"الحياة ثمينة"... كلودين عون ورؤيتها للحياة

لم ترسخ كلودين عون روكز حضورها في ميدان العمل العام متكئة على إرث سياسي فحسب، وإنما انطلاقاً من قناعات ترسخت في مسار حياتها الصعبة

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ لم ترسخ كلودين عون روكز حضورها في ميدان العمل العام متكئة على إرث سياسي فحسب، وإنما انطلاقاً من قناعات ترسخت في مسار حياتها الصعبة. كلودين عون هي التي ولدت قبل ثلاث سنوات من اندلاع الحرب اللبنانية، لتعيش لاحقاً في دوامة الخوف والقلق، فأدركت أن الحياة ليست فعل تحدٍ ونضال فحسب، بل انها ثمينة للغاية، لتستمر بالتحليق في فضاء إنساني، دأبها تكريس قيم العدالة والمساواة في مجتمعها، فكانت المرأة حاضرة وما تزال القضية الأهم، دون أن تلغي أن ثمة أمور عدة لا تقل أهمية، من البيئة إلى التنمية والطفولة وغيرها من القضايا.   

 

البدايات

عن البدايات قالت كلودين عون روكز "ولدت في العام 1972، أي قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وعانيت مثل كل أطفال لبنان من هذه الحرب، وعشت في الملاجئ والخوف، عشت في بيئة غير آمنة كل يوم كان هناك خطر على حياتي، وعلى حياة من حولي، ولكن بين عمر 16 وحتى 18 عاماً كنت ناشطة كثيراً في المقاومة من ناحية التوثيق والتواصل، وقد علمتني الحرب تجربة هامة بأن الحياة لا تقدر بثمن، وفي العام 1988 أي بعد انتقال العائلة إلى المنفى في فرنسا، وفي هذه الأجواء الملبدة بالخوف والترقب، توجهت للعمل على تفادي المشاكل بالتوعية والوقاية، وهو ما أثر بي، خصوصاً لجهة شغفي في عملي بقضايا السلام والمرأة وحقوقها والوقاية من المخدرات لدى الشباب، وكذلك في مجال البيئة من خلال عملنا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة حالياً على التغير المناخي وقضايا الرفق بالحيوان، ومكافحة الصيد العشوائي، وهذا الاتجاه نابع من شعورنا أثناء الحرب، فقد تفتحت عيوننا على أنه عندما تسقط الحياة، فلا يبقى شيء، فمعنى الحياة بالنسبة إلي هو مقدار ما يمكنك المحافظة على أخلاقك وقيمك والاتجاه إلى عمل الخير، والمعركة والصراع المستمر بين الشر والخير".

وتابعت "تعلمت في فرنسا، وكان من الصعب أن أستوعب أنني أعيش في بلد آمن بعد العيش حوالي 18 سنة في الحرب، التأقلم بالعيش في بلد آمن أخذ مني بعض الوقت فهناك بشراً يعيشون بأمان من أول يوم في أعمارهم وحتى ساعة الوفاة، وهو شعور فقده وافتقده الشعب اللبناني، وخلال دراستي في الجامعة كان الاتجاه نحو مناصرة قضايا المرأة والعدالة الاجتماعية، حيث كانت أول شهادة لي في مجال الثقافة والإعلام، ثم أكملت في مجال الإعلام المرئي والمسموع، لأحصل على شهادة البكالوريوس في هذا المجال، ثم عملت على رسالة الماجستير حيث تمحورت حول صورة المرأة في السينما الفرنسية ما بعد الحرب العالمية الثانية".

 

الصورة النمطية للمرأة في فرنسا ما بعد الحرب

وأضافت كلودين عون روكز عن حياتها في فرنسا "خلال هذه الفترة تابعت دراسة مواد في مجال التاريخ لكي أفهم خلفيات الحرب من الناحية الثقافية وتداعياتها على البشر، فصرت مناصرة لقضايا المرأة، فبعد أن خسرت فرنسا الكثير من الرجال في الحرب، أصبح واجباً على النساء العمل لتأمين معيشة أسرهن واقتصاد البلاد. بعد فقدان هذا العدد الكبير من الرجال قام الاقتصاد الفرنسي حينها على أكتاف النساء، وهو ما ركزت عليه في رسالتي، فبعد الحرب كان هناك فجوة، بين النمطية في تصوير المرأة بالسينما، على أنها شيء يمكن استخدام جسمها وجمالها، واسقاط هذه الصورة في الواقع الفرنسي، عكس حقيقة أنها كانت تنهض بالاقتصاد وبأسرتها، ومن هنا بدأ اندماجي ليس بقضايا المناصرة لحقوق المرأة فحسب، بل كذلك لحقوق الإنسان، والعدالة، فلست نسوية بالمعنى المتطرف للأمور، فأنا مع العدالة الاجتماعية، وفقا لقيمي، فهذه كلودين التي تربت وكبرت في هذه الأجواء، ثم تزوجت وأنجبت ثلاثة أولاد، وبقيت خلال ثماني سنوات أهتم بإدارة المنزل، والأسرة وتربية الأولاد، كنت صغيرة أي في العشرينيات، لأحمل مسؤولية ثلاثة أولاد صبي وبنتين، بكل ما لهذه المهمة من صعوبات، إلا أنها علمتني إدارة مئات الأمور في الوقت عينه، من العمل على الصحة النفسية للأطفال إلى الطبخ وغيره، ولعل الأهم أني تابعت أولادي خلال هذه الفترة وعشت معهم طفولتهم، عشت كأم وكزوجة ولكن لم أهمل الجانب الثقافي، حيث تابعت العديد من المجالات العلمية والثقافية والحياتية، فقد أخذت دورات في اللغة الإنجليزية والتمكن العلمي وغيرها، وبقيت ناشطة في كافة المجالات".

 

الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية

وأكملت كلودين عون روكز "بعد أن عدنا من المنفى إلى لبنان، أصبحت ناشطة في المجال السياسي، فأصبحت تجربتي أغنى في مجال التشريع والعمل البرلماني واقتراح القوانين وملاحقتها، وإدارة التواصل ضمن الحزب وعلى عدة مراحل وكنت مسؤولة عنها، وفي العام 2009 توجهت لتأسيس عمل خاص بي والعمل لأصبح مستقلة مادياً، أسست شركتي الخاصة Clementine للدعاية والإعلان، وفي العام 2016، أتتني الفرصة واستلمت مهام رئاسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي أعتبرها فرصة ذهبية، كونها مليئة بالتحديات".

وعن تاريخ الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، قالت "عملت السيدة الأولى منى الهراوي آنذاك، وبعد مؤتمر بكين على إنشاء هذه الهيئة وتم إقرار القانون بإنشائها في عهد الرئيس الياس الهراوي في العام 1998، علماً أن عملنا تطوعي، وموازنة الهيئة قليلة، وليست متناسبة مع المهام الموكلة إليها وفقاً للقانون، فلدينا مهام استشارية وتنفيذية وتنسيقية، وهذه الأمور تحتاج لدوائر عدة، ولدينا 12 موظفاً فقط يقومون بكل هذه المهام، ولكن وبمساعدة أعضاء الهيئة الإدارية وشركتي وشركائي فيها، ساعدنا بالإعلانات وغيرها، وكل شخص في مجال خبرته وعمله قام بمساهمات في أعمال الهيئة، بهدف وضع قضايا المرأة على الطاولة ومتابعتها، ولكني شخصياً اعتبرتها فرصة لأكون مناصرة لكافة القضايا التي كنت مقتنعة بها".   

 

التهميش وكسر التحيز

وأشارت كلودين عون روكز إلى أنه "واجهتني الكثير من الصعوبات، فأنا ومن خلفيتي العلمية، أنظر للدين بطريقة مختلفة، فبالنسبة لي الدين مبادئ وأخلاقيات، فكل منا لديه انتماءاته واعتقاداته وايمانه ولن أقبل أن أقوم باسم الدين بتهميش أحد، أو أميز بين الأشخاص، موضحةً أن "إعطاء الجنسية لأولاد النساء اللبنانيات، وهو موضوع حساس للغاية، ولم يستطع أحد الدخول فيه، وأنا شفافة لأذكر هذا الأمر، وقضية تزويج الأطفال، فثمة قضايا لم أدعم فيها بصورة كافية، ليس من الناحية السياسية فحسب، بل من جميع الأطراف، فكل شيء تقريبا في لبنان يتم بالتوافق".

 

إنجازات

وعند سؤالنا عن القضايا التي جعلتها تشعر بالرضا والقناعة وأنها قدمت إنجازات، أجابت كلودين عون روكز، بأن مساعدة الناس هو ما يشعرها بالرضى "أشعر بالفخر عندما أساعد أي شخص لديه مشكلة، من مرضى، مكتومي القيد، مرسوم التجنيس، وغيرها، وخصوصاً عندما صدر أول مرسوم تجنيس واستطعنا أن نعطي الجنسية لأطفال النساء اللبنانيات. كل حالة إنسانية نستطيع مساعدتها من موقعنا فهي قصة نجاح، وكل نجاح في تعديل قوانين أو إصدارها، مثل قانون التحرش الجنسي، وتعديلات قانون العنف الأسري، وقانون 1325 المتعلق بأجندة المرأة والسلام والأمن، يعتبر إنجازاً. تمكنا خلال سنة ونصف من أن نتابع هذه القوانين ليقرها مجلس الوزراء، وتنفيذها في فترة قصيرة".

وبينت أنه "وفقاً لمصادر تابعة لمجلس الوزراء فإن ثمة استراتيجيات تتطلب خمس سنوات لإعدادها، وقد تمكنا من إتمام بعضها خلال فترة قياسية، فليس عملنا حبراً على ورق، بل متابعة وجهد مستمرين، وهذا الأمر ينطبق على حملات المناصرة وتنفيذ التدخلات الخاصة بها وغيرها، ولكن الإنجاز الذي أعتز به، هو الدعم الذي نالته الهيئة ومن قبل جميع الجهات المانحة، فهم من دقوا أبوابنا لمساعدتنا نتيجة العمل الذي أنجزناه ونتابعه، ولعل الإنجاز الأكبر هو إلقاء الضوء ووضع قضايا المرأة على الطاولة في النقاشات مع الجهات المختلفة".

 

"النضال مستمر"

واعتبرت كلودين عون روكز أن يوم المرأة العالمي يوماً للاحتفال بإنجازات المرأة ونضالها، "هذا النضال مستمر، فعندما يكون الشخص وارثا لعصور من الثقافة التقليدية بأن موقع المرأة أدنى منزلة من الرجل وخاضعة لسلطته، فليس من السهل تغيير هذه المفاهيم، فهذا النضال يحتاج للاستمرارية ولنفس طويل، ولتضامن بين النساء، وهنا أشدد على ضرورة عدم وجود تنافس سلبي بين النساء، وأن تأخذ كل واحدة دورها، وهو أحد الإنجازات التي قامت بها الهيئة، بأن موقعها وعملها ليس في خانة تنافسية مع أحد آخر، فلديها دور، ولكل منظمة وجمعية دور خاص بها، فأنا هنا في مركزي الحالي فدوري مؤقت، وسأعود بعدها للنضال من خلال المجتمع المدني".

وأردفت "لدى كل منا كنساء قوة علينا استيعابها، وأحياناً لا تعرف النساء قدراتهن وأنهن يمكنهن إنجاز الكثير، لأنهن مقموعات، لذا فكل واحدة منا يمكنها تقوية الأخريات ممن حولها، وهذا التغيير أشهده فيمن حولي من صديقات، كيف كن خجولات وخائفات من المبادرة، وبدأت بتشجيعهن بأنه لا ينقصهن شيء، وأن يتابعن تثقيف أنفسهن. علينا التصرف بإيجابية، خصوصاً وأن وضع الواقع اللبناني كان دوماً صعباً، وهذا ليس أمراً جديداً علينا، فكل يوم ثمة تحدٍ جديد، من الأمن إلى التحديات الاقتصادية، وحتى حينما كنا ننعم بالسلام كان هناك احتلال، وهناك الهدر والفساد، لذا علينا تقبل الواقع وأن نقرر أي مسار سنأخذه، فهل أكتئب وأجلس في المنزل وأنتقد، أو أن أواجه وأمكن نفسي علمياً واجتماعياً بالنضال".

وعن مشاريعها بعد إنهاء خدماتها في الهيئة الوطنية، أشارت كلودين عون روكز إلى أن المرسوم بتعيينها ينتهي بتاريخ حزيران 2023، "بعد انتخاب رئاسة الجمهورية، وفي حال تسلم رئيس جديد، سأسلم العمل لمن يليني، وأنوي استكمال العمل على رسالة الدكتوراه والتي تتمحور حول عدم المساواة، ولأقرر كيفية استكمال العمل النضالي، سواء من خلال شركتي أو العمل الاجتماعي أو مناصرة القضايا والتحديات العديدة، أو بالشأن العام من خلال الانتخابات وغيرها، فليس لدي الوقت الكافي حالياً للعمل على الرسالة بسبب عملي في الهيئة والمسؤوليات المختلفة، فضلاً عن العمل على كثير من الإصلاحات والتعديلات في القوانين وفي شتى المجالات".