تأثيرات متعددة وعلى جوانب عدة لكثرة العطل في ليبيا
على مدى السنوات الأخيرة، شهدت ليبيا تزايداً ملحوظاً في عدد أيام العطل الرسمية والإجازات المدرسية، وعلى الرغم من أن فترات العطل استراحة واستجمام للفرد، إلا أن كثرتها تشكل تحدياً جدياً على المجتمع بشكل عام.
ابتسام اغفير
بنغازي ـ قد يرى الكثيرون أن العطل والإجازات المدرسية التي يتم إقرارها في ليبيا بكثرة أنها متنفس للجميع من ضغوطات يمرون بها في حياتهم اليومية، إلا أن كثرتها لها انعكاسات مختلفة سلبية حتى وأن لم يشعر بها الفرد.
في هذا التقرير سنستعرض الظاهرة، ونلقي الضوء على تأثيراتها المحتملة على الحالة النفسية الاقتصادية والتعليمية والحياة الاجتماعية، حيث تحدثت الأخصائية النفسية إيناس بن سليم عن تأثير كثرتها على الجوانب النفسية للفرد، مؤكدةً أن كثرة العطل لها جانبين إحداهما إيجابي والآخر سلبي، فالفرد عندما يضع خارطة فكرية لحياته ويسير عليها، قد يحدث بها خلل كبير وبالتالي هذا ينعكس انعكاساً سلبياً على مسار حياته وتنفيذ مخططاته.
وتضيف أن التأثير السلبي للعطل يمتد إلى من لديه سفر وموعد معين يسعى للإنجاز فيه وتأتي العطلة، وخاصة تلك التي صدرت بقرار جديد "الواقع بين عطلتين عطلة"، فهذا يؤخر عمله لأكثر من يوم، وهذا يسبب قلق وتوتر نفسيين، وإحباط وخيبة أمل واخفاق.
ولفتت إلى أنه يمكن للعطلة أن يكون لديها جانب إيجابي من حيث الإنجاز، قد يكون تأخر في عمل ما ومع العطلة يستطيع استكماله، وكذلك هو فرصة للطلبة، لاستدراك الدراسة.
كما ذكرت أنه بناء على من الصعب الجزم بأن العطل والإجازات في حال لها جوانب إيجابية ليس لها سلبيات ذلك حسب الحالات الفردية، والنفع أو الضرر الذي يقع على الأشخاص بسبب هذه الإجازات الكثيرة.
وعن تأثيرات العطل على العقل الباطن لدى الفرد قالت إنه يمكن أن يعكس تصرفات سلبية على حياته المستقبلية، وربما يكون هناك فرد يضع في خطته المستقبلية هدف معين، ولكن لم يتمكن من تحقيقه بسبب كثرة العطل، وهذا يظهر في السلوك العدواني، أو يمر بحالة من الاكتئاب.
وأشارت إلى أنه لا يترتب أي آثار على توقف العطل أو الغائها في المدارس الليبية، كون المجتمع الليبي بطبيعة الحال كسول، "نحب العطل ولا ننجز مثلماً كما ينجز العالم المتقدم، وفي المقابل نرى أن كثرة العطل وتكرارها يراها الكثيرون على أنها أمر واجب على السلطة توفيرها لهم"، مؤكدةً على أن إلغائها لا يؤثر على سلوك الطلبة النفسي لأنها مسالة تعوّد لا أكثر نظراً لتكرارها.
وحول انعكاس العطل على نفسية الطلبة تحديداً فترة الامتحانات قالت إيناس بن سليم "تزيد جرعة القلق النفسي لدى الطلبة، خاصة أن قلق الامتحانات هو باب يتم دراسته نفسياً، فعندما يضع الطالب/ـة في مخططه أن ذلك اليوم سيكون نهاية الامتحانات ونهاية القلق، والخوف والتوتر، وهنا كل المشاعر السلبية، سوف تنتقل للأيام القادمة ما بعد العطلة، وبالتالي تمتد مرحلة معاناته".
وعما يتعرض له طلبة الجامعة من أذى نفسي من تكرار العطل وتأخر تخرجه قالت "هناك تأثيرات نفسية كبيرة على طلبة الجامعة دون غيرهم، فيحدث لهم نوع من خيبة الأمل والشعور بالإخفاق والإحباط وتلاشي الدافعية، فيفقد الشغف والأمل، وهناك من كان متوقف تخرجه على مادة واحدة، ولكن بسبب كثرة العطل أصيب بالإحباط وترك الدراسة بشكل نهائي".
وفي ختام حديثها سلطت الضوء على جانب الطلبة في المرحلة الجامعية، كونها مرحلة حرجة فهم لا يمتازون بالصبر ولا يملكون القدرة على تقدير العواقب، ومن كثرة الضغوطات التي يمر بها هو لا يستطيع إدراك الحدث وإنما تفكيره منصب على نفسه، وما يحدث له بعد سلسلة العطل التي جعلت كثير من الطلبة وهم على أبواب التخرج يتركون الدراسة ويغيرون مسار حياتهم بسببها، مطالبةً الجهات المعنية بتحمل مسؤوليتها في الشأن، قبل اتخاذ هذه القرارات وما يترتب عليها.
من جانبها قالت فائزة محمد جابر تخصص علم اجتماع حول تأثير العطل على الحياة الاجتماعية في ليبيا وتغيير بعض الأنماط في العادات الاجتماعية، "هناك بالتأكيد عادات تغيرت في ليبيا بسبب كثرت العطل المفاجأة، ففي السابق كانت العائلة تزور بيت الجد في العطل كمتنفس وترفيه واجتماع عائلي، ولكن بعد الحداثة وظهور أماكن ترفيهية كثيرة في ليبيا، أصبحت هي البديل لبيت الجد، لأن الزيارة المتكررة لهم بات تزعجهم فباتت العوائل تبحث عن البديل للترفيه لذلك توجهت لأماكن الترفيه المختلفة".
ولفتت إلى أن "هذه الأماكن باتت تمثل مركز خطر قد يواجه الأسر دون علمها، إذ أن هناك عادات دخيلة وصلت إلينا، ولكن لم نتعامل معها بالطرق الصحيحة، مثل ترك الفتيات الصغيرات تذهبن بمفردهن لهذه الأماكن دون رقابة الأهل وهن في سن حرجة جداً"، مؤكدةً أنها ليست ضد الترفيه، ولكن هناك عمر معين لا يجب أن يغفل فيه الأهل عن أبنائهم ويجب التعامل معه بكل حذر، لأن عمر النشء الحرج عندما تتاح له فرصة التفاعل مع عناصر تكسبه سلوكيات غير سلمية، لعدم وجود رقابة وأن التواجد في هذه الأماكن هو ترفيه ومتاح القيام بأي شيء.
وأكدت فائزة محمد جابر على أن انعكاس أثر العطل لا يظهر بشكل مباشر في الجانب الاجتماعي، إلا أن ظهور الأماكن الترفيهية بكثرة في البلاد وما يلزمها من صرف أموال بشكل مبالغ فيه، أصبحت محل استعراض للباس والزينة والتبذير، وأصبحت بديلاً عن بيت الجد، الذي كان أكثر احتواء ولطفاً.
وفي ختام اللقاء حذرت من أن يطغى الجانب السلبي على الجانب الإيجابي في العطل، وأن تكون هناك حكمة في سنها حتى ولو كانت هناك أسباب قاهرة لها، إن "هناك نوع من التخطيط لإدارة الأزمة من ضمن خطط الجهات المعنية، والتركيز على دور الاخصائي الاجتماعي في هذه العطل والتركيز عليه".
وعن تأثير العطل على الطلبة وتحصيلهم العلمي تقول الموجه التربوية الأستاذة أمينة ماضي "هناك عطل رسمية وغير رسمية، فيما يخص العطل الرسمية سوف يكون لها وعاء ضمن الخطة العامة الموضوعة من قبل مراقبة التعليم حيث يضعون في حسبانهم أن يكون الوعاء الزمني للخطة يتماشى مع المنهج".
وأضافت هناك العطل الخارجة عن الإرادة مثل أحوال الطقس والكوارث الطبيعية، أما العطلة التي يقوم بها الطلبة والمعلمين في شهر معينة كشهر رمضان ليست عطلة وإنما تسجل غياب للطالب/ـة والمعلم/ـة.
وأشارت أمينة ماضي إلى أن "التأثير الأكبر للعطل يظهر على الطلبة في المراحل الابتدائية الأولى، لأنهم في مرحلة التأسيس فهم يجدون صعوبة في التكيف على الدراسة، فعندما يتم منحهم عطلة ومن ثم العودة لمتابعة الدراسة فهم يعودون لنقطة الصفر بسبب عدم التكيف، خاصة أولئك الطلبة الذين يعانون انطواء أو " دلال زائد"، إضافة إلى تراكم المنهج والدروس، وهذا الأثر يمتد إلى الأسرة والمعلم كذلك".
وحول كيفية تلافي التأثير السلبي للعطل قالت "لابد من توحيد الجهود من قبل صانعي القرار، حيث تبدأ الدراسة مبكراً، والمنهج متماشياً مع الخطة الزمنية، ولا يكون أطول منها، ففي فترة اعتصام المعلمين/ات تأخرت الدراسة مما أجبر المعلمين/ات على زيادة عدد الدروس في الحصة الواحدة وهذا أثر بشكل سلبي على مستواهم الدراسي"، مؤكدةً على ضرورة وضع توقعات للعطل، في ظل التغييرات المناخية التي حدثت وتحدث في العالم.
وقالت إنه "يجب مراعاة الفروقات الفردية بين الطلبة، فالطالب/ـة الذي لديه ظروف اجتماعية أو نفسية أو صعوبات تعلم مع تراكم المنهج في ظل كثرة العطل سيتدنى مستواه التعليمي أكثر وسيتعرض لضرر كبير".
وعن تأثير العطل على الجانب الاقتصادي خاصة المشروعات الصغرى التي تديرها النساء قالت مدربـة ومستشارة المشروعات الصغرى والمتوسطة هند البشاري إن "الإجازات وكثرة العطل يعني توقف الإنتاج وتوقف النشاطات الاقتصادية، وبالتالي توقف الإيرادات والمداخيل، لأي مشروع موجود في السوق".
وأضافت أن هذا الأثر ينعكس سلباً على المشروعات التي تديرها النساء من بيوتها، تتعطل فيها المبيعات بشكل كامل، وهذا يؤثر على الإيرادات لأنها ليست إيرادات كبيرة، وبالتالي هي تعتمد على المبيعات بشكل يومي، أو أسبوعي فعندما تكون هناك فراغات بسبب العطل، فهذا يعني أنه لا توجد مداخيل، وهذا يؤثر على المشروع مدخلاته ومخرجاته، وفي نهاية الشهر عندما تقوم بشراء موادها الأولية أو تدفع مرتبات، لا تجد ما يغطي هذه النفقات، وبالتالي ينعكس ذلك على أدائها والتزامها في العمل".
وأكدت هند البشاري على أن "كل ذلك يخلق مشاكل مالية، ويهدد وجودها في السوق، ويهدد اتزانها، لأنها مشاريع صغيرة، وفي أحيان كثيرة قد تخرج حتى من السوق بسبب خسائرها من كثرة العطل".
وقد لفتت إلى ضرورة التركيز على مسألة العطل وإعادة النظر فيها، والتقليل من النوع غير المبررة منها، لتلافي المشاكل التي تحدث لهذه المشاريع الصغرى والاقتصاد الليبي بشكل عام.