زوجات قاصرات... ضحايا العنف والحرمان من الحقوق

تزايد الفقر وانعدام الأمان والمساواة بين الجنسين إلى جانب العنف الجنسي والفلتان الأمني، أسباب تؤدي إلى ارتفاع معدلات زواج القاصرات في إدلب بالشمال السوري.

لينا الخطيب

إدلب ـ الكثير من الآباء يسوْقون بناتهم إلى مصيدة الزواج المبكر، وإجبارهن لعيش تجارب زواج تنتهك إنسانيتهن ووجودهن، فتتعرضن لإساءات جسدية ونفسية فلا تجدن خيارات أمامهن خاصة بعد حرمانهن من التعليم والتنصل من مسؤوليتهن أو طمعاً بمهورهن.

وصلت بتعليمها للصف الخامس، لكن أسرتها حرمتها من استكماله، لتزويجها من رجل ينتمي لأحد الفصائل المسلحة بإدلب، علا القدور ذات 14 عاماً تزوجت بسن الثالثة عشرة، لتبدأ رحلة معاناتها مع زوج يعنفها باستمرار، "بحجة نزوحنا من مدينة خان شيخون والجوع والعزلة قرر والدي تزويجي، وأخذ المهر لشراء الغذاء والحصول على المأوى لإنقاذ من تبقى من أفراد عائلتي".

وأكدت أنه يجب عليها أن تتحمل عنف زوجها فقط لتحافظ على هذا الزواج من الانهيار "يعتقد والدي أن الأمر عندما يصل إلى صعوبة تأمين مستلزمات عائلتنا، فإن زواج الفتاة أفضل من بقاءها في ظل عائلة لا تؤمن لها أبسط متطلبات الحياة، لذلك حرمني من التعليم لأتحمل مسؤوليات تفوق عمري وقدرتي، وأدركت متأخرة أنّي تعرضت لظلم كبير، حين أصبح الزواج خياراً للتخلص من تواجدي بمنزل عائلتي".

أما سلمى البكار البالغة من العمر 15عاماً نازحة من بلدة خان السبل بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم كللي شمالي إدلب، أصبحت أماً لطفلة قبل أن تستمتع بطفولتها "أجبرني والدي على الزواج من أول شخص يتقدم لخطبتي، لم أكن سعيدة ولو للحظة منذ زواجي من رجل يكبرني بخمسة عشر عاماً، وفجأة وجدت نفسي في دور ومسؤولية لم أتمكن من النهوض بهما، كزوجة وأم لطفلة لا أعرف كيف أتعامل مع ذلك".

إنه ليس حال سلمى البكار وعلا القدور فقط بل أيضاً حال أحلام حجو ذات 17 عاماً ضحية أخرى للزواج القسري والمبكر من بلدة حربنوش شمالي إدلب، حيث أُرغمت على الزواج عندما كانت في الـ 15 سنة من عمرها فقط، واضطرت للرضوخ والموافقة على الزواج للتخلص من ضغوطات أسرتها "بمجرد وصولي إلى منزل زوجي، أرغمني على ترك المدرسة، وبدلاً من الاستيقاظ باكراً للذهاب إلى المدرسة أصبحت أستيقظ لإنجاز أعمال المنزل من غسيل وطهي وتنظيف، وتسبب الضغط النفسي الذي عانيت منه في تدهور صحتي الجسدية، وبعد عام من زواجي، تطلقت وتُركت لأكون بلا أي حقوق".

وقالت المختصة بالإرشاد النفسي رنا الهزاع من مدينة إدلب عن زواج القاصرات إنه "ثقافة مجتمعية وتقاليد سيئة دمرت حياة العديد من الفتيات، لتبقى جروحاً في قلوبهن طوال حياتهن"، مشيرةً إلى أن الكثير من الأسر تعتبر أن الزواج هو المؤسسة التي ستؤمن للفتاة متطلباتها تحت إطار الستر وسور الحماية، وأن المرأة لا يوجد لها سوى بيتها وزوجها وأبنائها.

وأوضحت أن هناك عوائل في الأرياف تتباهى بالأعداد الكبيرة لأفراد الأسرة نتيجة زواج القاصرات، فمعظم هذه الموروثات الاجتماعية يصعب تغييرها دون مراعاة لعواقب زواج القاصرات وخطورته المجتمعية "لا تستطيع الفتاة في هذا السن اختيار الزوج بشكل صحيح، وذلك يتسبب في زيادة العنف الأسري، وقد يصل الأمر إلى الطلاق في الكثير من حالات زواج القاصرات، كون هذا الزواج يتم بين أفراد غير مسؤولين اجتماعياً، وسط انعدام الانسجام الفكري بين الزوجين بسبب صغر أعمارهم أو تفاوتها بشكل كبير".

وبينت أن تردي الأوضاع الاقتصادية يساهم بشكل مباشر في انتشار ظاهرة زواج القاصرات، للتخلص من بعض الأعباء المادية، إلى جانب الانقطاع عن التعليم، وغياب القوانين وسيادة الأعراف الاجتماعية والتقاليد الموروثة والخوف من العنوسة، الأمر الذي يجعل الأسر تتسابق إلى تزويج فتياتهم لأول شخص يتقدم للزواج بها".

الزواج يحرم الفتاة من حقها في التعليم والطفولة والحياة، لذا تشدد رنا الهزاع على ضرورة عدم تزويج الفتاة إلا بعد امتلاكها المؤهلات الكافية والعمر المناسب لتكون لها القدرة على اتخاذ قرارات مهمة ومصيرية كقرار الزواج.

تسقط الكثير من الفتيات في إدلب في براثن زواج القاصرات الذي يغذيه ضغط المحيط الأسري الذي يلزمهن القبول بالأمر الواقع، لتتسلل آلامه إلى أرواحهن وأجسادهن بصمت في ظل غياب أي دعم مادي أو معنوي، وأمام مستقبل صعب يخلو من أي أمل.