تبيع الخبز بالمفترقات لتؤمن قوت عائلتها

منذ ما يزيد عن العشر سنوات تقف صالحة مالك يومياً لساعات في مفترق الطرق حتى تنتهي من بيع خبز تصنعه بيديها، لأصحاب السيارات المارة.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ لم يثنِ البرد ولا الحر الشديد ولم يمنع التعب والإرهاق صالحة مالك من الحصول على بعضٍ من المال لتعيل أسرتها وتساعد أطفالها على الارتقاء في سلم العلم والمعرفة.

جلست صالحة مالك البالغة من العمر 52 عاماً، التي انقطعت عن التعليم مبكراً، وتزوجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها، على الحجارة لترتاح قليلاً من شدة الوقوف، ووضعت بجانبها سلة الخبز البلدي الذي يحبذه التونسيون كثيراً.

قالت صالحة مالك بعد أن الشمسية "منذ عشر سنوات استيقظ يومياً مع الفجر لإعداد ما يعادل الخمسين رغيف وانطلق في بيعها قبل حلول منتصف النهار للمارة بهذا المفترق القريب من منزلي".

وتابعت "بدأت رحلتي مع بيع الخبز بمحافظة أريانة، لأن زوجي ليس لديه عملاً ثابتاً يعيلنا ومع تقدمه في السن لم يعد باستطاعته العمل، ثم انتقلنا للعيش بمدينة قرطاج في الضاحية الشمالية للعاصمة لأبيع الخبز هناك".

عندما يتم الاقتراب من صالحة مالك يلاحظ المرء تفاصيل أخرى عن معاناة المرأة، فوجهها المحمر من أشعة الشمس وآثار الحرق على يدها بسبب نار التنور، يدل على مدى تحملها أعباء الحياة.

تمكنت صالحة مالك من مساعدة أبنائها الثلاثة على مواصلة الدارسة للحصول على شهادة تخولهما اقتحام سوق العمل مما تجنيه من عملها في بيع الخبز كما أوضحت، "من أجل أبنائي بإمكاني فعل كل شيء دون أن أشعر بالتعب".

رغم معاناتها وإصابتها بتضخم في القلب، لا زالت تكافح وتعمل في سبيل توفير قوت عائلتها في ظل الأزمة الاقتصادية والغلاء وصعوبة ظروف العيش على الميسورين فما بالك بمحدودي الدخل مثلها، قالت صالحة مالك "أنا امرأة مريضة أعاني من مرض تضخم القلب، ورغم ذلك أعمل لأعيل أسرتي وأسدد نفقات دراسة أبنائي في ظرف اقتصادي صعب تعيشه البلاد".

وقالت "أثابر في العمل وأبقى صامدة لأنني الوحيدة التي تعيل الأسرة، فيجب أن أوأمن ثمن علاج ابنتي الصغرى المصابة بسرطان العظام، فهي بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لساقها لكونها تواجه صعوبة في السير وهي مكلفة جداً، كما أنها بحاجة إلى دعم نفسي ومعنوي لتجاوز معاناتها، لذا يتطلب مني أن اتحلى بالقوة والصبر لأستطيع مساعدتها"، مشيرةً إلى أن أكثر ما تخشاه هو أن تخذلها صحتها وترحل عن الحياة تاركةً ابنتها للمجهول.

وتسعى صالحة مالك للحصول على رخصة لافتتاح كشك صغير كمورد رزق لها يمكنها من بيع الخبز فيه ليحميها من تعب الوقوف بمفترق الطرقات حيث ضجيج السيارات وتلوث الهواء، ويقيها الحر والبرد وما لكل ذلك من انعكاس خطير على صحتها، "رغم أنني أعاني من الإرهاق والتعب والمرض، ولكن كل ذلك يهون في سبيل تأمين قوت عائلتي".