يحملون ذكريات مؤلمة لكن أملهم بالعودة إلى عفرين ما يزال مستمراً

لم ينطفئ أمل العودة لدى مهجري عفرين. مرت الذكرى الثالثة على احتلال عفرين وما تزال مشاهد القصف والدمار عالقة في ذاكرة أهاليها، وهذه الذكريات لا تثبط من عزيمتهم بل تزيدهم إصراراً على العودة

عذراء السعدو
كوباني ـ .
"يوم أسود وقاتم مرَّ على أهالي عفرين، كان الجميع يتولى أعماله اليومية، لم يكن أحد يعلم ما يخبئه القدر لأهالي عفرين، أو ما ينتظره من كابوس لم يستيقظوا منه بعد"، هكذا تقول كُلستان بكر من قرية حج خليل التابعة لناحية راجو بمقاطعة عفرين في شمال وشرق سوريا، وهي تروي لنا أحداث بداية القصف التركي على المقاطعة في 20 من كانون الثاني/يناير 2018.
بعينين مليئتين بالدموع وغصة في قلبها، والكلمات بالكاد تخرج من حلقها وهي تتحدث عن بداية الهجوم الذي يعود إلى مخيلتها وكأنها تعيشها اليوم تقول "أشعر بالألم كلما تذكرت اليوم الذي بدأ الهجوم فيه على عفرين، لقد كنا نعيش حياة مستقرة، حتى الآن لا نعلم ما الذي حصل بين ليلة وضحاها، فجأة سمعنا أصوات الطائرات وهي تحلق فوق رؤوسنا، وبدأ الهجوم بالأسلحة الثقيلة والطائرات، استخدموا مختلف الأسلحة لقتلنا وتهجيرنا".
في البداية لم تصدق كلستان بكر وأهالي عفرين أن الهجوم على المدينة قد بدأ "عندما سمعنا أصوات القذائف والطائرات أقنعنا أنفسنا أن هناك شيء خاطئ يحصل، وقلنا هذه ليست أصوات القذائف أو الطائرات"، وتمسكوا بالأمل رغم استمرار الهجمات "بالرغم من مضي خمسون يوماً إلا أننا كنا نعتقد أن الهجوم والطائرات والقذائف ستزول، إلا أن الأصوات قد ازدادت مع مرور الأيام ولم تقل، كل يوم كنا نخسر العديد من الأشخاص، كل يوم كنا نخرج في مسيرات علنا نحرك ضمير العالم".
كلستان بكر وهي تتحدث عن الأحداث التي مرت بها عفرين خلال 58 يوماً، عادت بنفسها إلى عفرين في اليوم الذي احتار فيه الأهالي أين يختبئون من الهجوم البري والجوي عليهم "اختبأ معظم أهالي عفرين في أقبية الأبنية فيما لجأ آخرون إلى القرى المجاورة للمدينة، التي لم تسلم هي أيضاً من القصف".
وتساءلت "ما ذنب أهالي القرى، لقد سمعنا أن العديد من رعاة الغنم قد استشهدوا، حتى الأطفال استشهدوا وهم في المدارس". مشيرةً إلى الحياة في عفرين قبل الهجمات التركية "ازدهرت عفرين وعشنا في أمن وأمان، مما دفع تركيا للتخطيط لاحتلال المدينة، وهددت بذلك كثيراً قبل أن تقدم على عدوانها".
الهجوم على عفرين جاء في وقت غير متوقع كما تقول كلستان بكر "تركيا استخدمت أسلحة ثقيلة وأخرى محرمة دولياً، فكان هجوماً برياً وجوياً في آنٍ معاً، لقد أسفرت تلك الهجمات عن ارتكاب العشرات من المجازر".
وحول مواجهتهم لتلك الهجمات قالت "أبدينا مقاومة بكل ما أوتينا من قوة، ولكن ما لم يساعدنا أن العالم أجمع بقي ساكناً وصامتاً"، وحول مزاعم تركيا بالقضاء على الإرهاب في عفرين أكدت "عفرين لم يكن فيها سوى المدنيين، لقد هدف إلى إثارة الفوضى وكسر الإرادة والديمقراطية التي تحلى بها أهالي عفرين، لقد تمكن أبناء المدينة من النهوض بواقعهم من جديد معتمدين مبدأ العدالة والمساواة".
وفي أوج اشتداد المعارك على أرض عفرين والقصف المكثف أجبر الأهالي على النزوح قسراً تقول كلستان بكر "لن أنسى ذلك اليوم، كان يوماً أليماً بالنسبة لي، خرجنا مرغمين إلى جبل الأحلام، وهذا لم ينجينا من القصف الذي استمر بشكل متواصل، أشعر وكأنني ما زلت في حلم ولم أستيقظ منه بعد، أتساءل متى سنستيقظ من هذا الحلم. سنعود إلى عفرين وهي ستعود إلى سكانها الأصليين".
"خلال ثلاثة أيام عندما كنا نحاول الوصول إلى بر الأمان بالمرور من جبل الأحلام، العديد من الأطفال والمسنين فارقوا الحياة بالتزامن مع القصف التركي على القافلة والجبل".
خرجت العائلات خوفاً على الأطفال لكن معظم أهالي عفرين رفضوا المغادرة "معظم الأهالي بقوا في المدينة ليدافعوا عنها، لم يتخذ أهالي عفرين قرار الخروج من المدينة إلى بعد مقاومة شديدة"، من بقي على قيد الحياة توجه إلى الشهباء، "اختاروا الشهباء ليكونوا قريبين على عفرين".
وحول دور المرأة البارز خلال المقاومة التي أبديت في عفرين تقول كلستان بكر "لقد شكلنا لجنة خاصة بالنساء لتحضير الملابس للمقاتلات والمقاتلين، وأما الأمهات فقمنَّ بتحضير الطعام للقوات المدافعة، إضافةً إلى المقاتلات اللواتي تمركزنَّ على نقاط جبهات القتال الأمامية، وأخريات قمنَّ بالفعاليات المناهضة للاحتلال التركي". 
لم تنتهي معاناة أهالي عفرين "للسنة الثالثة على التوالي يعيش أهالي عفرين الذين بقوا في المدينة، انعداماً في الأمن، لقد استولى مرتزقة الاحتلال التركي على منازلهم واستوطنت فيها عائلات المرتزقة، لقد ارتكبت بحقهم العديد من الانتهاكات، ولا سيما في حق النساء من خطف وقتل واغتصاب ولا زال مصير العديد من المختطفات مجهولاً، لقد عملوا على تغيير ديمغرافية عفرين وسرقة آثارها التاريخية، واستولوا على مواسم الزيت والزيتون".
لم ينقطع أمل أهالي عفرين المهجرين بالعودة إلى ديارهم كما تقول كليستان بكر "صحيح أننا ابتعدنا عن أرضنا إلا أن أرواحنا لا زالت مرتبطة بأصغر حبة تراب فيها، لم ينطفئ أملنا بالعودة، لن نتراجع عن مقاومتنا، الأرض أرضنا وعفرين لنا، ولهذا على القوى العالمية أن تخرج عن صمتها، وأن تضع حد للانتهاكات التركية بحق الشعب الكُردي، ومحاسبتها على سياسة الاحتلال والقمع التي مارستها وتمارسها بحق الشعوب الآمنة".