولة المماليك.
بعد مقتله بايع المماليك شجرة الدر لتولي شؤون البلاد ونقش على العملة اسمها وهو "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة خليل أمير المؤمنين".  
استفادت من النصر المحقق على الصليبيين وأسر قائدهم وملكهم لويس التاسع ففرضت شروطها وهي القبول بإخلاء سبيل لويس التاسع مع كبار الأسرى مقابل دفع فدية ضخمة والتعهد بسحب جميع القوات الموجودة في دمياط ومن كافة البلاد.
في عهدها بدأ تسيير المحمل المصري إلى دولة الحجاز وهو موكب يخرج كل عام من مصر حاملاً كسوة الكعبة واستمر حتى منتصف الخمسينيات من القرن العشرين. كما نقلت الأموال والمؤن إلى أهل البيت.
 
لأنها امرأة طُلب منها ترك الحكم 
"إن لم يكن لديكم رجال في مصر نرسل لكم أحد رجالنا" بهذه الجملة الذكورية طالب الخليفة المستعصم بالله آخر خليفة عباسي تنحية شجرة الدر متجاهلاً انتصارها على جيش لويس التاسع، وحماية المنطقة من التمدد الصليبي. 
تعاملت شجرة الدر مع هذا الموقف المُهين بحكمة فقالت بعد قراءة رسالة الخليفة إنها تنزع نفسها عن الحكم بكل رضى "أنا لم أقبل هذا المنصب إلا عملاً برأيكم أيها الأمراء والقادة ورغبة في استقرار الأحوال بعد اضطرابها... أما الآن فإني أخلع نفسي". عند تنازلها عن العرش كانت قد قضت ثمانين يوماً فقط في الحكم.
لكنها وفي الحقيقة لم تستكن لهذا الظلم وقررت التحايل على الخليفة العباسي وتنازلت عن الحكم للأمير عز الدين أيبك أحد قادة المماليك بعد أن تزوجته.
في الظاهر ابتعدت شجرة الدر عن الحكم لكن في حقيقة الأمر وبحسب المؤرخين فإنها كانت مسؤولة عن جميع القرارات التي تصدر كما قال المؤرخ المصري أبن تغري بردي والذي عاش في تلك الفترة أن شجرة الدر "كانت مستولية على أيبك في جميع أحواله ليس له معها كلام". اتخذ عز الدين أيبك لنفسه لقب الملك المعز عند تنصيبه على عرش مصر عام 1250م وبقي سبع سنوات.
 
شجرة الدر ضحية الخيانة والغدر
الرواية التاريخية التي يتجاهلها من يكتب عن حياة شجرة الدر هي العداوات التي انشأها عز الدين أيبك لنفسه وهي ما قلبت أقرب الناس اليه وهم المماليك وكان السبب في انقسامهم بين مؤيد له وناقم عليه، ويأخذون برواية تاريخية تتهم شجرة الدر بتدبير قتله. 
تآمر عز الدين أيبك مع سيف الدين قطز والمماليك البحرية من أجل اغتيال زعيم المماليك البحرية في مصر فارس الدين أقطاي وكان ذلك في عام 1254م. بعد هذه الحادثة فر عدد من المماليك خارج مصر إلى الأردن وسوريا ومنهم من اتجه نحو سلطنة الروم والسلاجقة. كان من بين الفارين بيبرس البندقداري صاحب الخطة التي أوقعت الصليبيين في معركة المنصورة. أما المماليك البحرية الذين فشلوا في الهروب قام عز الدين أيبك بإعدامهم.
المماليك ونتيجة لمجازره بحقهم أعلنوا ولائهم لغريمه الملك الناصر يوسف في دمشق، وشجعوا الأخير على غزو مصر والإطاحة به. ولحماية نفسه سعى عز الدين أيبك إلى عقد تحالفات تساعده على الاحتفاظ بالسلطة والتصدي لقوات الأيوبيين والمماليك البحرية المتجهة صوب البلاد فقرر الزواج من ابنة صاحب الموصل السلطان بدر الدين لؤلؤ وإبعاد شجرة الدر عن القصر. 
في العاشر من نيسان/أبريل 1257م قتل عز الدين أيبك على يد بعض الخدم والموالين للمماليك، فاتُهمت شجرة الدر بتدبير خطة اغتياله، وسُلمت لزوجته السابقة التي أمرت جواريها بضرب شجرة الدر بالقباقيب حتى لفظت انفاسها الأخيرة. قتلت في القاهرة في الثالث من أيار/مايو 1257 ورميت جثتها خارج القلعة، ودفنت بقاياها التي نهشتها الطيور لثلاثة أيام. 
وما يزال ضريحها الموجود في حي الخليفة أحد مناطق السيدة زينب في العاصمة المصرية من أشهر الاماكن السياحية.
 
شجرة الدر في الأعمال الفنية
لطالما كانت سيرة حياة شجرة الدر مادة غنية للكُتاب والمبدعين، فحتى بدايات القرن العشرين كانت قصتها تروى على لسان الحكواتي ضمن حياة الظاهر بيبرس مع تغيير كبير في حقيقة الأحداث.
حضرت شجرة الدر في الأفلام، فمنذ بداية تأسيس السينما المصرية عام 1896م وثقت قصة شجرة الدر، وكان أولها عام 1935 بفيلم حمل اسمها لعبت الفنانة آسيا داغر دور البطولة فيه.
في عام 1962 جُسدت فترة حكم المماليك في فيلم "وإسلاماه" بإنتاج مشترك بين مصر وإيطاليا مأخوذ من رواية بنفس الاسم للكاتب علي أحمد باكثير، في النسخة العربية قامت الفنانة تحية كاريوكا بدور شجرة الدر، وفي النسخة الإيطالية قامت بدورها الممثلة سيلفانا بامبانيني.
حضرت شخصية شجرة الدر في الدراما العربية، ففي الإمارات عرض مسلسل باسمها عام 1979 قامت الفنانة نضال الأشقر بدور البطولة فيه.
كانت شخصية شجرة الدر رئيسية في المسلسلات التي انتجت عن تلك الفترة من تاريخ مصر ففي عام 1994 أنتج مسلسل مصري عن حياة سيف الدين قطز (بطل معركة عين جالوت) وكانت شجرة الدر إحدى الشخصيات الرئيسية فيه وقامت بدورها الممثلة نوال أبو الفتوح. وفي عام 2006 أنتج مسلسل عن الغزو التتاري للعالم الإسلامي بعنوان "باب مصر" قامت الممثلة السورية رغدة بدورها، وفي المسلسل السوري الظاهر بيبرس عام 2005 قامت سوزان نجم الدين بدور شجرة الدر.
لا يُغفل التاريخ انجازات شجرة الدر خلال 80 يوماً من حكم مصر لكنه أيضاً لم يغفل النهاية المهينة لتلك المرأة التي انهت الوجود الصليبي في البلاد. لم تكن نهاية شجرة الدر بقدر انجازاتها فالخيانة والمكائد انهت حياة امرأة استثنائية قادت فترة حرجة من تاريخ مصر والمنطقة بحكمة وذكاء.