تشويه صورة المرأة المطلقة بعد الانفصال... هل هي أزمة أخلاق؟
يميل بعض الأزواج إلى استعمال طرق لاأخلاقية بعد انتهاء العلاقة الزوجية، فيتحدثون عن الشريك الآخر بالسوء ويكشفون عن أسرار الحياة الشخصية التي كانت تجمعهم في فترة سابقة من حياتهم، فهل يمارسون هذا السلوك بحثاً عن تعاطف الآخرين أم هناك أسباب أخرى؟
نجوى راهم
الجزائر ـ
يعتبر التشهير بعد انفصال الشريكين من أخطر الأمور التي أضحت أمراً متداولاً، خاصة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الطريق الأسهل لفضح ونشر كل ما يمس الحياة الخاصة للأشخاص.
يزيد التشهير من حدة الأثر النفسي على المنفصلين خاصة المرأة لما تتعرض له من ضغوطات ومشاكل، سواء تغيرت حياتها للأفضل أو للأسوأ، فمن الشائع جداً أن تكافح النساء مع الصدمة العاطفية بعد الطلاق.
تقول الأخصائية في علم النفس وسيلة حمدي "يرجع تشويه صورة المرأة بعد الطلاق إلى الشعور بالفشل والحزن والوحدة، وتعلق الزوج بطليقته، مما ينتج العديد من المشاكل من طرف الزوج لعرقلة حياة زوجته السابقة، ومنعها من إكمال حياتها بطريقة عادية"، وتوضح "تكثر هذه المشاكل والصراعات خاصة عندما تتخطى المرأة المطلقة مرحلة الطلاق بإعادة النظر في أمر الزواج وإعادة بناء حياتها مرة أخرى".
وحول ما تتعرض له النساء اللواتي يكافحن بعد الطلاق تشير وسيلة حمدي إلى أن "المشاكل التي تعترضهن والمضايقات تزيد من الصراعات النفسية وتضاعف من حدة الاكتئاب أو القلق".
نظرة المجتمع للمرأة المطلقة
ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة نظرة ريبة وشك في تصرفاتها وسلوكها، لذا غالباً ما تشعر بالذنب والفشل العاطفي والجنسي وخيبة الأمل والإحباط، مما يزيدها تعقيداً ويؤخر تكيفها مع واقعها الحالي، فرجوعها إلى أهلها وصدمتهم بعودتها موسومة بلقب "مطلقة".
(ق. رجاء) شابة في العقد الثاني من العمر، رفضت الإفصاح عن اسمها الكامل، تقول حول تجربة الطلاق التي عاشتها "تزوجت لمدة شهرين، تعرضت خلال تلك الأيام للإهانة والضرب المتكرر من قبل زوجي، لأنني لم أوافق على استضافة صديقات أخته، وبالرغم من ذلك لم تتقبل عائلتي عودتي إليهم لتجنب نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، وخاصة أن زواجي لم يكن قد مر عليه سوى شهرين".
وتضيف "كان الضرب والإهانة أسلوب حياته، حتى أنتهى الأمر بطردي وسلبي كل ما أحضرته معي من منزل والدي، كما جردني من كل حقوقي، لدرجة أنني طلبت الخلع لكي اتخلص منه".
ترجع الباحثة في علم الاجتماع سعدية قاسم سبب تشويه صورة النساء المطلقات، إلى التنشئة الاجتماعية والتربية التي يتلقاها الفرد داخل الأسرة بالإضافة إلى المجتمع الذكوري المتسلط والنظرة الأبوية للمرأة.
وقد أشار رئيس اللجنة الجزائرية في الاتحاد الدولي للمحامين سابقاً فيصل دريوش لوكالتنا، أن دراسات ميدانية رسمية أجريت عام 2020، حول ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الخمس الأخيرة بالجزائر، أكدت أن نسبة الطلاق بلغت أكثر من 68 ألف حالة سنوياً، أي بمعدل حالة طلاق كل 8 دقائق، ووصف تلك الإحصائيات بالمثيرة للقلق والمخيفة جداً.
التشهير والابتزاز سلوكيات خاطئة بعد الانفصال
(صباح. ع) في العقد الثالث من عمرها، رفضت الإفصاح عن اسمها الكامل، تقول عن الظروف الصعبة التي مرت بها قبل أن تقوم برفع دعوى قضائية ضد زوجها السابق "تزوجت في سن العشرين، لم أكن أعرف شيئاً عن الزواج، في البداية كنت أقبل وأفعل كل ما يطلبه مني زوجي في إطار العلاقة الزوجية".
بعد مرور سنوات لاحظت (صباح. ع) هوس زوجها بتصويرها أثناء العلاقة الحميمية "عندما امتنعت عن التصوير وطلبت الطلاق، هددني بنشر صوري على مواقع التواصل الاجتماعي".
تقول (صباح. ع) التي لم تتخيل أن يبتزها زوجها لطلبها الطلاق "عدت إليه مرغمة لكي لا يشوه سمعتي، ولكن لم ينتهي الأمر عند هذا، بل واصل تصويري خفية، وعندما كشفته خرجت من المنزل، وإذ بي اتفاجأ بوجود بعض من مقاطع فيديو التي صورها على منصة يوتيوب، فقدمت شكوى وكذلك طلب خلع في المحكمة"، تضيف "لقد كانت فترة عصيبة، لم يكن الأمر سهلاً، ولكن ها أنا اليوم حرة".
(صباح. ع) ليست الفتاة الوحيدة التي تعرضت للتشهير بعد الزواج، بل طال التشهير حتى أبرز الفنانين في البلاد، فصورة خاصة من داخل غرفة النوم بملابس شبه عارية، نشرها زوج الفنانة والممثلة الجزائرية بشرى عقبي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك في منتصف آذار/مارس 2021، للضغط عليها بعد أن خسر حضانة بناته بعد الانفصال.
وقد أثارت هذه المقاطع تعاطفاً كبيراً من طرف مستخدمي الشبكات الاجتماعية فايسبوك وانستغرام، مع بشرى عقبي التي لطالما قدمت أعمالاً فنية وسلاسل تلفزيونية هادفة.
ولم تكن بشرى عقبي الوحيدة، بل واحدة ضمن مسلسل "التشهير بالزوجة"، ذلك الطريق الذي يسلكه بعض الرجال لإجبار زوجاتهن لاستكمال حياة زوجية غير مستقرة، أو لإجبارهن للتنازل عن مستحقاتهن المالية التي شرعها القانون، أو بعد اكتسابها حضانة أطفالها.
تقول المحامية المختصة في الأحوال الشخصية وقضايا الأسرة صورية سماحي "أن القانون الجزائري يجرم تشهير الأزواج بزوجاتهن، ولكن توجد نصوص عامة بشأن جريمة التشهير أو السب والقذف"، وبينت أن التشهير إذا كان عن طريق الإنترنت يتم البلاغ عن طريق مباحث الإنترنت، أما إذا كان التشهير والسب والقذف شفهياً يتم تقديم البلاغ في مراكز الشرطة.
وأوضحت أن قانون العقوبات رقم 82 ـ 04 المؤرخ في الـ 13 من شباط/فبراير 1982، يعاقب كل شخص يقوم بالتهديد أو التشهير أو القذف أو السب والشتم، بالسجن من سنة إلى 6 سنوات حسب المواد القانونية 299 ـ 171 ـ 302 من قانون العقوبات.
للتشهير مخاطر جسيمة وهو غالباً ما يرتبط بالطلاق، فالمشاعر والضغوطات والعاطفة التي يمر بها أحد الطرفين أو كلاهما، تقود به في نهاية المطاف لهذا الفعل المشؤوم والذي يكون بنظره انتقاماً لما حل به، وهو ما يعد من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الزوجين.