ظاهرة زواج القاصرات تتفاقم في إيران

من بين الأسباب الشائعة لزواج القاصرات في إيران هي الفقر، والقوانين الضعيفة التي تعزز هذه الظاهرة، والعادات الثقافية، والمعتقدات الدينية، والقضايا الاقتصادية، والتعليم، وعدم المساواة بين الجنسين، والنظام الأبوي.

سروشا آمين

مركز الأخبار ـ زواج القاصرات هو نوع من الزواج الرسمي أو غير الرسمي يدخل فيه الشخص في عملية الزواج قبل بلوغ سن الـ 18 بالرغم من أن الحد الأدنى للسن القانونية للزواج في العديد من البلدان هو 18 عاماً، ويستخدم مصطلح "زواج القاصرات" للفتيات اللواتي تُجبرن على الزواج بسن مبكر نتيجة العادات والتقاليد البالية وقلة المعرفة والوعي أو بسبب المشاكل الاقتصادية للأسرة.

وفق بيانات اليونسكو، فإن حوالي 21% من الفتيات تتزوجن قبل سن الـ 18 عاماً، أي عندما لا تكن مؤهلات حتى للحصول على رخصة قيادة والمشاركة في الانتخابات.

وفي الإحصائيات المنشورة في الحادي عشر من آذار/مارس 2020، ذكرت اليونسكو أن 670 مليون امرأة على قيد الحياة تزوجن وهن قاصرات، لافتةً إلى أن 37% من الفتيات في أفريقيا جنوب الصحراء تزوجن قبل سن الـ 18 عاماً.

وأشارت إلى أن نسبة الفتيات اللواتي تتزوجن دون سن الثامنة عشرة أكثر وضوحاً في البلدان الأفريقية منها في أجزاء أخرى من العالم، ففي النيجر تقدر نسبة زواج القاصرات بـ 76%، وجمهورية إفريقيا الوسطى 68%، وتشاد 67%، ومع ذلك، على مستوى الاتحاد الأوروبي والمستوى الدولي، يعتبر زواج القاصرات أحد أشكال الزواج القسري ومثال على انتهاك حقوق الإنسان والعنف الجنسي.

وفي العديد من البلدان، يعتبر زواج القاصرات جريمة، ولا يُعتبر الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً لديهم النضج الفكري لتحديد شريك الحياة. لكن في بعض الدول والجنسيات، بمجرد بلوغ بناتهن يعتبرن أنهن على استعداد للزواج وممارسة الجنس على سبيل المثال، في القانون الإيراني، ليس هناك جريمة تحت عنوان زواج القاصرات، والزواج من شخص ما ببساطة لا يعتبر جريمة، حتى في سن التاسعة.

 

زواج القاصرات في إيران

في إيران، مثل المجتمعات النامية الأخرى، تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في أجزاء مختلفة من البلاد. لذلك، وفقاً للإحصاءات الرسمية لإيران في التسعينيات، تم تسجيل ما يقارب 187 ألف حالة زواج دون السن القانوني في منظمة التسجيل المدني في البلاد، وبحسب تصريحات نائب رئيس الوقاية من الأضرار الاجتماعية بمنظمة الرعاية الاجتماعية الإيرانية في عام 2015، فإن 17% من تتزوجن في هذا البلد قبل بلوغ سن 18 عاماً.

وبسبب حكم الثقافة التقليدية والقوانين المعادية للمرأة، أصبحت قضية زواج القاصرات في البلاد واحدة من أهم اهتمامات نشطاء حقوق الطفل، وبحسب الإحصائيات التي نشرها مركز الإحصاء الإيراني في ربيع عام 1400، فقد ارتفع عدد زيجات الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 10 و 14 سنة في ربيع عام 2021، بنحو 32% مقارنة 2020 إلى 9753 حالة زواج، ومن ناحية أخرى، تظهر الإحصائيات السنوية لزواج القاصرات، أن 45 ألف 522 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 ـ 19 عاماً تزوجن في ربيع عام 2021، وحدثت 1085 ولادة لأمهات تقل أعمارهن عن 15 عاماً في البلاد.

ووفقاً للخبراء، لم يتم تسجيل معظم حالات زواج القاصرات، وفي الواقع، فإن هذا العدد الكارثي من حالات زواج القاصرات في إيران أقل بكثير من العدد الفعلي لمثل هذه الزيجات.

ومن بين الأسباب الشائعة لزواج القاصرات في البلاد، يمكننا أن نذكر الفقر، والقوانين الضعيفة التي تعزز هذه الظاهرة، والعادات الثقافية، والمعتقدات الدينية، والقضايا الاقتصادية، والتعليم، وعدم المساواة بين الجنسين، والنظام الأبوي، ويوجد أكبر عدد من حالات زواج القاصرات في المقاطعات الثلاث الحدودية وهي مقاطعة خراسان رضوي وأذربيجان الشرقية وسيستان ـ بلوشستان، بسبب ثقافتها القديمة ومعتقداتها التقليدية وهيمنة الدين.

وعدد حالات زواج القاصرات في إيران مرتفع، لأنه على المستويات الكلية لصنع القرار، لا يعتبر زواج الأطفال قضية مهمة ويتم الدفاع عنه بما يتماشى مع سياسة الزيادة السكانية. من ناحية أخرى، ظلت السياقات الاقتصادية والثقافية لزواج القاصرات دون تغيير، لذلك لا يمكننا أن نتوقع انخفاض العدد.

وعلى الرغم من التحذيرات والمعلومات المتكررة من الخبراء حول المخاطر والعواقب الشخصية والاجتماعية لزواج القاصرات، فإن هذه القضية لا تزال غير مأخوذة بجدية من قبل السلطات، وفي بعض الأحيان تدافع عنها أو تشجعها حيث ينفي بعض المسؤولين مخاطر وعواقب هذا الزواج، وتسببت هذه النظرة غير العلمية والخاطئة لقضية اجتماعية مهمة في تعريض المستقبل والصحة البدنية والعقلية والاجتماعية للفتيات للخطر.

 

الآثار الجسدية والعقلية لزواج القاصرات

المشكلة الأولى هي تجاهل حقوق الطفل وأخذ حقه في اتخاذ القرارات في حياته. في الزواج يتحمل الطفل مسؤولية جسيمة قد لا تتناسب مع قدرته الفكرية والعاطفية والجسدية.

فالزواج في سن مبكرة يعني فقدان التعليم وربما فقدان الحق في العمل. بالإضافة إلى ذلك، في مثل هذه الزيجات، وخاصة زواج الفتيات من رجال لديهم فارق كبير في السن معهن، بسبب علاقات القوة غير المتكافئة في الأسرة، تتعرض هؤلاء الزوجات للقمع والعنف بكافة أشكاله (لفظي، نفسي، جسدي، جنسي)، ويطبق على الزوجة ليس فقط من قبل الزوج ولكن من حوله أيضاً.

كما يُعرض الصحة العقلية للفتيات للخطر. على سبيل المثال، المراهقات في هذا العمر، بالإضافة إلى ضغوط المراهقة، تعانين أيضاً من ضغوط الزواج والحمل، ومن الاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والهوس والأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار. 

الزواج والحمل في سن مبكرة يهدد صحتهن. في الواقع، تُجبر هؤلاء الفتيات على ممارسة الجنس في سن لم يكتمل نموهن العظمي والجسدي والجنسي بعد. وأظهرت الأبحاث أنه في هذه الحالة، يحدث الحمل في مدة زمنية قصيرة جداً (أي حوالي عام إلى عامين بعد الزواج).

فمن الناحية الطبية، فإن الحمل بين هذه الفئة ينطوي على مخاطر تراكمية، لأنه الحمل الأول الذي يحمل مخاطره الخاصة، وأيضاً لأنه حدث في سن مبكرة، مما يضاعف في الواقع مخاطره على الأم. وتهدد الولادة المبكرة والإجهاض والنزيف والعدوى والوفاة حياة الأمهات؛ حتى لو بقوا على قيد الحياة، بسبب عدم اكتمال نمو العظام والجهاز التناسلي، فإنهن ستعانين من عواقب أخرى مثل هبوط الرحم، والعدوى، والتي قد ترافقهن لبقية حياتهن.

من ناحية أخرى، فإن الأطفال المولودين من حمل القاصرات معرضون أيضاً للخطر، ومعدل وفيات الأطفال في هذه الحالة أعلى من معدل وفيات النساء فوق سن الثامنة عشرة، كما أن انخفاض الوزن عند الولادة وسوء التغذية من بين القضايا التي تؤثر على صحة الأطفال المولودين لأمهات قاصرات.

 

إساءة معاملة الأطفال

وتجدر الإشارة إلى أن الفتيات اللواتي تجبرن على الزواج في سن مبكرة هن في الغالب من المناطق المحرومة والمهمشة ومن الطبقات الاجتماعية والاقتصادية الدنيا، ومشروعية الزواج في سن مبكرة أو معارضة رفع الحد الأدنى لسن الزواج هي في الواقع اضطهاد هؤلاء القاصرات.

وعلى الرغم من هذه العواقب الوخيمة وبالنظر إلى انتشار الزواج دون سن 18 عاماً في إيران بنسبة 17%، فإن إصدار قانون رفع الحد الأدنى لسن الزواج هو أقل ما يمكن القيام به للتعامل مع هذه الظاهرة، وإلى جانب ذلك، فإن الإجراءات الأخرى، مثل إزالة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تؤدي إلى الزواج في سن مبكرة، ضرورية أيضاً ولا يمكن تجاهلها.

ويمكن للنظام السياسي الحالي أن يلعب دورين في الحد من زواج القاصرات، أحدهما هو محاولة القضاء على سياقاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أي إزالة الحرمان والقضاء على التمييز الطبقي والجنساني والبرامج الثقافية الأخرى للحد من الظاهرة، وغرها.

من ناحية أخرى، إصدار قوانين تحظر الزواج تحت سن 18 عاماً لكن النظام السياسي لإيران نفسه هو أحد الأسباب الرئيسية للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي الحالة الثانية، تم تجميع قوانين إيران على أساس الشريعة الإسلامية، والتي تعتبر أحد العوامل الرئيسية لزواج القاصرات، والحكومة لم تبذل أي جهد لتعديل القوانين فحسب، بل تتم صياغة القوانين المناهضة للنسوية والموافقة عليها يوماً بعد آخر.