وضع الصحفيات في أفغانستان
رغم كل الصعوبات فإن الصحافيات الأفغانيات تواصلن عملهن بإصرار، وترى الصحفيات أن "سبب أو مصدر جميع المشاكل هو السلطة الموجودة والمعادية للمرأة
بروانه كبريت
كابول ـ ، والتي تخشى من تقدم وتطور النساء، لأنها تعلم أن تطور وتقدم النساء يعني تقدم وتطور المجتمع. يجب علينا نحن النساء ألا نتراجع في مواجهة المصاعب التي تواجهنا إذا ثابرنا، فلن تكون الحكومة الحالية قادرة على قمع صوت حرية التعبير."
مع سقوط دولة طالبان وصعود حكومة حامد كرزاي إلى سدة الحكم في عام 2001، أتاحت الديمقراطية الجزئية فرصة لتقدم قطاع الإعلام. في مرحلة ما قبل جمهورية كرزاي، كان الإعلام مقتصراً على القنوات الإذاعية والتلفزيونية الوطنية والتي تديرها الدولة. وهذا الإعلام كان مضطراً إلى تغيير وجهته كلما جاءت حكومة جديدة إلى الحكم. وهي الآن تعمل على حماية حكومة أشرف خان.
ظهرت في السنوات العشرين الماضية أرضية جيدة من أجل الإعلام والصحافة. حيث كان هناك القليل من مساحة حرية الفكر في هذه المرحلة، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد خطر على حياة الصحفيين ووسائل الإعلام. وبحسب اللجنة الأفغانية لحماية الصحفيين، فإنه خلال السنوات الثمان الماضية، أي من عام 2013 إلى 2020، قُتل 74 صحفياً، وتعرض 262 للتهديد، وتعرض 170 للإيذاء الجسدي، وأصيب 132 صحفياً، واختطف 19 آخرين، وتم عرقلة عمل 31 صحفياً، وتعرض 170 منهم للتحرش، و5 في عداد المفقودين و14 صحفياً تحت المراقبة، وفي الأشهر الأخيرة قُتل وجُرح عدد من الصحفيين الآخرين، معظمهم من النساء، تسبب هذا الوضع في إزعاج معظم الصحفيين في البلاد، وخاصة الصحفيات.
عدد من الصحفيات في أفغانستان تحدثن لوكالتنا عن المشاكل والصعوبات التي تتعرضن لها.
"نحن النساء بحاجة إلى المثابرة في مواجهة الصعوبات"
تحدثت الصحفية في الإذاعة والتلفزيون الوطنية خديجة أمين عن العراقيل والمصاعب التي تتعرض لها النساء الصحفيات "كان للوضع الأمني في البلاد أثر كبير على حياة الصحفيين. لا أحد يريد التعليق أو الإدلاء بالتصريحات للإعلام بسبب سوء الوضع الأمني. كما أن هذا الوضع يسبب لنا التوتر والقلق. إن أعداء أفغانستان يريدون في الواقع قمع حرية التعبير بقتل الصحفيين وتهديدهم، بالإضافة إلى التأثير على أصوات المظلومين والمثقفين الذين لهم كلمتهم في المجتمع. لأن مجتمعنا الذكوري لا يسمح بسهولة للمرأة بالعمل كصحفية. لذلك فإنه يضع دائماً عقبات أمام النساء. سبب أو مصدر جميع المشاكل هي السلطة الموجودة والمعادية للمرأة، والتي تخشى من تقدم وتطور النساء، لأنها تعلم أن تطور وتقدم النساء يعني تقدم وتطور المجتمع. يجب علينا نحن النساء ألا نتراجع في مواجهة المصاعب التي تواجهنا. إذا ثابرنا، فلن تكون الحكومة الحالية قادرة على قمع صوت حرية التعبير".
"نحن النساء اجتزنا الحواجز التي وضعت أمامنا"
وتعبر معصومة بهار من إذاعة صوت أمريكا عن رأيها حول المصاعب التي تواجه النساء الصحفيات "لأن الصحفيين مجبرون على العمل في مجالات خطرة، فهم دائماً يواجهون المخاطر. لقد حد الوضع الأمني السيئ من عمل الصحفيين ومجالات عملهم. والصحفيين هم أكثر من يقدم ضحايا من باقي أفراد المجتمع والأسر. مجتمعنا مجتمع محافظ ، لذلك دائماً ما تُترك المرأة وراء الستار، وتتخذ مواقف سلبية تجاه المرأة. هذه النظرة السلبية للمجتمع تشكل أرضية لتعزيز النزعة العدائية ضد المرأة. لا يريد النظام أن تتطور المرأة وتعمل ضمن المجتمع بشكل مريح مثل الرجل. لقد ولى ذلك الزمان، نحن النساء الآن لم نعد وراء الكواليس، لسنا لتنظيف المنزل والطبخ، يمكننا العمل أكثر من الرجال وأداء دورنا على كل الأصعدة، لسوء الحظ، أدى الوضع السائد في البلاد والموقف المظلم تجاه المرأة وحرية التعبير إلى مقتل العديد من الصحفيين وفقدان العديد من الأرواح، فضلاً عن إجبار العديد منهم على ترك وظائفهم أو مغادرة بلادهم".
"اضطررت لمغادرة البلاد"
غادرت الصحفية النسوية والمكافحة من أجل الحرية فيدا ساخري، وهي ناشطة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان الأفغانية، البلاد لأسباب سياسية وأمنية. وقالت فيدا إن المكان الذي تعمل فيه لم يعد يتقبل النساء النسويات، لذلك تركت العمل في مجال الإعلام، وتقول عن سبب مغادرتها البلاد "الوضع الحالي في البلاد يؤثر بشكل كبير على حرية الرأي والتعبير والأشخاص أيضاً. العديد من الصحفيات إما تركن وظائفهن وبقين في المنزل أو غادرن البلاد. حتى الصحفيين من ذوي النفوذ غادروا البلاد مع عائلاتهم ويعيشون في وضع محفوف بالمخاطر. سبب مغادرتي للبلاد هو الإرهاب الممنهج وغياب الأمن في مراكز العمل والحياة بالنسبة للإعلاميات والناشطات والمدافعات عن حقوق الإنسان. في العامين الماضيين تم وضع اسمي بشكل منهجي على قوائم الإرهاب. قضيت عاماً كاملاً من حياتي وعملي في الخفاء، ثم قررت العمل علانية والمجازفة. لكن مع الأسف ففي هذه المرة لم توافق وسائل الإعلام على تشغيلي، لأن اسمي موجود في النشرة الحمراء الخطرة ولا يريدون أن تتعرض وسائلهم الإعلامية للخطر. لهذا السبب اضطررت للسفر إلى الخارج من أجل حياتي وحياة أطفالي".
لفتت فيدا ساخري الانتباه إلى تصاعد الإرهاب وقتل الصحفيين في السنوات الأخيرة وشرحت الأسباب بنقطتين رئيسيتين "الأولى هي عدم سيادة الدولة وضعف قوتها ضد الجماعات الإرهابية والجماعات الدينية المتطرفة في المجتمع. الأمر الذي جعل المجال مفتوحاً أمامهم للقضاء على الصحفيين ذوي التفكير الحر الذين يعتبرون الصحفيين أعداء بالنسبة لهم. السبب الثاني هو أن ترهيب الصحفيين يلقي بصداه على المجتمع، من أجل الترويج لفكرة أنه لا توجد سيادة على المجتمع، وبالتالي بث الرعب والخوف بين الناس".
ونوهت فيدا ساخري إلى أنه نظراً لاستمرار الإرهاب في أفغانستان بطريقة طائفية وتقليدية، فإن هذا النمط القبلي يشن حربه الأخيرة ضد حقوق وحريات المرأة، وأضافت "يستهدفون النساء بشكل أكبر. لأن الصحافة لديها أكبر واجب ومسؤولية في المجتمع المدني وفيما يتعلق بالحرية الشخصية والاجتماعية. ولذلك فإنه من الطبيعي جداً أن يتم استهداف المرأة من قبل الإرهابيين إذا سارت على هذا الطريق".
وترى فيدا ساخري أن استهداف النساء الناشطات في المجتمع، يؤكد ويثبت أن الحكومة الحالية تخشى من تطور المرأة. وترى أيضاً أن هذا الأمر يؤكد على أهمية كفاح النساء "حتى لو تغيرت ميادين ومواقع النضال، وتم تجريدنا من أسلحتنا المتمثلة بالكاميرات والميكروفونات، لن يستطيع أحد إخراج القلم من أيدينا. يمكننا أن نواصل الكفاح من أجل الإعلام في أي مكان في العالم. أدى الوضع الأخير في أفغانستان إلى نقص في عدد النساء العاملات في وسائل الإعلام. بل إن عمل بعض وسائل الإعلام الخاصة بالنساء قد تم تعليقها، بالإضافة إلى أن بعض وسائل الإعلام في بعض المدن قامت بتسريح موظفاتها بسبب التهديدات الأمنية وضغط النظام".
"الكفاح ضد الصعوبات حتى ضمان النصر"
نادية مومند، المذيعة في راديو وتلفزيون إينيكاس INÊKAS ومقره في مدينة ننكرهار تحدثت عن عملها في مجال الإعلام "لم تعترضني أية مشاكل أو صعوبات على صعيد العائلة بشأن عملي في مجال الإعلام. ولكن الأوضاع الأمنية السيئة والتهديدات المتواصلة قللت من تعلقي وحبي بالعمل في مجال الإعلام، لذلك انقطعت عن العمل. وعندما فقدت أربعة من زملائي في مجال الإعلام بعد أن تعرضوا للقتل، عدت للعمل مرة أخرى وأكثر إصراراً. ولكن التهديدات المتواصلة التي طالت مركزنا من طرف العدو، وكذلك التهديدات التي طالت إدارة التلفزيون، أجبرتهم على تسريح الصحفيات العاملات في التلفزيون بشكل مؤقت".
قالت نادية مومند إنه بعد مقتل زملائها، تعرضوا هم أيضاً للتهديد والملاحقة. وقالت إنها عندما تضطر للذهاب إلى كابول فإنها تبقى في حماية لجنة حماية الصحفيين الأفغانية. رغم أن نادية عملت في بؤرة الإرهاب، إلا أن الخوف واليأس لم يتسللا إلى خطابها وحديثها. وعبرت عن ثقتها بالنساء الأفغانيات "لا تهربوا من مشاكل الحياة، لا تخافوا ولا تقبلوا الهزيمة. إذا كنتن ترغبن في البقاء على قيد الحياة فعليكن مواجهة المشاكل والكفاح ضدها لضمان النصر".