تداعيات وآثار زواج القاصرات على المجتمع

أصبحت المرأة الكردية بمقاومتها التاريخية اليوم مصدر إلهام لجميع النساء اللواتي تخضن النضال، وقطعت أشواطاً كبيرةً نحو الحرية وأصبحت صاحبة مستقبل مشرق وزاهر، وبات نضال المرأة الكردية القبلة الوحيدة في المنطقة لجميع النساء في العالم.

مقال بقلم الكاتبة والصحفية هيفيدار خالد 

أكثر ما يضايقني وأنا أتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي ومنها صفحات الـ "فيس بوك" ومنصات الإنترنت الأخرى المنتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة، هو نشر مستخدمي مواقع التواصل صوراً ومشاهد لحفلات الخطوبة بعض الأحيان والزفاف أحياناً أخرى، لدرجة تصل إلى حد انتهاك الخصوصية في معظم الأوقات، لكن الذي يلفت انتباهي في هذه المناسبات هو صغر عمر العروسين وبراءة روحيهما اللتين لا تعلمان ما سيحل بهما من بعد هذا الزواج المبكر، المزركش بالزغاريد والأهازيج وقناع من الجمال المزيف.

البذخ الزائد والاستعراض الزائف والحب والعشق السطحي الواضح في عدسة كل الصور التي تلتقط، وتنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع، وتشكل في ذهنك تصوراً خاصاً وكأن كل شيء مثالي في هذا الكون، أمور تجسد حقيقةً واحدةً فقط، ألا وهي عيش المرء بعيداً عن الواقع المعاش من حوله، لذا يولي أهميةً كبيرةً للشكليات ويبتعد عن ثقافته وأصالته وعادات وتقاليد مجتمعه، هرعاً وراء أمراض نظام الحداثة الرأسمالية التي تفرغ المرء من كيانه، وتساهم في انتشار عادات وظواهر مضرة بين أفراد المجتمع الواحد مخلفةً وراءها تداعياتٍ كبيرةً على حياتهم، وإحدى هذه الظواهر هي ظاهرة الزواج المبكر أو زواج القاصرات التي أصبحت آفةً تهدد المجتمعات في الآونة الأخيرة وتعد من أخطر الظواهر التي تفكك الأسر، وهي في معظمها تتم عن طريق تطبيقات الإنترنت المنتشرة بكثرة بين جميع فئات المجتمع، التي تنقل الأحداث والوقائع الاجتماعية في معظم الأوقات، بالصورة التي تحدثت عنها آنفاً الصورة المثالية غير الحقيقية للواقع.

كما تشجع مؤسسة الدولة على الزواج، لأنه كلما تزوج الأفراد زاد عدد سكان الدولة، وستنفّذ الدولة حينها سياساتها الخاصة من أجل مصالحها، والعائلة بدورها تقوم بإعداد الفتاة وتحضيرها في سن مبكرة لعائلة جديدة، على مبدأ أنه لا حياة للمرأة دون عائلة وزواج أو زوج إذا صح التعبير، وازدادت هذه الظاهرة بنسبة كبيرة في أيامنا هذه وعلى وجه الخصوص زواج الفتيات من شباب يعيشون في أوروبا، فقد ضربت موجات من هذه الظاهرة المنطقة مؤخراً، وتعقد العوائل صفقاتٍ اقتصاديةً على زواج بناتها، وذلك مقابل مبالغ مالية يتطلب من الشباب إرسالها لذوي الفتاة شهرياً أو سنوياً حسب الاتفاق بين الطرفين. بالإضافة إلى إقامة حفل خطوبة وزفاف من الطراز الرفيع يصرف فيه مبالغ ماليةً طائلةً للتباهي بها على مواقع التواصل، والإفراط في عرض الأمور الشخصية.

وبعد شهرين أو أقل تبدأ المشكلات بين الزوجين، لأن العلاقة القائمة بينهم لا تستند إلى مبادئ ومعايير حرية المرأة والاعتراف بحقوقها ورأيها في الحياة، بل قائمة على المصلحة واغتصاب إرادة المرأة، لذا تُخلق المشكلات وتصل الأمور إلى حد الطلاق والانفصال في الكثير من الأوقات. ولا ينبغي لأحد أن يقول إن علاقتي هي علاقة حرة، لا ينبغي لأحد أن يخدع نفسه في وقتنا الحالي في ظل كمية العنف والاستغلال الممارس والمطبق ضد المرأة. كل العلاقات الزوجية تعيش خلافاتٍ مستمرة وذلك نتيجة مفهوم الزواج الخاطئ القائم في المجتمع، بالإضافة إلى إنكار كيان المرأة وفكرها ودورها الحقيقي في المجتمع. الزواج الحالي زواج كلاسيكي ورجعي جداً لا يحمي المرأة ولا يضمن حقوقها ولا يعترف بدورها وإرادتها كإنسانة.

إن العشق الحالي لا يمكن أن يكون عشقاً حقيقياً في ظل ظروف الانتشار الكبير لجرائم قتل النساء والاعتداء الجنسي وانتشار حالات الطلاق الكثيرة والتي يكون جلها نتيجة الزواج المبكر والكلاسيكي المعروف والشائع، ولكون المرأة تابعةً للرجل وينظمها كما يريد وكما يشاء ولا يعترف بإرادتها واستقلاليتها ولا يبدي موقفاً وفق مسيرة حرية المرأة.

لنطرح هنا سؤالاً ونسأل أنفسنا كم عدد النساء اللاتي قُتلن على أيدي عشاقهن المزعومين؟ ربما يبلغ المئات ويومياً نشاهد جرائم قتل من هذا النوع في المجتمع في واقعة باتت تتكرر بشكل فظيع، آخرها كان في مصر، حيث شهدت محافظة أسيوط بصعيد مصر جريمةً قتل قبل أسبوع، بعد أن لقيت شابة مصرعها على يد خطيبها بعدة طعنات نافذة بعد شجار بينهما لرفضها الزواج به، ثم ألقى خطيبها بنفسه من الطابق الخامس. وقبل سنة من الآن وقعت جريمة قتل الشابة نيرة أشرف المصرية والتي عُرفت بفتاة المنصورة في الوسط الإعلامي.

وتتزوج بعض النساء هرباً من الضغط الذي يتعرضن له في العائلة نتيجة الذهنية والهيمنة الذكورية من الأب والأخ، لذا ترى فتاةً متزوجةً منذ شهرين أو أكثر تريد الطلاق من زوجها لأنها عرفت حقيقة الرجال، ماذا سيكون مصير فتاة تزوجت حديثاً وتطلب الطلاق من زوجها؟ حتماً ستُقتل أو تُلقب بالعاهرة. والمرأة في وقتنا الحالي لا تستطيع التعبير عن نفسها بحرية فهي لا تنتمي لنفسها؛ لأن أفكارها ومشاعرها سُرقت من قبل الرجل، وهذا يتطلب منها الوقوف في وجه النزعة الذكورية وتصعيد نضالها الفكري أكثر فأكثر والقضاء على التوجه الذكوري فهو يقصي المرأة وكيانها وروحها.

على المرأة بذل المزيد من الجهود في هذا الخصوص عبر خوض نضال شامل واتخاذ استراتيجية واضحة من أجل القضاء على كل الممارسات والانتهاكات التي تُمارَس بحقها، بدءاً من العنف الممنهج إلى فرض العائلة الزواج المبكر عليها، وصولاً إلى الرضوخ لسلطة الرجل، فيجب على المرأة من الآن فصاعداً أن تضع حداً لكل ذلك.

 المرأة الكردية خاضت مسيرةً طويلةً من النضال في هذا المجال واتخذت من تحليلات القائد عبد الله أوجلان حول الزواج واستعباد مؤسسة الأسرة والعائلة للمرأة أساساً لها، وذلك من أجل تصعيد نضالها الأيديولوجي في وجه الذهنية الذكورية والسلطة الأبوية، وعملت بأطروحات القائد عبد الله أوجلان التي طرحها بخصوص أساليب النضال وطرق البحث عن الحقيقة ومحاربة الذهنية الذكورية السائدة في المجتمع. واستطاعت العديد من الرفيقات الشهيدات بنضالهن التاريخي تمزيق هذه الذهنية والوقوف في وجهها أمثال الرفيقة سما يوجا وزينب كناجي (زيلان) اللواتي ضحين بحياتهن من أجل حرية المرأة الكردية والوقوف في وجه الذهنية الذكورية.