زواج الأقارب في إدلب... فتيات مجبرات ومواليد بأمراض وراثية
لا يزال زواج الأقارب تقليد سائد في الشمال السوري تحت معتقدات عدة أهمها تماسك ولحمة العائلة ورابط الدم ووحدة الأراضي الزراعية المتوارثة
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، متجاهلين نتائجه في ولادة حالات إعاقة متعددة بين الولادات، ضاربين بكل التحذيرات الطبية عرض الحائط.
لم تكن حنان الطبال (27) عاماً، تعلم سوى أنها محجوزة لابن عمها منذ طفولتها بعد قرار جدتها بتزويجهما وهو ما حرمها حق اختيار أي زوج آخر وانحسار خياراتها بالزواج بابن عمها الذي فرضته عليها عائلتها.
تقول حنان الطبال لم يكن زواجي من ابن عمي وحرماني من حرية الاختيار أكثر ما أحزنني وإنما ولادة طفلين معاقين بمرض الصرع.
والصرع هو خلل في الجهاز العصبي يؤدي إلى تغيرات في نشاط الدماغ، إذ يصبح ذو نشاط غير طبيعي ويسبب حدوث نوبات أو سلوكيات غير طبيعية، مثل التحديق، أو حركات اهتزازية للأطراف، أو فقدان الوعي والإدراك.
وأوضحت أنها امتنعت عن ولادة أطفال آخرين خوفاً من ولادة حالات إعاقة أخرى وخاصة بعد نصح الأطباء لها ولزوجها بعدم الإنجاب وهو ما دفع الأخير للتفكير بالزواج بأخرى بغية إنجاب أطفال أصحاء بينما وقفت حنان الطبال تواجه قرار جدتها وأهلها بشعور مؤلم بالظلم والاجحاف بحقها مدى الحياة.
لم يكن مصير سلوى العبد الرحمن (20) عاماً أحسن حالاً حين تزوجت من ابن عمها بقرار غير قابل للنقاش من والديها وأعمامها الذين اقتنعوا أنهم اختاروا لها الصواب وحققوا مصلحة العائلة بهذا الزواج.
تقول سلوى العبد الرحمن أنهم بعد نزوحهم عن قريتهم حاس إبان المعارك العسكرية أواخر عام ٢٠١٩، انتقلت للسكن في مخيمات قاح الحدودية، ولأنهم يعيشون بين مجتمعات متعددة وعوائل تنتمي لمناطق ومدن وقرى عدة لم يرغب أهلها بتزويجها للغرباء ووجدوا في زواجها من ابن عمها الحل الأفضل.
لم تمانع سلوى العبد الرحمن هذا الزواج رغم عدم قناعتها به، فهي كانت تحلم بتحقيق حلمها الدراسي قبل أن تختار بنفسها شريك حياتها الذي تقتنع به ويشبهها بالأفكار والعادات.
بعد عامين من زواجها بدأت تعتاد طباع زوجها وتحاول التأقلم مع حياتها رغم الغصة الكبيرة التي وضعتها بها ظروف حياتها وما فرضته الحرب على اختياراتها وأصبحت مضطرة على تقبل الأمر الواقع على مضض.
أما أن تكون لي أو ليست لأحد هكذا عبر ابن عم هيفاء الرضوان (18) عاماً عن إصراره على الزواج بابنة عمه ورفضه أن تكون لغيره مبدياً استعداده لخوض حرب في سبيل ذلك، ما دفع بالعائلات للعزوف عن طلبها للزواج لخوفهم من الوقوع في مشاكل مع ابن عمها العدواني.
تزوجت هيفاء الرضوان بابن عمها وأنجبت منه طفلين يعانيان الأمراض الصدرية كالربو المزمن، وهو مرض وراثي يصيب الأطفال في سن الولادة وحتى عمر الست سنوات وأحياناً يمتد لأبعد من ذلك ليستمر مدى الحياة.
تنظر هيفاء الرضوان لابنها المصاب بنوبة ربو حادة بحرقة وتقول ليتني استطعت منع هذا الزواج ليس لأنني لا أرغب به وحسب وإنما أيضاً لأنقذ أطفالي من تبعاته والأمراض الوراثية التي سكنت أجسادهم الصغيرة وجعلتهم يعانون طوال حياتهم.
من جهتها تنصح الطبيبة النسائية عائشة الحنيني (45) عاماً، بإجراء حملات توعية لمنع زواج الأقارب تفادياً للأمراض الوراثية لاسيما التشوهات العصبية والوعائية والعظمية ومتلازمة داون والثلاسيميا وشلل الأطفال والأمراض المزمنة.
وأكدت على ضرورة أخذ النتائج بعين الاعتبار وإجراء تحاليل قبل الإقبال على الزواج منعاً لحدوثها والحد من استمرارها في العائلة الواحدة.
وأوضحت الدراسات أن زواج الأقارب يرافقه مخاطر عدة كتكرار الإجهاض وموت الأجنة الذي يصل إلى 4.1% مقارنة مع 25.9% في حالات الزواج بغير الأقارب.
ورغم كل التحذيرات تزداد ظاهرة زواج الأقارب في إدلب بشكل ملحوظ ما يهدد بمزيد من الارتفاع في نسب التشوهات بين الأطفال مع عدم وجود أي إجراءات احترازية توعوية.