تسرب الفتيات من المدرسة... مطلب الأنظمة الدكتاتورية والأبوية

النساء الحاصلات على تعليم عالٍ أكثر وعياً بحقوقهن وهذا يتعارض تماماً مع قواعد النظام الأبوي، الأمر الذي دفع الحكومة الإيرانية إلى إنشاء سيناريو مع عمليات تسميم متسلسلة في مدارس البنات.

سايدا شيرزاد

مركز الأخبار ـ الغرض من التعليم هو التطور الجسدي والعقلي والاجتماعي للشخص، ولا يمكن إنكار أهمية التعليم، وخاصة التعليم الجامعي. إن خلق المعرفة، وزيادة الثقة بالنفس، والتقدم الوظيفي، وتنمية الشخصية، وخلق تواصل أفضل وأكثر مع البيئة وأفراد المجتمع، وما إلى ذلك، من بين إنجازات التعليم وخاصةً إذا كان على مستوى عالٍ.

يؤكد علماء الاجتماع أن العائلات ذات التعليم العالي لديها رغبة أكبر في أن يواصل أطفالهم تعليمهم. في مجتمع تتوفر فيه إمكانية التعليم لجميع المواطنين/ات وزيادة المعرفة ووعي الأفراد، يمكننا أن نشهد تقدم ذلك المجتمع في جميع المجالات. لكن في البلدان النامية، وبسبب عدم اهتمام الحكومات بالقضايا المهمة مثل إنشاء مرافق تعليمية لجميع المواطنين/ات، فإن الكثير من الناس يتركون المدرسة حتماً في سن مبكرة، وهذا سيؤدي إلى زيادة الضرر الاجتماعي.

 

تهدف حوادث التسميم إلى إثارة الخوف لدى النساء

وفقاً لإحصاءات حكومية جديدة، فقد واحد من كل 16 طالب/ـة في إيران فرصة الذهاب إلى المدرسة، ووصل معدل "التسرب" في مستوى المدرسة الثانوية إلى واحد من كل خمسة.

ويشير أحدث تقرير لـ "قاعدة بيانات إيران المفتوحة" الذي نُشر مؤخراً واستناداً إلى الإحصائيات الرسمية للحكومة الإيرانية، إلى أن "متوسط ​​عدد الأطفال الذين تركوا المدرسة في إيران يعادل ستة في المائة من إجمالي عدد الطلاب في البلاد".

وأعلن مركز أبحاث المجلس التابع للحكومة الإيرانية أن "أكثر من 911 ألف طفل/ـة" تسربوا من المدرسة في العام الدراسي الماضي، لكن سلطات التعليم والتنمية قالت إن "حوالي 15 مليون و376 ألف شخص" تسربوا في العام الدراسي الماضي.

وبحسب هذا التقرير يصل هذا الرقم على مستوى المدرسة الثانوية إلى حوالي "20%" وهذا يعني أن واحداً من بين خمسة طلاب في المرحلة الثانوية الثانية سيتسرب من المدرسة، وترتفع هذه النسبة إلى "ما يقارب من 9% لدى الطالبات، وتصل إلى أكثر من 25% في المرحلة الثانوية الثانية، أي من بين كل 11 طالب هناك فتاة واحدة، وكل أربع طالبات هناك فتاة واحدة تركت المدرسة".

ويأتي عرض هذه الإحصائيات في وقت تواجه فيه مدارس البنات في البلاد سلسلة من الهجمات البيولوجية، والتي تسببت في شعور الطلبة وعائلاتهم بانعدام الأمن.

وأثار التسميم المتسلسل للطالبات في المدارس الاحتجاج والقلق لكثير من العائلات. فيما حذرت قاعدة البيانات إيران المفتوحة من أن هذه الهجمات "يمكن أن تسبب قفزة في عدد الأطفال الذين يتغيبون عن المدرسة، وخاصة الفتيات".

وبعد ما يقارب ثلاثة أشهر من حالات التسميم المتكررة للطالبات، أعلن نائب وزير الصحة والتعليم الطبي "بعد حالات تسميم عديدة لطلبة في مدارس قم، أصبح من الواضح أنهم يريدون إغلاق جميع المدارس، وخاصة مدارس البنات"، كما ربط رئيس لجنة التعليم والبحث بالبرلمان علي رضا منادي، سبب حالات التسميم بالاحتجاجات الأخيرة.

 

تتسرب الفتيات أكثر من الفتيان

وفي وقت سابق، اضطر عدد كبير من الطلاب والطالبات في إيران إلى ترك المدرسة بسبب انتشار فيروس كورونا، وأصبح التسرب المدرسي واحدة من عشرات الآثار المدمرة بعد فيروس كورونا على نظام التعليم.

وبحسب الخبراء، فإن الوضع المقلق لنظام التعليم المتضرر من فيروس كورونا، مثل التدهور الأكاديمي أو الإصابات الجسدية والنفسية للمعلمين والطلاب، لم ينته بإعادة فتح المدارس وحضور الفصول الدراسية، ولكن في حقبة ما بعد فيروس كورونا، اتخذت أبعاداً جديدة وازداد عدد الطلاب يوماً بعد يوم، وأنهم سئموا الدروس والواجبات المنزلية ولم يعد لديهم الدافع لحضور الفصول الدراسية.

ويُظهر فحص الإحصائيات والدراسات في إيران أن الفتيات تنقطعن عن المدرسة أكثر من الفتيان. من ناحية أخرى، أصبح الانقطاع عن التعليم بين البدو الرحل مصدر قلق آخر للمجتمعات النامية.

المشاكل الاقتصادية الناجمة عن عدم كفاءة المسؤولين الحكوميين، والضعف الإداري في نظام التعليم، وعدم اهتمام الحكومة بإنشاء مدارس في المناطق الريفية النائية والمحرومة، والتحيزات الثقافية وحكم الفكر الأبوي، من بين أسباب التسرب من المدرسة، خاصة بين الفتيات.

وهناك مراهقون يتعين عليهم تحمل الضغوط الاقتصادية. وذكر خبراء اجتماعيون أن العائلات التي لا تستطيع تحمل تكاليف إرسال أبنائها وبناتها إلى المدرسة بسبب الأزمة الاقتصادية تنجذب بسرعة إلى العمل. مثل عمالة الأطفال الذين أُجبروا على ترك المدرسة. في هذه الفئة، يعتبر الوقوع في مسار الإدمان أو المجموعات المنحرفة خلال فترة المراهقة والشباب؛ من العوامل الفعالة في التسرب المدرسي.

وكانت التحيزات الثقافية التي تسببها الأفكار الأبوية إحدى الأسباب المهمة لحظر تعليم المرأة، خاصة في المناطق الريفية والنائية. لم تتخذ الحكومة ونظام التعليم أي إجراءات إيجابية لتغيير المناهج، أو أنهم ارتكبوا خطأ فادحاً في اختيار موقع المدرسة، لأن أجزاء كثيرة من البلاد لا تزال بلا مدارس.

 

النساء غير المتعلمات تربين أطفال ضعفاء

عدم الاستمتاع بفترة المراهقة في الحياة، وعدم الشعور بالقيمة الاجتماعية، وعدم القدرة على المشاركة في المناقشات بسبب انخفاض مستوى التعليم، وعدم القدرة على حل المشكلات، وعدم امتلاك الثقة بالنفس بسبب نقص المعرفة والقراءة والكتابة، وعدم اكتشاف المواهب والهوية الشخصية، وعدم الخبرة في تربية الأطفال من قبل الأمهات الشابات والكثير من الأمور هي من الآثار السلبية لتسرب النساء من المدرسة.

فالأسر الجاهلة التي حُرمت من التعليم لأي سبب من الأسباب وحملت معها تحيزات ثقافية من الماضي، تمنع الفتيات من الحصول على التعليم؛ لأن التعليم ومحو الأمية، حسب رأيهم، ليس لهما أي تأثير على حياة المرأة وأنهما غير مناسبين للوجود في المجتمع.

ونتيجة لهذه التقاليد الأبوية، فإن النساء اللواتي لم يكن لهن الحق في الدراسة أو أجبرن على ترك المدرسة، تتزوجن في سن مبكرة، مما أدى إلى زيادة ظاهرة تزويج القاصرات وهي بحد ذاتها جريمة كبرى بحق الفتيات.

النساء غير المتعلمات تقمن بتربية أطفال ضعفاء وهذا مطلب حكومة دكتاتورية ومعادية للنسوية، لكن النساء الحاصلات على تعليم عالٍ أكثر وعياً بحقوقهن وهذا مخالف تماماً لقواعد النظام الأبوي. لذلك، في حكومات مثل إيران، حيث تحكمها القوانين الأبوية والمناهضة للنسوية، لن تكون هناك معارضة لتسرب الفتيات من المدرسة فحسب، بل لن تكون هناك محاولة لحل العقبات في هذا الإطار.

 

استمرار الجهل في ظل الأفكار الأبوية

لطالما حاولت الحكومة الإيرانية القضاء على النساء في المجتمع من خلال الانتهاك الكامل لحقوق المرأة وجعل مجال الأنشطة الاجتماعية وحتى الفنية والاقتصادية وما إلى ذلك أضيق بالنسبة للمرأة.

في أحدث الجرائم المرتكبة ضد النساء، بالهجمات الكيماوية على المدارس وتسميم الطالبات، تحاول الحكومة حرمانهن من أبسط حقوقهن وحصر أدوارهن في المنزل. مر أكثر من ثلاثة أشهر على هذه الهجمات، ولم تتمكن الحكومة التي تدعي السلطة من تحديد الجناة، واعترفت بأن هذه الهجمات كانت متعمدة بالرغم من أنها نفت ذلك سابقاً.

حوادث التسميم المتسلسلة التي يعتبرها الكثير من السياسيين انتقام الحكومة من المرأة بعد انتفاضة "Jin jiyan azadî"؛ أدت إلى ترهيب الطلاب والطالبات ومنعتهم من الذهاب إلى المدرسة ويمكن للمرء أن يتخيل مدى انتشار عواقب هذه الجريمة مثل زيادة الأمية بين النساء، وارتفاع ظاهرة تزويج القاصرات، وتعليم الأطفال الضعفاء، واستمرار الجهل في ظل الأفكار الأبوية المعادية للمرأة.