واقع العنف في مصر... الأزمة تكمن في تطبيق القوانين وليس إصدارها
لا يمر شهر بدون واقعة عنف جديدة أساسها النوع الاجتماعي وكأنها آفة العام الحالي التي أصابت الكثيرين بالذهول من هول ما وصل إليه معدل انتهاك حقوق النساء بسبب الأفكار الذكورية والسلطة الأبوية المسيطرة على المشهد.
أسماء فتحي
القاهرة ـ ارتفاع معدل العنف في الفترة الأخيرة طرح عدد من الأسئلة للتعامل مع تلك الأزمة والحد من آثارها وتحجيم معدل انتشارها خاصة أنها باتت متمركزة في الفئة الشابة التي تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عام مما يستلزم تدخل حاسم وجذري للتعامل مع هذه القضية.
أزمة حالات العنف الأخيرة كشفت الثقافة التي تم تغذيتها مجتمعياً تجاه الفتيات، وعززت الأفكار السلطوية لدى الرجال خاصة تلك التي رسخت في داخلهم أن دور المرأة ينحصر في فكرة الخضوع والضعف والاحتياج للرجل في اتخاذ القرارات المصيرية.
وحول ردود الفعل الخاصة بتلك الأزمة سواء على مستوى الإجراءات الحكومية المتجهة نحو حماية النساء أو ما يقدمه المجتمع المدني وخاصة النسوي في هذا الملف وأوجه القصور التي تحتاج لمراجعة الجهات المعنية، قالت مديرة برنامج التنمية المجتمعية بمؤسسة قضايا المرأة المصرية ماجدة سليمان، أن المجتمع كاملاً تفاعل على قدم وساق مع قضايا العنف التي راحت ضحيتها الفتيات لمجرد رفضهن الزواج من قاتليهم، مؤكدة أن مؤسستها تعمل على قضية العنف من خلال البرامج التوعوية التي استهدفت الأهل والشباب والشابات وكذلك الطفلات، وتوجهوا للعمل على ثقافة الرفض نفسها وسبل التعامل معها كما تم تكثيف الجهود على هذا الملف بعد ارتفاع معدل الجرائم.
وأوضحت أن المجتمع المدني له دور فاعل في القضايا الأخيرة فهناك تكاتف مناهض للعنف الممارس بشكل ممنهج ضد الفتيات، ورأت أن تفعيل القانون وتسريع وتيرته عنصر لا يمكن إغفاله في المواجهة لأن أغلب الضحايا قاموا بعمل بلاغات في النيابة وطلبوا الحماية ولكن لم يتم التحرك إلا بعد وقوع الجريمة.
وعن دور الحكومة ومؤسساتها في مواجهة العنف الممارس على النساء أكدت أن ما ينقص مصر هو تنفيذ القوانين وليس استخراجها لذلك فالتفعيل والتنفيذ ضروري للتعامل مع قضايا العنف، أما عن المجالس المتخصصة فقد لفتت إلى حاجتها للتنشيط والعمل بجهد أكبر على ملف العنف خاصة المجلس القومي للمرأة والقومي للطفولة والأمومة، حيث لا يقف العمل عند صدور بيان ومتابعة عن بعد لأن الواقع يفرض حاجة أكبر للعمل على تنفيذ القوانين وعدم الانتظار لوقوع الجرائم والاهتمام الفعلي بالحالات التي تلجأ لهم قبل افتراسها من المعتدين.
وفيما يتعلق بوحدات مكافحة العنف، أوضحت أنها في الفترة الأخيرة باتت مرئية بدرجة أكبر نتيجة زيادة معدل العنف وارتفاع معدل وعي الفتيات بأهمية الحديث عما تتعرضن له من عنف، موضحة أن الأمر يحتاج تفاعل أكثر من القائم مع الدعاية اللازمة التي تعزز وعي النساء بأهمية اللجوء لها في حال التعرض لأي انتهاك لحقوقهن أو وقوعهم لأي عنف من آخرين.
العنف ليس مستحدث والحاجة ملحة للقرارات الرادعة
وقالت رئيس قسم الحوادث بجريدة بلدنا اليوم دينا سليمان، أن الجرائم الموجودة في الشارع المصري ليست بجديدة ولكن تم تسليط الضوء عليها والتفاعل مع قسوتها خاصة الواقع منها على النساء.
وبينت أنه في الفترة الأخيرة تم إقرار عدد كبير من القوانين لصالح النساء، وحصلت المرأة على جانب ليس بالقليل من حقوقها ليصبح العام الماضي هو "عام المرأة المصرية"، معتبرة أن الأزمة تكمن في تنفيذ تلك التشريعات كون جانب كبير منها حتى الآن غير مفعل على أرض الواقع ولا زالت النساء تتعرضن للعنف اللفظي والجسدي سواء في المنزل أو الشارع دون وجود عقاب واضح وصارم يردع تلك الممارسات التي تنتهك النساء والتي وصل بعضها لحد القتل والتمثيل بالجثث في الشوارع.
ولفتت إلى أن غياب الإجراءات الواقعية الملموسة سمحت بتكرار حالات القتل، مؤكدة أن المصريين اعتادوا أن يتحمسوا ويتفاعلوا مع الجرائم لحظة وقوعها ولكنهم ومع مرور الوقت سرعان ما تخمد نيرانهم ويعود الوضع لما كان عليه "أن المشاعر باتت متبلدة حتى عند الأهالي وأصبح هناك ثبات انفعالي أقرب إلى اللامبالاة مع حالات العنف التي تستهدف الفتيات".
وأكدت أن الأزمة باتت أكبر من المحتمل خاصة مع وجود حالة تعاطف مع المجرم وهو أمر غريب فـ "المجرم مجرم أياً كانت أسباب قيامه بهذا الفعل لا مبرر له والبحث في الأسباب يدل على وجود خلل مجتمعي واضح يحتاج لتدخل على مستوى الوعي وإعادة التأهيل".
وأوضحت أن اللجوء للقانون وتحكيمه من شأنه أن يضبط الأداء في مثل تلك الجرائم التي سعى الجناة فيها إلى انتزاع ما رأوه حق لهم بأيديهم، مضيفة أن الجهة الأمنية تقوم بعملها على النحو المرجو فهناك تسريع في وتيرة التعامل مع الجرائم من ضبط وإحضار وغيرها، كما أن القضاء بات يستهدف العدالة الناجزة، ويبقى العمل على تغيير الثقافة المجتمعية السائدة من خلال الحملات التوعوية.
العنف المتفاقم يحتاج لوضع خطة عمل محددة بوقت وآليات تفعيل
وقالت عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر، الدكتورة كريمة الحفناوي، أن أزمة العنف في مصر باتت تتطلب تكاتف وتشارك بين مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني، معتبرة أن هناك تغيير كبير طرأ على الداخل المحلي خاصة فيما يتعلق بالقيم والعلاقات وهو أمر يحتاج لتدخل قوي للتعامل معه قبل تفاقمه.
وأكدت أن العقاب وحده ليس كافياً فهو موجود ولكن الوقاية خير من العلاج لذلك فالعمل على فهم الأزمة وحقيقة وملابسات وجودها بات أهم حتى يتم العلاج الحقيقي، وعلى المجتمع المدني دور كبير بداية من التوعية وإعادة التأهيل بمفاهيم العلاقات بين الجنسين في المستويات التعليمية المختلفة لتغيير نظرة الرجل الدونية للمرأة، وكذلك تغيير النمط التربوي للأسرة لأن عدد ليس بالقليل منها عزز داخل الرجال فكرة تبعية المرأة لهم، وعدم قدرتها على الرفض لأنها أقل منهم وبالتالي يرتفع معدل الجرائم المبنية على مخالفة تلك القاعدة.
وكشفت أن الخلافات قديماً كانت تدار بالنقاشات والوضع ساء وباتت هناك جرائم بعيدة عن القيم والعادات والدين، لافتة إلى أنه لابد من العودة لفكرة مدونة السلوك التربوية، كما أن وزارة التعليم والجهات المعنية يقع على عاتقهم دور كبير يكمن في استخدام المناهج الدراسية في تعزيز القيم الإنسانية، كما أن المؤسسات الحكومية المعنية تحتاج للعمل على إتاحة فرص العمل على تنمية المواهب وخلق مناخ ثقافي يمكنه استيعاب الغضب والعنف، فضلاً عن عودة عمل مراكز الشباب وقصور الثقافة معتبرة أن جميعها إجراءات تساعد في تقليل معدل الجريمة.
وترى الدكتورة كريمة الحفناوي أن جميع القضايا التي تخص المرأة أو حتى تلك المجتمعية عادة ما تأخذ زخم أثناء وقوعها، ثم سرعان ما تهدأ ولا يكفي للتعامل مع العنف على أنه حدث مرتبط بوقت ولكن الأمر يتطلب متابعة ومواصلة "العمل على العنف ضد المرأة أو الختان أو حتى اليوم العالمي للمرأة كلها أحداث ومواسم وكل ذلك لا يكفي"، مؤكدة أن الأمر يتطلب جلوس جميع المعنيين معاً ووضع خطة محددة بزمن وآليات تفعيل ومتابعة حتى يتم القضاء على تلك الأزمة التي تتفاقم مع مرور الوقت.