"سيلفي" فيلم يوثق معاناة المرأة الفلسطينية في مخيمات اللجوء

بين خيام اللجوء ومعاناة النزوح، يسلط فيلم "سيلفي" الضوء على حياة المرأة الفلسطينية، كاشفاً مآسيها اليومية وصمودها في وجه الظروف القاسية.

نغم كراجة 

غزة ـ في ظل النزاعات المتواصلة والحياة القاسية في مخيمات الفلسطينية، تعيش النساء معاناة يومية تحرمهن من أبسط حقوقهن الإنسانية، وبين افتقار للخصوصية ونقص في المواد الأساسية تتحمل المرأة الفلسطينية أعباء هائلة للحفاظ على أسرتها في ظروف لا ترحم، ويبرز فيلم "سيلفي" كمحاولة لعرض هذه التجربة المؤلمة، ونقل صوت الفلسطينيات للعالم.

في خضم التحديات التي تلتهم حياة آلاف الفلسطينيين، جاء فيلم "سيلفي" كصرخة خفية في زجاجة ألقتها المخرجة الفلسطينية ريما محمود في بحر الاغتراب والألم، وشرحت كيف كانت فكرة الفيلم بمثابة رسالة مكتوبة في زجاجة مرمية في البحر موجهة إلى "صديق مجهول"، الذي قد يلتقط الرسالة في مكان وزمان غير معروف، رسالة خطتها بكلمات تحمل معاناة المرأة الفلسطينية النازحة التي تعيش يومياتها في مخيمات اللجوء حيث تسلب منها الخصوصية وتفرض عليها حياة لا تشبه حياة الإنسان الطبيعي.

فريما محمود، واحدة من آلاف النساء اللواتي يجبرن على التعايش في بيئة تنعدم فيها مقومات الحياة الأساسية، والتي تتحدث في رسالتها عن مأساة غياب الخصوصية، وتقول "مع استمرار النزوح، باتت الأزمة تتعدى ذلك إلى انعدام تام للمواد الصحية والملابس، وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، كما انتشرت المعلبات التي تفقد اللاجئين طعمها الطبيعي، هذا الوضع يولد ضغوطات نفسية خانقة على المرأة، التي وجدت نفسها في ظل الحرب تلعب دور الأب والأم في آن واحد، محاولةً التأقلم مع أصعب الظروف".

اختارت ريم محمود البحر كوسيلة لنقل رسالتها ليس فقط كرمز للحرية والانفتاح، بل لكونه الوسيلة الوحيدة المتاحة لنقل صوتها وسط انقطاع مستمر في الاتصالات والإنترنت نتيجة الحرب، وبهذا التحليل الحساس، يظهر البحر في الفيلم كوسيلة للتواصل عندما تقطع سائر الطرق، بفضل هذا الاختيار الرمزي تمكن الفيلم من إيصال معاناة المرأة الفلسطينية إلى الجمهور العالمي، ليصبح نافذة يعبر من خلالها العالم ليرى ألم من نوع آخر.

خلف كواليس إنتاج فيلم "سيلفي"، تحديات لا تحصى حيث واجهت ريما محمود خطراً يومياً، ليس فقط بسبب عيشها في منطقة حرب بل أيضاً بسبب محدودية الموارد التي أجبرتها على الإبداع بوسائل بدائية "معداتي الشخصية، وكاميراتي ظلت محاصرة في مدينة غزة، فاضطررت لاستخدام هاتف وفرته مؤسسة "أريج" لأتمكن من إتمام عملي الذي تعثر لثلاثة أشهر في بداية الحرب".

ولفتت إلى أن العمل الفني في بيئة النزاع يعتبر تحدياً لا يقل صعوبة عن النجاة نفسها، ففي خضم هذه الظروف غاب الأمان بشكل كامل، وأصبحت حياة كل من يشارك في المشروع معرضة للخطر، ما أضفى طابعاً إضافياً من التوتر والضغط النفسي.

سعت المخرجة من خلال الفيلم إيصال صوت النساء الفلسطينيات إلى العالم أجمع، فهو يمثل امتداداً لمعاناتها الشخصية ومعاناة آلاف الفلسطينيات اللواتي يقاسين ويلات النزوح والنزاعات المتواصلة "سيلفي ليس مجرد فيلم قصير، بل هو وثيقة حية، رسالة تتجاوز الحدود والجغرافيا، تروي القصة من منظور شخصي يجسد عمق الألم والعزيمة".

ووفق ما قالت فإن الفيلم يمثل "انعكاساً مصغراً لمعاناة المرأة الفلسطينية على نطاق أوسع، حيث تواجه النساء في قطاع غزة صعوبات يومية لا تحتمل منذ أكثر من عام من الحرب المستمرة، وفي هذا الإطار تحمل النساء أعباءً هائلة سواءً على المستوى النفسي أو الجسدي، حيث يعشن تحت تهديد دائم، ويتعاملن مع نقص حاد في الموارد الأساسية، بدءاً من الغذاء وصولاً إلى الرعاية الصحية.

وأوضحت أن الأمر ليس متعلقاً فقط بالألم الجسدي، بل يتفاقم الوضع مع غياب الأمان النفسي، خاصة مع تزايد الخسائر البشرية واستمرار النزوح القسري، ومع غياب الأمل بعودة قريبة للحياة الطبيعية تجد النساء أنفسهن في مواجهة التحديات التي تفرضها الحروب والنزاعات، محاولةً الحفاظ على أسرتها، والبقاء قوية في وجه الظلم. 

وتهدف ريما محمود من خلال هذا العمل الفني الذي يحمل في طياته رسالة إنسانية بامتياز، إلى فتح أعين العالم على ما تعيشه الفلسطينيات يومياً، فوسط الحصار والألم يعكس هذا الإنجاز الفني روح المرأة الفلسطينية التي لم تتوانَ عن توثيق معاناتها وشجاعة المثابرة في وجه المحن "هذه الرسالة الإنسانية تتخطى الحدود السياسية، وتعطي للمشاهد نظرة أكثر عمقاً إلى حقيقة الحياة في غزة بعيون من يعيشونها مباشرة". 

فيلم "سيلفي" هو قصة كل امرأة تُجبر على العيش في ظروف غير إنسانية بين النزوح والعزلة، وهو صوت اللواتي لم يحصلن على فرصتهن الكاملة للتعبير، صوت مكتوم يتجلى في زجاجة ألقتها ريما محمود في البحر لعلها تصل إلى من ينصت ويفهم.