واقع الفتيات في مصر... التسرب المدرسي وتزويج القاصرات وجهان لعملة واحدة
تسرب الفتيات من التعليم أحد الآفات التي تعاني منها النساء لأنها كثيراً ما ترتبط بتزويجهن دون السن القانوني وهو الأمر الذي يجعل من مواجهتها ضرورة لإنقاذ القاصرات.
أسماء فتحي
القاهرة ـ معاناة الفتيات في مصر لا تزال مستمرة فالتسرب من التعليم عادة ما يرتبط بالزواج المبكر دون السن القانوني وكلاهما يتسبب في حياة عادةً ما تجور على حقوق القاصرات في الاستمتاع بمراحلهن العمرية وممارسة مهام أكبر من قدرتهن على التحمل وتكوين أسر هشة لكونهن غير مؤهلات لها.
أكدت المحامية هبة صلاح أن واقع الفتيات في الإسكندرية يعد أفضل حالاً عن غيرها من المحافظات المصرية، من حيث قلة تسرب الفتيات من المدرسة، مشيرةً إلى أن الأهالي هناك يؤكدون على أهمية تعليم الفتيات لتمتلكن سلاحاً تستطعن به مواجهة صعوبات الحياة والاعتماد على ذاتهن وعدم القبول بحياة لا ترغبن بها بسبب جهلهن أو عدم قدرتهن على العمل.
"حرمت من تعليمي في الصغر وقررت أن أعلم بناتي الأربع رغم ما تحملته من عناء في سبيل تحقيق ذلك، حتى بعد وفاة زوجي لم أفكر للحظة في الجور على حقهن في مواصلة التعليم"، كانت تلك تجربة هدى منصور الخمسينية التي تقطن في محافظة الإسكندرية وتعمل في محل تجاري لبيع الأدوات المنزلية.
تقول هدى منصور أنها مرت بأكبر معاناة عندما قرر والدها تزويجها دون السن القانوني، الأمر الذي أسفر عن إنجاب أربع بنات تتحمل وحدها أعبائهن لكون والدههم قد فارق الحياة، قائلة "لم أنسى يوماً أبي وأمي حينما قرروا تزويجي عندما كنت في المرحلة الإعدادية، ولكنهم أكدوا عدم قدرتهم على الإنفاق على تعليمي وأنه عبء عليهم وآثروا السعي وراء أخي محاولين مساعدته في الحصول على شهادة، حرمت من التعليم ليقوموا بتزويجي في سن الرابعة عشر لأصبح مسؤولة عن منزل وزوج، فكان الأمر بالنسبة لي قاسياً جداً وقاتلاً لجميع أحلامي".
وأشارت إلى أن الكثير من جيرانها طالبوها بالتخلي عن تعليم بناتها، حيث قالوا لها "في النهاية مصير الفتاة الزواج، وعليّ توفير أموالي التي أجنيها من عملي الشاق"، لافتةً إلى أنها رفضت مراراً وتكراراً ما كان يقال لها، ولم تسمح بتكرار ما حصل لها، وأن تعاني بناتها مما عانت هي منه، بتزوجيهن مبكراً وهن غير مدركات لحجم المسؤولية التي ستقع على عاتقهن لذلك تعمل جاهدة حتى تضمن لهن حياة كريمة.
هناك وعي بأهمية تعليم الفتيات
وتقول المحامية هبة صلاح أن الواقع تطور كثيراً في مسألة تعليم الفتيات والقاصرات عما كان عليه في السابق، فباتت الكثير من الأسر تعي أهمية تعليم الفتيات وضرورة ذلك، بل أن البعض اعتبرها أولوية نظراً لتغير الظروف مع عدم وجود الأمان والاستقرار، مشيرةً إلى أن البعض لا يستطيع تعليم الفتيات ويميز في ذلك الأمر لصالح الذكور، ولكن مثل هذه الحالات تقترن بشكل كبير بسوء الأوضاع الاقتصادية للأسرة ووضعها في خانة الاختيار بينهما وقد تلجأ لعدم تعليم أيٍ من أطفالها فتياناً كانوا أو فتيات بسبب عدم توفر الأموال التي تساعد على التعليم.
وأكدت أن التدهور الاقتصادي بالإضافة إلى الانحدار الثقافي والفكري يختصر مستقبل الفتاة في الزواج وتكوين الأسرة باعتبار أن مستقبلها عالق بتلك المساحة مما يجعل تعليمها أمر هامشي وبذلك فالإنفاق عليها يحتل ترتيب متأخر وربما لا وجود له في المعادلة من الأساس.
وعن التسرب المدرسي وزواج القاصرات تقول هبة صلاح أن هناك ترابط بينهما فهناك عدد من الأسر تقرر عدم مواصلة تعليم الفتاة حتى يتم تزويجها سريعاً للتخلص من أعبائها المالية خاصةً إذا تفاقمت لديهم تبعات وآثار الأزمة الاقتصادية.
وأوضحت أن نقص التعليم أيضاً هو ما يجعل هناك ثقافة تقصي الفتيات وتحصر دورهن في الرعاية المنزلية وتكوين الأسرة الناشئة، أي أن التسرب من التعليم ينتج عنه تبعات الزواج المبكر الذي بدوره يخلق جيل أكثر جهلاً وغير حريص على تعليم الفتيات أو تنمية مهاراتهن، مشيرةً إلى أن ارتفاع معدل الطلاق في الآونة الأخيرة وزيادة حجم معاناة الفتيات بعد الزواج جعلت الأسر تهتم بمسألة تعليمهن باعتبار الشهادة سلاح المرأة في حال فشلها داخل منظومة الزواج.
وأكدت أن بعض الأسر تمارس التمييز العكسي فتجعل تعليم الفتاة أهم ويعتبرون أن تحصيلها العلمي جزء مهم لنجاحها في إعداد الأسرة بل أنها بتعليمها ستصبح أكثر قدرة على إدارة شؤونها الخاصة وشؤون أفراد أسرتها أيضاً، لافتةً إلى أن نحو 80% من الأسر في الإسكندرية أصبحوا يهتمون بتعليم الفتيات ويعتبرونه ضرورة من أجل مستقبل أكثر استقراراً.