الشهيدات الثلاث تركن خلفهن مسيرة حافلة بالنضال (1)

كرست الشهيدة زهرة بركل حياتها منذ الصغر لتدريب وتوعية النساء لتتعرفن على هويتهن وحقوقهن.

نظمت النساء وعرفتهن على حقوقهن... زهرة بركل الشهيدة التي تركت إرثاً للنساء

نورشان عبدي    

كوباني - تاريخ حركة حرية المرأة مليء بنضال النساء ضد النظام الفاشي والدول المهيمنة والرأسمالية والسلطوية والمجتمع الأبوي وكان لشهيدات مجزرة 23 حزيران/يونيو 2020 ومن بينهن المناضلة زهرة بركل تاريخ من النضال والمقاومة.

في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو 2020 قصفت الدولة التركية قرية حلنج الواقعة شرق مدينة كوباني بشمال وشرق سوريا بطائرة مسيرة، وأسفر الهجوم عن استشهاد ثلاث نساء تعملن ضمن المؤسسات النسوية، وهن عضو منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات زهرة بركل، والإدارية في مؤتمر ستار في ناحية شيران هبون ملا خليل، والأم أمينة ويسي. 

 

من هي زهرة بركل؟   

لم يتجاوز عمر زهرة بركل عندما استشهدت الـ 33 عاماً، لكنها تركت إرثاً للنساء.    

ولدت زهرة بركل في قرية برخ بوطان التي تقع جنوب مقاطعة كوباني، لتكون الطفل السابع لعائلة مؤلفة من 6 أخوات و4 أخوة، والدتها تدعى خالدة سنجار ووالدها بكر بركل.   

ودرست المرحلة الابتدائية والإعدادية في كوباني وأكملت تعليمها في كلية الحقوق بجامعة حلب لمدة عامين، إلا أنها لم تواصل تعليمها نتيجة الظروف المادية لعائلتها، لذلك لجأت للعمل على تعليم النساء الأميات لمدة عام كامل، وبعد ثورة روج آفا التي اندلعت في 19 تموز/يوليو 2012 درست اللغة الكردية في مدارس كوباني لمدة خمس سنوات.  

ومنذ صغرها تميزت زهرة بركل بالفطنة والذكاء وكانت ذات شخصية قوية، ووعي مكنها من التعامل مع الصغار والكبار بمحبة وحكمة، وظهر ذلك جلياً بعد وفاة والدها، حيث أنها حملت على عاتقها مسؤولية إعالة أسرتها ودعمها من كافة الجوانب المادية والنفسية.

 

"سنداً وقوة لعائلتها"

عن حياة زهرة بركل ونضالها تقول دلى بركل الأخت الصغرى "زهرة كانت الوحيدة التي أكملت تعملها من بيننا، وكانت المعيلة والمسؤولة عن المنزل وعنا جميعاً، فقد امتلكت قوة وإرادة في إدارة المنزل، وكانت بالنسبة لنا أماً وقدوة فقد تحملت مسؤولية المنزل عندما كان والدي مريضاً فإضافةً لعملها خارج المنزل كانت تقوم بكافة الواجبات المنزلية".

تصف دلى بركل شقيقتها بـ "السند"، وتؤكد أن "الجميع استند عليها في تسيير أمور العائلة، وجميعنا كنا نأخذ برأيها بشأن القرارات المتعلقة بالمنزل وبحياتنا الشخصية أيضاً، لم نكن نتخذ أي قرار بشأن حياتنا أو العائلة دون موافقتها، لقد وثقنا بها وبأفكارها وبإرادتها وبأنها قادرة على إيجاد الحلول لكل من يلتجأ إليها، فكانت علاقتها معنا مختلفة وسيبقى مكانها فارغاً".

لم تقتل المسؤوليات الكبيرة التي ألقيت على كاهلها روح الدعابة فيها أو الابتسامة عن وجهها "زهرة صاحبة قلب حنون، اتسع لجميع النساء وليس لعائلتها فقط، لديها القدرة على الاستماع لمعانتهن، واستطاعت أن تكسب ثقتهن الشابات منهن والمسنات وهذا أكثر ما جعلها تكسب تلك المحبة من الجميع لتمضي قدماً في عملها وتصبح منسقة في مؤتمر ستار".   

 

دعم النساء   

تعرفت زهرة بركل في وقت مبكر من حياتها على حركة التحرر الكردستاني، وتلقت تدريبات حول حرية المرأة والمجتمع الديمقراطي عن ذلك تقول دلى بركل "ننتمي لعائلة وطنية فكانت العديد من التدريبات الفكرية تنظم في منزلنا، وكانت شقيقتي زهرة تنضم لتلك التدريبات، وفي بعض الأحيان تهمل تعليمها في سبيل الاستفادة مما يتم شرحه خلال المحاضرات، وهذا الأساس الذي بنيت عليه شخصيتها، وبعد اندلاع ثورة روج آفا تلقت تدريبات عسكرية وفكرية".

وتشير إلى أنها كانت تخشى من حمل السلاح في البداية إلا أنها اعتادت على ذلك بعد تلقيها التدريبات "صحيح أن زهرة كانت تخاف من السلاح والتدريبات العسكرية ولكن بعد خضوعها لعدة تدريبات تغيرت نظرتها، وأصبح لها ارتباط وثيق بالحركة وبهذه الروح والمعنوية التي اكتسبتها من الروح الرفاقية انضمت للعمل، ولأنها كانت تعتبر المرأة وحريتها خطاً أحمر عملت ضمن عدة مؤسسات وأغلبها المؤسسات النسوية". فمع بداية ثورة روج آفا عام 2012 انضمت زهرة بركل للعمل في دار المرأة، وعام 2013 تطوعت للعمل في الهلال الأحمر الكردي.

تقول دلى بركل أن الوضع الاقتصادي الصعب لعائلتها دفعهم للانتقال إلى شمال كردستان بحثاً عن عمل "انتقلنا إلى شمال كردستان قبل شهرين من مقاومة كوباني وعملنا في الزراعة"، لم يشكل هذا الأمر عقبة أمام زهرة بركل حيث عملت بنشاط على تنظيم النساء في شمال كردستان أيضاً، ومع انتصار مقاومة كوباني عادت إلى كوباني، وأصبحت الرئيسة المشتركة لديوان مجلس الشعب في عام 2015.     

وعملت ضمن حركة المجتمع الديمقراطي لفترة وبعدها في مجلس العدالة الاجتماعية، ومن ثم عينت رئيسة مشتركة لبلدية الشعب في مقاطعة كوباني عام 2017، ومن ثم انتخبت عضو في منسقية مؤتمر ستار في إقليم الفرات خلال الكونفرانس الثَّامن للمؤتمر عام 2018، وبهذا الشكل بدأت زهرة مسيرة عشقها للبحث عن الحرية وهوية وحقيقة المرأة.

وساهمت خلال عملها في مؤتمر ستار بالعمل التنظيمي وذلك عبر تنظيم النساء في المؤسسات ودمجهن بالمجتمع، وكانت تقوم بزيارات للمنازل لتوعية النساء ولتعريفهن بحركة تحرير المرأة، ولطالما سعت لتشجيع النساء على الانضمام للتدريبات الفكرية.

وخلال مسيرة نضالها كانت زهرة بركل تسعى لتطوير نفسها في عملها وتوسيعه، هادفة من خلال ذلك للوصول لكافة النساء في إقليم الفرات، لإيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهن، وخلال عملها في مؤتمر ستار اقترحت زهرة بركل افتتاح دورات فكرية للرجال بهدف توعيهم.  

كانت امرأة ذات شخصية مدركة لهدفها وتكافح باستمرار، اشتهرت بصفاتها المتمثلة في وجهها الضحوك والروح المرحة وتحمل المسؤولية والتواضع والتواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أنها كانت تعاني من مشاكل صحية إلا أنها لم تتخل عن عملها.     

استذكرت دلى بركل مقتطفات من حياة شقيقتها زهرة بركل التي كانت تساندها وتقف بجانبها في كافة المواقف الصعبة وتدعمها "كانت بالنسبة لي مصدر قوة وثقة، لها فضل كبير علي عندما علمتني سبل الحياة وكيفية التعامل مع الآخرين ودائماً ما ترشدني إلى طريق الصواب".  

 

تركت بصمتها في مسيرة نضال المرأة في شمال وشرق سوريا  

زهرة بركل امرأة أسهمت في توسيع إطار الحركة النسوية ونشرت مبادئها السامية في عدة أماكن، تقول دلى بركل التي ما زالت متأثرة بنضال شقيقتها وتسير على خطاها "عمل شقيقتي مدني حقوقي، لقد عشقت العمل في مجال المؤسسات النسوية وأرادت فقط تنظيم النساء ودعمهن، لكن الدولة التركية التي كانت ومازالت تخاف من تقديم وتطور النساء في مناطق شمال وشرق سوريا استهدفت زهرة بركل ورفيقاها في محاولة لكسر إرادة النساء والقضاء على كيان المرأة التي وصلت لمستويات متقدمة على طريق الحرية، وحققت نجاحات كبيرة ونظمت نفسها، وأدارت مجتمعها".  

بعد أعوام من العمل الدؤوب استهدفت طائرة مسيرة للاحتلال التركي أحد منازل المدنيين بقرية حلنج الواقعة شرقي مقاطعة كوباني في إقليم الفرات بشمال وشرق سوريا مما أسفر عن استشهاد زهرة بركل ورفيقتيها.

تقول دلى بركل أن أولئك اللواتي فقدن حياتهن في ذلك الهجوم هن عضوات في مؤتمر ستار الذي يدافع عن حقوق النساء في جميع أنحاء العالم لذلك فإن المجزرة هي بحق حركة تحرر المرأة كاملةً "نقترب من الذكرى الثانية للمجزرة ولم يتحرك ساكن للعالم لمحاسبة المجرمين".