"زواج الشغار" يؤرق حياة النساء في إدلب

انتشر "زواج الشغار" أو ما يعرف بـ "زواج القياض" بكثرة في إدلب كمفرزات للحرب السورية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عايشها السكان والنازحين خلال هذه الفترة.

هديل العمر

إدلب ـ ينتشر زواج الشغار أو ما يعرف بزواج "القياض" بين بعض المجتمعات المحلية في إدلب، حيث راحت ضحية هذه الظاهرة العديد من النساء والفتيات اللواتي قبلن بمثل هذه الزيجات نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المنطقة.

لا توجد إحصائية رسمية ودقيقة لعدد هذه الزيجات في إدلب، في حين أكدت ناشطات انتشار هذا النوع من الزواج نتيجة الأوضاع التي يمر بها السكان والأهالي من نزوح وتدني بمستوى المعيشة التي تدفع الأهل للجوء إلى ما يسمى بزواج "القياض" لعدم قدرتهم على تحمل نفقات الزواج المرتفعة والتي لا طاقة لهم عليها.

بعد خمس سنوات من زواجها، أجبرت رندا السليمان (28) عاماً على الطلاق من زوجها إثر مشاكل عائلية أفضت إلى طلاق أخيها من زوجته التي تكون أخت زوجها، ليبادر زوجها بالرد بالمثل من خلال إبعادها عن أطفالها والانفصال عنها دون أي مبرر أو سبب.

تقول رندا السليمان التي تنحدر من مدينة بنش شرق إدلب، أنها لم تكن تعلم بمخاطر هذا الزواج الذي فرضه أهلها عليها عندما اشترطوا زواج أخيها من أخت زوجها مقابل زواجها من الشاب الذي تقدم لخطبتها بمعنى "عطونا بنتكم وخدوا بنتنا"، دون مهر للفتاتين، لتكون ضحية هذا الزواج الذي أبعدها عن أطفالها الثلاثة وجعلها مطلقة في مجتمع لا يرحم.

وأوضحت أنها باتت تعاني من التنمر المجتمعي المحيط خاصةً أهلها وأخيها اللذين كان لهم الدور الأكبر في تدمير حياتها، خاصة بعد أن رفضوا زيارة أطفالها لها وتأنيبهم المستمر لها على تمسكها بزوجها وعائلتها.

"أنا ما بدي أخرب بيتي" تقول رندا السليمان وهي تقلب صور أطفالها على هاتفها المحمول، آمله أن تحل المشاكل العائلية بين أخيها وزوجته علها تتمكن من رؤية أطفالها مجدداً بعد انقطاعها عنهم لأكثر من أربعة أشهر.

ويعرف زواج "الشغار" أو "القياض" بتزويج الفتاة على أن يطلب الأب أو الأخ من أهل المتقدم أن يزوجوهم ابنتهم، حيث تسقط شروط الزواج الرئيسية في هذه الحالة كالمهر والمقدم والمؤخر، حيث يبقى مستقبل الزيجتين مرهون ببعضهما البعض، وهو ما أفضى للعديد من حالات الطلاق بين مختلف أوساط المجتمع، دون النظر بعواقبها وتشتت الأطفال.

من جهتها لا تخفي شيماء الطيفور (25) عاماً حزنها وألمها لما آل بها الحال بعد أن اضطرت مرغمة على الزواج من رجل يكبرها بـ 15 عاماً، متزوج ولديه طفلان تحت مسمى زواج الشغار والمقايضة.

تقول شيماء الطيفور التي تقطن في مخيمات بلدة كللي شمال إدلب، إنها أجبرت على هذا الزواج تحت ضغوط عائلتها، مقابل زواج شقيقها من أخت زوجها، خاصة وأن ظروفهم المعيشية والاقتصادية لا تسمح بدفع تكاليف الزواج لأخيها الأكبر، وهو ما دفعهم للجوء لمثل هذا النوع من الزواج.

وأوضحت أن فارق العمر الكبير بينها وبين زوجها، بالإضافة لوضعه الاجتماعي سبب لها العديد من المشاكل العائلية والزوجية، حتى وصل بها الحال للتعنيف الجسدي واللفظي كالضرب والشتائم، ما سبب لها مشاكل نفسية حادة.

"هذا زوجك وبدك تتحمليه كيف ما كان وضعه" كلمات لطالما تسمعها شيماء الطيفور من ذويها حين تصارحهم بما تتعرض له من ظلم وتعنيف، مشيرةً إلى أن المرأة لا حقوق لها في المجتمع حتى عند أهلها، ويجب عليها كسب مرضاة الجميع وتحمل نتائج أخطائهم حتى تكون مرضية لهم.

وتعتبر المرشدة النفسية والاجتماعية هويدة عرفة (38) عاماً أن انتشار زواج الشغار في إدلب ليس جديداً لكنه ازداد كمفرزات للحرب السورية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي عايشها السكان والنازحين خلال هذه الفترة.

وتترتب العديد من المشاكل النفسية والاجتماعية الخطيرة على النساء اللواتي يقعن ضحية هذه الزيجات أبرزها انتهاك حقوق المرأة وجعلها سلعة للرجال من خلال جعلها ضحية لرد الاعتبار حيث أنها تكون الخاسر الأكبر، خاصة وأنها مجردة من حقوقها الزوجية المشروعة، خاصة في ظل غياب القوانين والأنظمة التي تحمي النساء في إدلب، بحسب ما قالته المرشدة النفسية.

وشددت على أهمية التوعية الاجتماعية في الحد من هذه الزيجات، من خلال التعريف بمخاطره وآثاره السلبية على المجتمع، وما يرافقها من مشاكل عائلية واجتماعية تؤثر بمعظمها على الأطفال الفئة الأكثر تضرراً من هذا الزواج.