تاريخ أسلحة الحرب البيولوجية ضد الإنسانية

يتم إنتاج ونشر الأسلحة البيولوجية والسامة أو الكائنات الحية الدقيقة مثل الفيروسات والبكتيريا والفطريات والحشرات والطفيليات أو المواد السامة التي تنتجها الكائنات الحية عن قصد وتسبب المرض والموت للإنسان أو الحيوان أو النباتات.

مجدة كرماشاني

مركز الأخبار ـ شكلت العوامل البيولوجية تحدياً خطيراً على الصحة العامة فهي تسبب الأوبئة التي تخلف عدداً كبيراً من الوفيات في فترة زمنية قصيرة، كما في الحروب والنزاعات التي يتم فيها استهداف مختبرات تحوي على عينات من الأمراض شديدة الخطورة.

تم الإبلاغ عن الوثائق التاريخية الأولى حول استخدام الأسلحة البيولوجية في كتاب باللغة الحثية، يرجع تاريخه إلى عامي (1200 ـ 1500 ق.م)، ووفقاً لهذا الكتاب خلال حروب تلك الحقبة تم إرسال مرضى التولاريميا إلى قوات العدو وتسبب في انتشار هذا المرض بين أعدائهم، قام الآشوريون بسكب قوالب الإرغوت السامة في آبار مياه الشرب الخاصة بأعدائهم وتسبب ذلك في وفاة عدد كبير منهم، كما أن السكثيون والرومان كانوا ينقعون سيوفهم وسهام الرماية الخاصة بهم بدماء مرضى الكزاز قبل أن يتوجهوا للمعركة.

في عام 1347 ظهر مرض الطاعون، حيث فتك بجنود للقوات المغولية في مدينة كافا في القرم، عندما هاجمهم جنود كانوا مصابين بهذا المرض، وتركت جثث المهاجمين الملوثة به على جوانب أسوار المدينة مما تسبب بعدوى لسكان المدينة الذين غادروها فيما بعد بسبب الوباء إلى أوروبا والشرق الأدنى وشمال إفريقيا وهو الأمر الذي يرجح انتشاره في هذه الدول، عرف الطاعون فيما بعد باسم "الموت الأسود" الذي أودى بحياة حوالي 25 مليون شخص في أوروبا.

لم يكن واضحاً فيما إذا كانت أي من هذه الهجمات تسببت في انتشار المرض في كافا، ربما انتشر الطاعون بشكل طبيعي بسبب الظروف غير الصحية في المدينة التي كانت محاصرة، وبالمثل يمكن أن تكون أوبئة الجدري بين الأمريكيين الأصليين ناتجة عن الاتصال بالمستوطنين، وربما استخدم الإسبان أيضاً مرض الجدري كسلاح أثناء غزوهم لأمريكا الجنوبية، ومع ذلك أدى الانتشار غير المقصود للمرض بين الأمريكيين الأصليين إلى مقتل حوالي 90% من سكان كولومبوس.

حتى الآن، تمت دراسة حوالي 1200 مسبب مرضي يمكن استخدامها كأسلحة بيولوجية في الحروب والنزاعات، يوجد العديد منها منتشر في البيئة الطبيعية حيث توجد في المياه والتربة وأجساد الحيوانات، وتتمثل الأعراض المرضية لهذه المسببات بالحساسية الخفيفة والتي تنتهي الموت، تكمن خطورة هذه المسببات في إمكانية التلاعب في جيناتها مما يجعلها أكثر فتكاً ويصبح علاجها أكثر صعوبة كما أن منع انتشارها يكون مستحيلاً.

على الرغم من الأسلحة البيولوجية هي مجموعة فرعية أو ثانوية من الأسلحة إلا أنها أكبر المجموعات والتي تُعرف أحياناً بالأسلحة غير التقليدية أو أسلحة الدمار الشامل، بالإضافة للأمراض والأوبئة تضم أيضاً الأسلحة الكيميائية والنووية والإشعاعية، ويعد استخدام العوامل البيولوجية مصدر قلق خطير يواجه العالم، واستخدام هذا النوع من السلاح ضد أي جهة كانت هو هجوم يصنف في خانة الإرهاب.

على مدى القرن الماضي، مات أكثر من 500 مليون شخص بسبب الأمراض المعدية، حيث كانت عشرات الآلاف من هذه الوفيات ناتجة عن الإطلاق العمد لمسببات الأمراض أو السموم كما فعلت اليابان خلال هجماتها على الصين خلال الحرب العالمية الأولى.

وكانت معاهدتان دوليتان قد حظرتا استخدام الأسلحة البيولوجية في عامي 1925 و1972، لكنهما فشلتا إلى حد كبير في منع الدول من إجراء أبحاث وتطوير وإنتاج الأسلحة البيولوجية، ومع زيادة المعرفة حول بيولوجيا مسببات الأمراض (الفيروسات والبكتيريا والسموم)، فإن العوامل الممرضة المعدلة يمكن أن تكون عوامل مدمرة في الحروب البيولوجية.

تأسيس علم الأحياء الدقيقة من قبل لويس باستير وروبرت كوخ قدم وجهات نظر جديدة للمهتمين بالأسلحة البيولوجية، لأنها سمحت باختيار العوامل وتصميمها بعقلانية، لكن سرعان ما تم التعرف على المخاطر التي تسببها وأدى ذلك إلى طرح اتفاقيتين دوليتين إحداهما في بروكسل عام 1874 والأخرى في لاهاي عام 1899 يحظران استخدام الأسلحة البيولوجية، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقيات والمعاهدات اللاحقة قد أبرمت جميعها بحسن نية، إلا أنها تفتقر إلى وسائل المراقبة، وبالتالي فشلت في منع الأطراف المعنية من تطوير واستخدام الأسلحة البيولوجية.

كان الجيش الألماني أول من استخدم أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيميائية، وذلك خلال الحرب العالمية الأولى، من خلال استخدام الجمرة الخبيثة في العديد من الدول المعادية لها في عام 1999، ومحاولة إصابة الحيوانات بشكل مباشر بها أو تلويث علفها، لكن هجماته بالأسلحة البيولوجية كانت بسيطة نسبياً ولم تكن ناجحة بشكل كبير.

اعتقد رئيس برنامج الأسلحة البيولوجية الياباني شيرو إيشي، أن مثل هذه الأسلحة ستكون أداة قوية لتطوير الخطط الإمبريالية اليابانية، حيث بدأ بحثه في كلية الطب العسكرية بالعاصمة اليابانية طوكيو عام 1930، وتم تدمير أحد مراكزه الستة والعشرين خلال الحرب العالمية الثانية.

جرب اليابانيون ما لا يقل عن 25 من مسببات الأمراض على السجناء والمدنيين خلال الحرب، حيث قام الجيش الياباني بتسميم أكثر من 1000 بئر مياه في المناطق الريفية بالصين بهدف تفشي الكوليرا والتيفوس، كما نثرت الطائرات اليابانية البراغيث المصابة بالطاعون فوق المدن الصينية كما نشرتها في حقول الأرز وعلى جوانب الطرق، حتى بعد فترة طويلة من استسلام اليابان استمر تأثير بعض هذه الأوبئة لعدة سنوات وقتلت أكثر من 30 ألف شخص في عام 1947.

وبعد الحرب أدان السوفييت بعض الباحثين اليابانيين في مجال الأسلحة البيولوجية بجرائم حرب، لكن الولايات المتحدة أطلقت سراح جميع الباحثين مقابل معلومات حول تجاربهم البشرية، وبهذه الطريقة أصبح مجرمو الحرب علماء وباحثين على مستوى عالمي، كما قام البعض منهم بتأسيس شركات للأدوية الطبية، حتى أن خليفة شيرو إيشي، ماساجي كيتانو، نشر أوراقاً بحثية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حول التجارب البشرية التي قام بها العلماء اليابانيون، واستبدل كلمة "إنسان" بكلمة "قرد" عند الإشارة إلى التجارب التي قاموا بها على الصينين خلال الحرب.

على الرغم من أن بعض العلماء الأمريكيين اعتبروا أن الاستخبارات اليابانية أكثر مهارة في هذا المجال، إلا أنه يُعتقد الآن على نطاق واسع أنها لم تقدم أي مساهمة حقيقية في مشاريع برنامج الحرب البيولوجية الأمريكية، نظراً لبدأها على نطاق ضيق في عام 1941ونمت خلال الحرب العالمية الثانية، وبحلول عام 1945 ضمت أكثر من 5000 شخص للعمل في هذا المجال، لذلك تم تركيز الجهد الرئيسي على تطوير القدرات لمواجهة هجوم ياباني أخر بالأسلحة البيولوجية، ولم تكن اليابان هي الوحيدة الرائدة في هذا المجال فقد أظهرت الوثائق أن الحكومة الأمريكية ناقشت أيضاً هجوماً استخدمت فيه أسلحة على المحاصيل الزراعية بعد الحرب بوقت قصير، حيث أجرى الجيش الأمريكي اختبارات عرض فيها الحيوانات والمتطوعين من البشر والمدنيين إلى الميكروبات المسببة للأمراض وغير المسببة للأمراض.

 وفي مثال أخر أصابت السفن الملوثة بالجراثيم قبالة سواحل فيرجينيا وسان فرانسيسكو حوالي 800000 شخص في منطقة الخليج، حيث تم إطلاق البكتيرية في أكثر من 200 موقع، بما في ذلك محطات الحافلات والمطارات، وكانت التجربة الأكثر شهرة هي تلوث نظام مترو أنفاق نيويورك في عام 1966 ببكتيريا غير معدية تستخدم لمحاكاة انتشار الجمرة الخبيثة لدراسة انتشار العامل الممرض في مدينة كبيرة مثل نيويورك.

 

يمكن أن تصبح الأسلحة البيولوجية قريباً قنابل نووية ضد الإنسانية

بالإضافة لبروتوكول جنيف 1925 الذي لم يسمح فقط باستخدام الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية، فقد حظرت اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية أيضاً إجراء البحوث في مجال الأسلحة البيولوجية إلا أنها لا تتضمن وسيلة للتحقق، ومن المفارقات إلى حد ما أن حكومة الولايات المتحدة سمحت ببروتوكول التحقق خاصة فيما يتعلق بمشروع الأسلحة البيولوجية السوفيتي، والذي لم يكن مجرد انتهاك واضح لاتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية ولكنه بقي غير مكتشف لعدة سنوات.

على الرغم من عدم مرور وقت طويل على توقيع اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية، إلا أن الاتحاد السوفيتي أسس مشروع BIOPREPARAT الذي يعد مشروع حرب بيولوجي عملاق استخدم فيه أكثر من 5000 شخص في مختلف مرافق البحث والإنتاج، وقد كانت جهود الاتحاد السوفيتي كبيرة في هذا المشروع فقد قامت بإنتاج وتخزين أطنان من عصيات الجمرة الخبيثة وفيروس الجدري والبكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة، وبعضها استخدام في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

في عام 1971 انتشر مرض الجدري في مدينة أرالسك الكازاخستانية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة من كل عشرة أشخاص مصابين، يُعتقد أنهم أصيبوا بالعدوى من منشأة أبحاث أسلحة بيولوجية في جزيرة صغيرة في بحر آرال.

وبحسب وثيقة حصل عليها باحثون أمريكيون، فإن العلماء الصينيين خلال السنوات القليلة الماضية كانوا يستعدون لحرب عالمية ثالثة تستخدم فيها أسلحة بيولوجية، بما في ذلك فيروس كورونا، ويعتقد مؤلفو هذه الوثيقة أن الحرب العالمية الثالثة ستكون "بيولوجية" وسيكون السلاح البيولوجي "سلاح النصر الرئيسي" في الحرب العالمية الثالثة.

كما أثارت وزارة الخارجية الأمريكية المخاوف بشأن تجارب "التعزيز" عالية الخطورة للتعامل مع فيروس كورونا في مختبر ووهان، وكشفت أن الباحثين أصيبوا بأعراض Covid-19 قبل أسابيع من تفشي المرض في المدينة التي يوجد فيها المختبر، وذكرت الوثائق التي تم الحصول عليها أن المشروع أطلق عليه اسم "اكتشاف مسببات الأمراض الحيوانية التي تحملها الحيوانات غير الداجنة والبرية"، والذي يهدف إلى العثور على الكائنات الحية التي يمكن أن تصيب البشر والحصول على معلومات حول تطورها، وتم إطلاقه في عام 2012 وتم تمويله من قبل National Natural Science Foundation Of China"" .