زواج البدل مقايضة وحدها النساء تدفع ثمنها

ظاهرة زواج البدل لا تزال منتشرة في العديد من المجتمعات، بسبب العادات والتقاليد وتردي الأوضاع الاقتصادية وغياب التوعية بعواقب مثل هذا الزواج على النساء.

رفيف اسليم

غزة ـ يعتبر زواج البدل عادة قديمة امتدت جذورها إلى الحاضر، تتبعها الكثير من العائلات في قطاع غزة نتيجة تردي الظروف الاقتصادية، حيث يتم فيه رفض ولي المرأة تزوجيها حتى يتم تزويجه أخت أو ابنة من أراد الزواج بموكلته.

تعددت الأعذار التي يقبع خلفها انتشار ظاهرة زواج البدل، لكن أبرز أطراف هذه المقايضة هي المرأة التي تتحطم أحلامها ويتغير مسار حياتها نظراً لعدم الأخذ بعين الاعتبار حقها في تقرير مصيرها، في هذا الزواج بدلاً من أن يتم دفع المهر نقداً يتم فيه تبادل امرأة مقابل أخرى أي أخ وأخت ونظريهما من عائلة أخرى.

على الرغم من انتشار زواج البدل، إلا أن مشاكل عدة ترافقه وتكون النساء أكثر من يعاني منها نفسياً وجسدياً، سهام أحمد (اسم مستعار) واحدة من النساء ضحايا هذا الزواج، هي في كثير من الأحيان تهرب من منزل الزوجية بسبب ما تتعرض له من عنف على يد زوجها، إلى بيت أهلها حتى لو كان ذلك في منتصف الليل على أمل تتم نصرتها من قبل ذويها الذين عادة ما يكون الصمت هي ردة فعلهم، بالإضافة إلى إجبارها على العودة إلى معنفها مهما كانت الأسباب وراء هروبها من ذلك الرجل.

ونوهت إلى أن سبب مواصلة زوجها لتعنفيها هو أن والدها يخشى وضع حد لانتهاكات زوجها بحقها ويفضل أن يلتزم الصمت، كون أخاها تزوج شقيقة زوجها وفي حال قامت عائلتها بمضايقة زوجها فإنه سيقوم بتطليق شقيقته عنوة وبذلك تتدمر العائلتين، وكوسيلة للضغط عليها حتى تعود إلى المنزل فإن زوجها يهدد بأن الأطفال لن يعيشوا معها ولن يكونوا في حضانتها في حال حدوث الطلاق.

وأكدت سهام أحمد أنها في كل مرة يعنفها فيها زوجها تواجه أذى نفسي ولفظي مضاعف من والدها وكذلك شقيقها الذي يتهمها بأنها في كل مرة تهرب من منزل الزوجية تقلب حياته رأساً على عقب كون زوجته أيضاً تترك بيتها بصحبة أطفاله، وقالت إنها ذات مرة فقط تجرأت وطلبت الطلاق مهما كانت العواقب التي ستواجهها.

في ذات السياق قالت نورة محمد (اسم مستعار) إنها لا تتعرض لنعف جسدي بل اقتصادي، حيث أن زوجها يحرمها من أبسط مقومات الحياة كالمأكل والمشرب، فعندما تطلبها منه يقوم باتهامها بأنها لا تراعي وضعه الاقتصادي، هي لا يمكنها أن تترك منزل الزوجية نهائياً والمغادرة إلى منزل والدها، فقط لكيلا تدمر حياة شقيقها الذي تزوج شقيقة زوجها.

لقد علقت على زواج البدل بأنها فكرة قائمة على ظلم المرأة وانتهاك حقها في اختيار الشريك الملائم لها، فهي لم تكن تتوقع يوماً أنها تتزوج برجل كزوجها، أكدت أنها كانت مستعدة أن تنتظر عدة سنوات فقط لتنعم بحياة زوجية هانئة، لكن عدم اختيارها الشريك وإجبارها على التضحية من أجل ألا يبقى شقيقها بدون زواج.

وذكرت نورة محمد أنها أحياناً تشعر أنها كانت عبئاً كبير على عائلتها حتى تخلصوا منها بهذه الطريقة البشعة، مؤكدة أنها على الرغم من جميع الصعاب التي تحملتها إلا أنها لم تسلم من العنف اللفظي، فهي دائماً تتعرض للإساءة اللفظية في كل مرة تأتي شقيقة زوجها تشكو من شقيقها وعقاباً له يتم طردها إلى بيت والدها حتى يأتي زوج شقيقته ويعتذر منها حتى تعود كل منهما إلى منزلها.

بدورها أوضحت المحامية جوليا الطلاع أن نسبة الطلاق ارتفعت بشكل كبير في قطاع غزة مؤخراً، فحالات الطلاق تجاوزت حالات التسجيل للزواج في المحاكم الشرعية وهذا ناتج عن عدة أمور، منها عدم اختيار المرأة لشريك الحياة بشكل مناسب، أو إجبارها على الزواج من رجل لا ترغب به وكذلك تدخلات ذوي الطرفين التي لا تنتهي وتؤدي بهما لطريق مسدود في النهاية.

وأشارت أن زواج البدل أخطر أسباب الطلاق لأنه يهدم عائلتان في ذات الوقت، أو يجبر المرأة على تحمل أشكال العنف التي لا حصر لها، وتلتزم الصمت فقط لتحافظ على عائلتها وعائلة غيرها، لافتة أنه عندما يأتي الطرفان للزواج في المحكمة لا يفصح أحدهما عن الأمر وغالباً ما يكون المهر في عقد الزواج مبالغة زهيدة.

ولفتت المحامية جوليا الطلاع إلى أن تزويج النساء والفتيات وفقاً لهذه الأساليب يخالف ما أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث أن الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت قد أعلنت بالقرار 843 لعام 1954 أن بعض الأعراف والقوانين والعادات القديمة المُتصلة بالزواج والأسرة تتنافى مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.