تحديات وآفاق إعادة دمج النساء والفتيات وتوفير بيئة آمنة في مراكز الإيواء

تعد مراكز الإيواء النسائية الركيزة الأساسية في توفير بيئة آمنة للنساء المعنفات وتلعب دوراً هاماً في حمايتهن من خلال تقديم الرعاية والدعم النفسي والاجتماعي والقانوني.

نغم كراجة

غزة ـ دعت المستشارة النفسية علا حلس إلى تحسين أدوات ووسائل مزودي الخدمات بما يضمن إعادة دمج النساء النزيلات في بيئة آمنة مستدامة خالية من العنف، وإنشاء شبكة دعم متكاملة تجمع الأطراف المعنية والمختصة؛ لتقديم حلول شاملة تؤهل المعنفات لبدء حياة مستقلة، وتطبيق القوانين المقرة التي تحمي حياتهن.

عاشت باسمة العلي (اسم مستعار) تجربة قاسية تجاوزت فيها صعوبات عديدة، فعندما أغلقت الأبواب أمامها وانحصرت خياراتها لم تجد فرصة أمامها سوى الهروب من واقعها المؤلم والمأساوي الذي كان مليئاً بالضرب والإهانة والذل على يد زوجها، وقررت أن تلجأ إلى إحدى مراكز الحماية النسائية؛ لتفصح عن معاناتها بعدما ضاقت بها السبل.

بدأت معاناة باسمة العلي البالغة من العمر 22 عام عند إجبارها على الزواج من شخص دون إرادتها وبالرغم من المحاولات الجادة لرفضها إلا أنها انصاعت لإصرار شقيقها الوحيد على تزويجها باعتباره حل للتخفيف من الأعباء المالية الملقاة عليه "وافقت على الزواج قسراً من شخص لم أجد أي توافق معه هروباً من الألفاظ المسيئة والتهديدات التي أسمعها دائماً على لسان شقيقي الذي يراني عالة خاصة بعد انفصال والديّ"، لكن ما لبثت أن أدركت أنها ضحية لقرار متسرع.

وبعد مرور الوقت على الكثير من المواقف المستاءة والذليلة في بيتها وسوء الأحوال المادية التي عاشتها وتعرضها للمضايقات ومعاملتها كخادمة لا قيمة لها من أهل الزوج كانت هناك المفاجئة الصادمة تنتظرها عندما كشفت أن زوجها يتعاطى المخدرات "للحظة الأولى ذهلت حين علمت أنه متعاطي وعند مواجهته هددني بالقتل إن أخبرت أحد بذلك".

باءت محاولاتها بإقناعه التخلي عن الإدمان فاشلة وازدادت أحوالها سوءاً خاصة عند رهن المنزل مقابل مبلغ من المال لصرفه على المخدرات "كنت أشتهي رغيف الخبز بينما هو عاطل عن العمل وعندما طفح الكيل قررت مواجهته وتحذيره فانهال عليا بالضرب من كل جهة حتى أصبح جسدي أزرق اللون والدماء تسيل من رأسي".

وأضافت "هربت مسرعة من المنزل إلى شقيقي في منتصف الليل وأخبرته بما أخفيته منذ ثمانية أشهر ولم يعد باستطاعتي أن أستمر بالعيش مع زوجي وشرحت كافة التفاصيل المؤلمة لكنني فوجئت برده قائلاً: هذه مشاكل روتينية وأغلب الرجال يتعاطون المخدرات، هيا ارجعي لبيتك أفضل من تضخيم المشكلة، وعندما رفضت العودة وطلبت الطلاق صفعني على وجهي وحاول خنقي".

وبعد ليلة مليئة بالدموع والتفكير قررت اللجوء إلى إحدى مراكز الحماية وتقديم شكوى وكانت خطوة جيدة للبدء بحياة جديدة وأفضل بعيداً عن العنف والذل الذي تعرضت له "بعد تقييم حالتي حصلت على الدعم النفسي والاجتماعي لإعادة تأهيلي من جديد ورفعت دعوى طلاق، والمأساة أنني عدت إلى زوجي بعد تفاوض لجنة العشائر مع الطاقم القانوني وفرض ضمانات وهمية وتعهد مؤقت وظننت أنه تغير".

وفي أقل من شهرين بعد عودتها هربت مجدداً تصرخ في الشوارع من شدة الألم وقالت "اتضح لي أنه أعادني حتى ينتقم مني، وحبسني في غرفة بلا مأكل ومشرب ليقتلني إلى جانب شتمه وضربه لي بين كل حين وآخر حتى أتت فرصة هروبي من هذا العذاب، أنا الآن أعيش صدمة نفسية كبيرة وحالتي الصحية متدهورة بعد تهتك جسدي من شدة الضرب بالعصا".

وأوضحت المستشارة النفسية علا حلس أن انطلاق فكرة إنشاء بيت الأمان ومراكز الإيواء تعود إلى تصاعد حالات العنف والتعذيب ضد النساء والفتيات بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم مواءمة القوانين مع الواقع ومماطلة الفصل والتطبيق، مبينة "تعمل مراكز الايواء كل جهدها لإيجاد بيئة خالية من العنف من خلال التدخلات النفسية والاجتماعية والقانونية بالإضافة إلى خدمات العلاج والتعليم من أجل تمكين المعنفات وخلق حياة أفضل لهن".

وترى أن لمراكز الإيواء دور بارز وفاعل في حماية المعنفات في الوقت الحالي تزامناً مع ارتفاع حالات العنف التي يشهدها القطاع في الآونة الأخيرة "الكثير من النساء مهددة حياتهن بالخطر يستنجدن بمراكز الحماية طلباً للمساعدة الفورية وإنقاذ أرواحهن"،

وأوضحت أن مراكز الايواء تعمل جاهدة بكل ما لديها على بناء حياة جديدة للمعنفات وتمكينهن وتوعيتهن من خلال تنفيذ دورات تدريبية مهنية تمكنهن من فتح مشاريع صغيرة ريادية تلبي متطلباتهن في المستقبل القريب، وعقد سلسلة من الورش التوعوية والتثقيفية تدور حول حقوقهن وأدوارهن وكيفية التعامل في حال الأزمات والطوارئ إلى جانب دعمهن نفسياً ومعنوياً للتخفيف من صدمات وآثار العنف.

ولفتت إلى أن نقص التمويل يعد أبرز التحديات أمام الأعداد الكبيرة من النساء المعنفات اللواتي تطلبن الخدمة في مراكز الإيواء مما أدى إلى وضع معايير محددة لاستقبال النزيلات الأكثر تضرراً وعرضة للخطر وليس لها ملاذ آمن "تتقدم ما يزيد عن 40 امرأة وفتاة شهرياً لمراكز الحماية وغالبيتهن تحتجن التمثيل القضائي، والأقلية منهن يرفضن تقديم بلاغات وتكتفين بالحديث عن مشكلاتهن وهنا يتطلب دعمهن معنوياً ونفسياً؛ لتجاوز آثار الضغوطات وتفريغ طاقتهن السلبية".

وبالرغم من الجهود التي تبذلها مراكز الايواء إلا أنها لا توفر الحماية المستدامة والبيئة الآمنة للمعنفات "تعتبر الإقامة للنزيلات فترة مؤقتة ويسمح باحتضان أطفالها لسن معين وعند بلوغهم يقوم المركز بإرجاعهم لذويهم في نفس البيئة التي تعنفوا بها مما يفاقم معاناة النساء ويزيد من حدة الضغوطات النفسية".

وترى أن مراكز الايواء هي سجن أخر للنساء والفتيات النزيلات، حيث تحرمن من الخروج وممارسة حقوقهن بشكل طبيعي ومحاولة دمجهن في المجتمع خوفاً من إلحاق الضرر بهن من قبل مرتكبي جرائم العنف "إن أرادت النزيلة ترك مركز الايواء حتى تتنفس حريتها بعد مكوثها تحت الرقابة فترة من الوقت تصبح حياتها معرضة للخطر، وبقدر المستطاع يسعى مزودي الخدمات تقديم الدعم المتوفر لديهم لكن لا يوجد دعم دولي يكفل ويلبي احتياجات المعنفات داخل المراكز وخارجها".

وأوضحت أن غالبية النساء والفتيات تصمتن على تعنيفهن وتعذيبهن خوفاً من عقاب الأسرة ونظرة المجتمع النمطية "تُفضل المرأة المعنفة عدم الإفصاح والتبليغ عما تعانيه وتجابهه مهما اشتد العنف الممارس عليها اعتقاداً أن بوحها واعترافها وصمة عار ستلاحقها مدى الحياة إلى جانب تعرضها للانتقادات المهينة وقذفها بأبشع التهم وإلقاء اللوم عليها وادعاء أن سمعتها سيئة لمجرد وجودها في مركز الإيواء"، منوهة أن المجتمع ككل يحتاج إلى وعي ثقافي مكثف حول فكرة مراكز الحماية النسائية.

وبينت أن 83% من الأهالي لم يتصدوا للعنف الواقع على فتياتهم مما دفع ما يقارب 30% من النساء والفتيات إلى التفكير بالانتحار للتخلص من حياتهن المكلومة، وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني تبين أن 50% من المتزوجات تعرضن للعنف و50% من الفتيات العازبات، وترجع أسباب الخلافات الأسرية والزوجية إلى سيطرة الذكور وتمسك المجتمع بدستور العادات والموروث الاجتماعي.

وبحكم عملها كاستشارية اجتماعية ونفسية تجد أن الكثير من الأهالي الذين يعيشون تحت سطوة العادات والتقاليد البالية يستخدمون أسلوب الترهيب والتهديد للضغط على فتياتهن بالتنازل عن البلاغ المقدم ضد أزواجهن بدافع الحفاظ على كينونة بيتهن خشية من طلاقهن برغم وجود كافة الأدلة التي تثبت أنهن معنفات وعرضة للخطر وهلاك أرواحهن ولا يصح رجوعهن لذات البيئة إلا أن الأعراف الاجتماعية باتت تسيطر وتشكل انتهاكاً جسيماً في حياة النساء مما أدى إلى ازدياد حالات التعذيب والقتل في المجتمع الفلسطيني.

وأوضحت أن مواجهة تحديات مراكز الإيواء وضمان عدم إدماج النساء في بيئة العنف يتطلب جهداً كاملاً من جميع الأطراف المعنية بدءاً من المؤسسات الحكومية والأهلية والحقوقية وانتهاءً بالمجتمع المحلي، كما تجد أن هنالك ضرورة ملحة بتزويد كادر العمل في مراكز الحماية ومزودي الخدمات بتدريبات خاصة حول كيفية التعامل مع المعنفات ودورهم في توفير ملاذ آمن لهن.

وطالبت بإصلاح القوانين والسياسات المتعلقة بحماية النساء من العنف وتطبيق الاتفاقيات الدولية الموقع عليها بما يضمن تحقيق العدالة والأمن، وإنشاء شبكات وائتلافات دعم متكاملة تعزز تعاون المؤسسات والجهات ذات الصلة بحقوق الإنسان والمرأة مع مزودي الخدمات الصحية والاجتماعية والقانونية بهدف تقديم حلول ملائمة وشاملة للمعنفات بما يؤهلن للحياة المستقلة والمساهمة في تخفيف الضغوطات النفسية وإحداث تغييرات إيجابية في حياتهن، بالإضافة إلى متابعة أحوالهن باستمرار بعد إعادة دمجهن في المجتمع.