تفضيل المولود الذكر على الأنثى... عنف آخر يمارس على النساء
أكدت المرشدة النفسية والاجتماعية نجلاء الطويل أن تفضيل المولود الذكر على الأنثى يعكس ثقافة التمييز والعنف ضد المرأة، مشددةً على ضرورة التصدي له من قبل جميع قطاعات المجتمع.
هديل العمر
إدلب ـ تكبر المرأة في إدلب وتترعرع على سماع أحاديث وقصص تفضيل المولود الذكر على الأنثى، فمن حفلات استقبال المولود الذكر إلى خيبات الأهل بقدوم الأنثى، عدا عن حالات الطلاق والزواج الثاني المتعلق بذات القضية.
تسارع الكثيرات من الحوامل في إدلب على خلفية الضغط المكثف الممارس عليهن من مجتمعهن إلى اكتشاف جنس الجنين بواسطة الأشعة فوق الصوتية في كل مرة أملاً بأن يكون المولود ذكراً، فإن كانت أثنى مخالفاً توقعاتهن فستنتحبن وتختلقن الأعذار بعدم وضوح جنس الجنين تفادياً "لخيبة أمل" الزوج.
لم تتوقع روعة صطيف (31عاماً) التي رزقت بخمس فتيات متتاليات أن يتزوج زوجها بأخرى فقط لأنها لم تنجب له المولود الذكر الذي كان "يحلم بقدومه"، وعن ذلك تقول "ما ذنبي إن لم أُرزق بمولود ذكر، ولما يحملنا المجتمع مسؤولية أمر لا ذنب لنا فيه، وليس بمقدورنا تغيير قدرنا".
ومع شعورها بالظلم كثيراً ما كان يصل الأمر بروعة حد التفكير بالإجهاض حين تعلم بأن جنينها أنثى لتتخلص من نظرات اللوم من زوجها، لكنها كانت تفشل بذلك.
وبدورها أوضحت سارة القيرومي (28 عاماً) التي أنجبت ثلاثة فتيات، أن هناك مفهوم مجتمعي سائد وسط السواد الأعظم من الناس وإن لم يتم الإفصاح عنه بشكل مباشر وصريح وهي أن "الذكور هم حماة الشرف، والإناث هم التهديد الدائم للشرف"، مشيرةً إلى أنها شعرت في كل مرة أنها جلبت المتاعب للعائلة وليس ما كانوا يرجونه منها، وهو ما كان ينعكس على صحتها النفسية بالتوتر والاكتئاب والضغوطات طوال الوقت.
ولفتت إلى أن "اختيار جنس المولود على نحو يفضل الأولاد هو ظلم اجتماعي وثقافي وسياسي واقتصادي متفشي ضد المرأة، وانتهاك سافر لحقوقها".
وتلعب الأمثلة الشعبية دوراً مهماً في جدلية تفضيل المولود الذكر، مثل "هم البنات للممات"، إضافةً إلى الفكر السائد بأن الذكر هو من يبقى مع والديه في النهاية ويعينهما عندما يكبران في العمر، وهو من سيحمل اسم وذرية أبيه، بينما تذهب الأنثى إلى الغريب، وغيرها من الأفكار، والمزيد من الثقافة التمييزية على جميع مناحي الحياة في المجتمع.
وواجهت مروة عرفات (35 عاماً) قرار زوجها بالطلاق بعد أن أنجبت له الفتاة السابعة ويأس من أن تنجب له مولوداً ذكراً، وقالت أن قرار الطلاق كان ظالماً، وتتساءل بحزن "لماذا يتعين علي أن أتحمل عواقب إنجاب طفلة غير مرغوب فيها، ولما علي أن أدفع هذا الثمن وحدي".
واسترجعت مروة عرفات ذكريات طفولتها، لتجد اهتمام والديها بالطفل الذكر على حساب الأنثى، واصطحاب والدها لأشقائها الذكور معه أينما ذهب ليفتخر بهم، ويجلب لهم ما يرغبون به، كل هذا بينما تقبع مع شقيقاتها في المنزل.
وأوضحت أن تلك المعاملة التفضيلية التي لطالما اعتبرتها إنسانة من الدرجة الثانية أثر سلباً على ثقتها بنفسها وتقييمها لذاتها في المجتمع، لتصبح ثقافة اجتماعية مقبولة ليس فقط لدى الرجل بل المرأة أيضاً، وجعلها تبرر لزوجها ما فعله بحقها.
من جانبها قالت المرشدة النفسية والاجتماعية نجلاء الطويل (37 عاماً) أن الصدمة العنيفة الأولى التي تتعرض لها المرأة في حياتها هي مسألة تفضيل المولود الذكر على الأنثى، المنتشرة بشكل واسع في المجتمع.
وأوضحت أن هناك عدة عوامل تعزز من هذ التمييز، ومنها العوامل الاقتصادية والاجتماعية، حيث يفضل الأهل المولود الذكر على الأنثى لاستطاعته العمل وإعانة العائلة، مع أن الفتاة يمكنها العمل أيضاً، لكن في مجتمع ذكوري يرفض عموماً عمل المرأة يصبح الذكر الخيار الاقتصادي الأنسب.
وبينت أن اختيار جنس المولود على أساس التحيز للذكر يعكس ثقافة التمييز والعنف ويؤججها، ويجب التصدي له من قبل جميع قطاعات المجتمع باعتبار أنها مسألة تتعلق بحقوق المرأة، مشددةً على أهمية دور منظمات المجتمع المدني والإعلام كمنصة رئيسة لتبادل الأفكار وتنوير الناس ونشر الوعي المتعلق بحقوق المرأة وحمايتها، وتصحيح الأفكار والمواقف السلبية تجاه المرأة.