سلوى الخطابي رغم إعاقتها وضعت بصمتها في مجال الجرافيك والديزاينر
تمكنت الشابة المغربية سلوى الخطابي وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، من وضع بصمتها في مجال الجرافيك والديزاينر في زمن قياسي.
حنان حارت
المغرب ـ
دخلت سلوى الخطابي مجال الجرافيك والديزاينر قبل خمس سنوات، بعزيمة وإصرار لتتحدى إعاقتها وتثبت لذاتها ولمن حولها أنها قادرة على تجاوز كافة الصعاب والعوائق، انقطعت عن الدراسة في وقت مبكر نتيجة انعدام المرافق والمنشآت التعليمية والطبية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، فلجأت إلى التعليم الذاتي، معتمدة على الشبكة العنكبوتية، فكونت رصيداً معرفياً كبيراً مكنها من اقتحام عالم العمل وفرض نفسها داخل المجتمع.
"الإعاقة في الفكر وليست في الجسد"
ولدت سلوى الخطابي بإعاقة جسدية طالت القدمين واليدين، ولكن لم تظهر معالم الإعاقة بشكل جلي إلا بعد بلوغها عامها الأول، حيث كانت تجد صعوبة في السير وكذلك في تحريك يديها، إلا أن والديها حاولا ألا يشعراها بالاختلاف بينها وبين الأطفال في سنها، تقول سلوى لوكالتنا وكالة أنباء المرأة "طفولتي كانت عادية مثل باقي الأطفال، ألعب وأذهب للمدرسة، لم أكن أعاني من التمييز الطفولي والعنصرية، وكان ذلك بمثابة نقطة إيجابية لصالحي".
وبالرغم من ذلك لم تشكل إعاقتها حاجزاً أمامها لبلوغ أهدافها، كما تقول سلوى الخطابي التي تقطن في مدينة سيدي بنور غرب المغرب "الإعاقة في الفكر وليست في الجسد، فرغم أني أعاني من إعاقة حركية، إلا أنني استطعت تحدي كافة الصعاب لتحقيق طموحاتي، فقد تمكنت من وضع بصمتي في مجال جرافيك ديزاينر، وأنا عازمة على تحدي كافة العوائق التي تصادفني في طريقي".
تشعر سلوى الخطابي، أنها واحدة من الأسوياء، وترى أن هناك الكثيرين من الأشخاص في وضعية إعاقة سواء ذهنياً أو جسدياً حققوا النجاح، في الوقت الذي أخفق فيه الكثير من الأسوياء الذين يعانون من "الإعاقة" في التفكير أو السعي لتحقيق الهدف والنجاح.
"العائلة علمتني كيف أواجه الحياة"
لعبت عائلة سلوى الخطابي دوراً كبيراً في تكوين شخصيتها، فوالديها لم يشعراها بأنها ضعيفة أو تعاني من إعاقة أو أنه يجب عليها التواري عن الأنظار "لقد شجعني والدي على الظهور والانخراط في الحياة العامة، كانا دائماً يقولان لي: سلوى أنت مثلك مثل الأشخاص العاديين، عليك أن تثبتي نفسك في المجتمع".
وتضيف "والديّ كانا صمام أمان؛ لقد علماني كيف أواجه المجتمع، وأفرض ذاتي وهذا ما ساهم في بناء شخصيتي القوية التي لا تعرف الانهزام أو الاستسلام".
لم تدع سلوى الخطابي نظرات الشفقة التي كانت تراها في أعين الأشخاص المحيطين بها تؤثر عليها "صحيح أنه في صغري كنت ألاحظ نظرات الشفقة في عيون الناس، ولكن ذلك لم يؤثر في، أنا أومن بأن الاختلاف سبب في النجاح".
"الولوجيات سبب توقفي عن الدراسة"
عندما وصلت سلوى الخطابي إلى سن دخول المدرسة، قرر والداها تسجيلها في مدرسة مع أطفال أصحاء، وأتمت المرحلة الابتدائية التي حصلت فيها على معدل جيد، لكنها لم تستطع الالتحاق بالمستوى الإعدادي لخلو المرافق والمنشآت التعليمية والطبية من التسهيلات البيئية التي تعد من أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة "بيت أسرتي في الطابق الثالث، فكانت والدتي تضطر إلى حملي والصعود بي إلى المنزل، في الوقت الذي كنت أتألم فيه عندما كنت أسمع أنفاسها تتقطع من شدة التعب، كما أن المدرسة تفتقر لوجود الولوجيات خاصة للأشخاص في وضعية صعبة، ما جعلني أتوقف عن الدراسة والجلوس في البيت، بعيداً عن حياة تحقق لي بعضاً من أحلامي".
"البحث عن المعرفة"
رغم عائق الولوجيات، إلا أنه كان لسلوى الخطابي إرادة وعزيمة قوية، وحبها للحياة جعلها تسعى بكل جهد لتحقيق أحلامها، فبدأت بالإبحار والتوغل في الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز والكتب لتكوين نفسها وتطوير ذاتها، كانت دائمة البحث في العلوم والأدب واللغات، تمكنت من تكوين رصيد معرفي وثقافي في اللغة الإنجليزية التي باتت تتحدث بها بطلاقة.
عشق سلوى الخطابي للتصاميم والألوان ولعالم الحواسيب والمعلومات، جعلها تفكر كيف يمكنها استثمار هذا الحب والقاسم الذي يجمع كل ذلك، فقادها بحثها إلى الجرافيك ديزاينر، ومن هنا بدأت أكبر رحلة تحدي في حياتها، "كنت أشاهد مقاطع الفيديو على منصة اليوتيوب وأتعلم كل يوم شيء جديداً، ازدادت قناعتي بأنه عليَ إتقان ما أتعلمه حتى أبهر كل شخص يعتقد أن التعلم يرتبط فقط بالمدارس، وهكذا دخلت في تحدٍ كبير مع نفسي، وباتت المواقع الإلكترونية ملاذي الذي أنهل منه باستمرار، لأنمي مداركي في مجال الديزاينر".
تشير سلوى الخطابي إلى أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة؛ فنقطة البداية هي حتماً تأتي بالنهاية المتميزة لتحقيق الأهداف، فدائماً الوصول إلى الهدف الذي يسعى إليه الإنسان يحتاج إلى اتخاذ الخطوة الأولى التي تدفعه إلى نقطة البدء في العمل، لأنه ومن دون الخطوة الأولى للعمل لن يكون هناك أي عمل من الأساس.
وبالرغم من الانتقادات التي طالت تصاميم سلوى الخطابي في البداية إلا أنها لم تسمح لنفسها بالاستسلام "في بداياتي وبعدما كنت أنهي واحداً من تصاميمي، كنت أشاركه في إحدى المجموعات عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، كنت أتلقى الكثير من الانتقادات، لو كانت هناك فتاة أخرى في وضعيتي لما استطاعت إكمال الطريق، لكن كنت دائماً أقول لنفسي لن أتراجع؛ فالفشل مفتاح النجاح، ولا يمكن أن يكون هناك نجاح بدون فشل".
وها هي سلوى الخطابي كما تقول استطاعت أن تتقن عملها "مع توالي الأيام استطعت إتقان عملي، وأنا اليوم أقوم بتصاميم تنال استحسان العديد من الأشخاص، حتى أنني صممت "لوغو" إحدى الإذاعات الخاصة في المغرب".
الشعر والزجل
يحتل الشعر والزجل مكانة هامة في حياة سلوى الخطابي، فنتيجة لحبها للأعمال التطوعية والجمعوية، انخرطت في جمعية الكشاف المغربي، وفي الوقت الذي كان المنضمون يعرضون مواهبهم، إما في الغناء أو التمثيل أو الرسم والرقص، كانت سلوى تميل إلى كتابة الشعر وتلقي قصائدها أمام الحضور، تقول "رغم خوفي في البداية، إلا أن أول قصيدة لي لاقت استحساناً من طرف الحضور وكانت هذه هي الانطلاقة، فأصبحت تأتيني اليوم دعوات من طرف جمعيات أخرى".
جائزة أوسكار الرائدات
حصلت سلوى الخطابي على جائزة أوسكار الرائدات من قبل منظمة الأمم المتحدة للفنون وجمعية نجوم بلا حدود التي اتخذت من العاصمة الرباط مقراً لها، فكانت أول فتاة مغربية من ذوي الاحتياجات الخاصة، تحصل على الجائزة إلى جانب العديد من الشخصيات المعروفة على المستوى العربي، كالفنانة المصرية إلهام شاهين، والفنانة المغربية سعيدة شرف، تقول "أفتخر لكوني حصلت على أوسكار الرائدات بجانب أسماء مشهورة، وهذه الجائزة لا أعتبرها جائزة لي فقط، وإنما هي لجميع الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة".
كما حصلت سلوى الخطابي على الدكتوراه الفخرية للإبداع المعترف بها دولياً، وحاصلة كذلك على الشهادة الشرفية العليا من طرف أكاديمية السلام بألمانيا الاتحادية ومنظمة الإبداع الدولية واتحاد الأخوة للسلام العالمي.
وفي ختام حديثها وجهت رسالة قائلة "رسالتي أوجهها للجميع بدون استثناء، على الإنسان أن يبحث عن نقاط قوته، لكل واحد منا شيء يميزه عن الآخر، وأنصح كل شخص بعدم التخلي عن أحلامه وطموحاته فلا شيء مستحيل ما دمنا أحياء، ولا حياة مع اليأس".