عشرات الأبنية والأماكن شاهدة على مقاومة كوباني

باتت الأماكن التي شهدت بطولات ومقاومة المئات من المقاتلين/ات في حرب كوباني جزء من ذلك الانتصار الذي التف العالم حوله.

نورشان عبدي

كوباني ـ تحتفظ مدينة كوباني بإقليم الفرات في شمال وشرق سوريا بعد تسعة أعوام من تحريرها بذكريات وقصص مقاتلين/ات، وكل التفاصيل التي شهدت على الملحمة التاريخية والانتصار الذي حدث في تلك المباني المهدمة، كما وتروي الأماكن التي شهدت مقاومة كوباني قصص وأمنيات الذين قاتلوا من أجل انتصار المعركة واستشهدوا.

هاجم مرتزفة داعش مدينة كوباني في إقليم الفرات بشمال وشرق سوريا في 15 أيلول/سبتمبر عام 2014 مستخدماً كافة أنواع الأسلحة الثقيلة ولكن أبناء الشعب الكردي تصدوا بإرادة قوية لهجوم المرتزقة وحاربوه ليتم تحرير المدنية بعد 134 يوماً من المقاومة والنضال في 26 كانون الثاني/يناير عام 2015 وبذلك تمكنت قوات حماية الشعب والمرأة القضاء على مرتزقة داعش في مدينة كوباني جغرافياً.

وبعد تسعة أعوام من انتصار ملحمة كوباني التاريخية على داعش لا تزال المدينة تحتفظ بآثار الحرب التي دارت في كل حي وشارع منها وكيف تجسد ذلك في الأزقة التي دمرت بشكل كامل وسميت بمتحف مقاومة كوباني الذي يروي للعالم بأجمعه ماذا حصل وما عاشه الشعب الكردي.

يقع متحف مقاومة كوباني في حي الجمارك، حيث تحولت الأبنية التي يسكنها الأهالي إلى أبنية مهدمة ومتحف يحتضن دماء ونضال عشرات المقاتلين/ات الذين فقدوا حياتهم فيها، ومن أجل ذلك تم الإقرار بأن تبقى تلك الأبنية متحفاً، عندما ينظر المرء إلى محتف مقاومة كوباني من بعيد يتضح له بأنه مكاناً مهجوراً ومدمراً ولكن في الحقيقة هذه الأبنية المدمرة تجعل الناظر لها يشعر بأنها تروي له التفاصيل والأحداث والمجريات التي حدثت في الحرب الطاحنة ضد مرتزقة داعش.

جدائل السلام

كل شارع ومكان في مدنية كوباني الصغيرة شهد على مقاومة تاريخية عظمية وكل منزل وشارع منها يحدث المرء عن قصة مقاتلة ومقاتل ضحوا بأرواحهم من أجل النصر في المعركة مع مرتزقة داعش، من أكثر الأماكن التي شهدت على هذه الملحمة هي ما كانت تسمى بساحة المربع الأمني وشارع المدارس، هاجمت المرتزقة مدرسة الشهيد آزاد بالأسلحة الثقيلة والمدافع وتصدى المقاتلين والمقاتلات لتلك الهجمات حتى رمقهم الأخير، بالرغم من قوة داعش في ذلك الوقت لم يسمح لهم المقاتلين/ات بالسيطرة على هذه المدرسة لدرجة أنهم ضحوا بروحهم وجعلوا منها درع لمنع داعش من التقدم.

حتى يومنا هذا وفي هذا الشارع يوجد قفص خاص بجدائل شعر المقاتلات من وحدات حماية المرأة بعد صراع دام لأيام بالتصدي لداعش في المربع الأمني فقدن على أثره حياتهن ولم يتبقى من جثمانهن سوى الجدائل التي سميت بجدائل النصر والسلام التي تمثل للعالم قوة وإرادة مقاتلات وحدات حماية المرأة اللواتي فضلن الموت والاستشهاد على الاستسلام لوحشية مرتزقة داعش، عندما يتأمل المرء هذه الجدائل يشعر بالفخر بكل مقاتلة حاربت ودافعت بمحبة وقوة وأمل عن وطنها وقضيتها وأفدت بروحها من أجل الوصول للنصر.

محررة وكالة أنباء هاوار في إقليم الفرات بشمال وشرق سوريا دجلة أحمد كانت من المشاركات في مقاومة كوباني والشاهدة على نضال مقاتلات وحدات حماية المرأة، قالت "كنت من بين المشاركين بمعركة كوباني تلك المدينة الصغيرة التي احتضنت أبناء الشعب الكردي من أجزاء كردستان الأربع ليقاتلوا ويقاوموا في سبيل القضاء على ظلام داعش، أبناء الشعب الكردي كتبوا بدمائهم التاريخ الجديد للكرد، خلال أشهر من المقاومة استطاع المقاتلين/ات تعريف العالم بإرادتهم القوية وانتصروا".

وأشارت إلى أن الروح التي كان يتحلى بها المقاتلين/ات هزمت مرتزقة داعش "الشيء الوحيد الذي جعل كوباني تنتصر على داعش هي الإرادة التي كان يمتلكها المقاتلين من حدات حماية المرأة والشعب بوجه كافة أساليب التي اتبعها داعش واستخدامه لكافة أنواع الأسلحة الثقيلة وبمساعدة الاحتلال التركي، تلك المقاومة جعلت العالم بأجمعه يتضامن مع كوباني وينتفض وتخرج المئات من التظاهرات الشعبية ليخصص يوم الأول من تشرين الثاني يوم للتضامن مع مقاومة كوباني".

واستذكرت دجلة أحمد المقاومة التي أبديت في ساحة المربع الأمني وشارع المدارس "يوم كوباني العالمي جاء نتاج الروح الفدائية، فهذه المدينة سقي كل شبر منها بدماء المناضلين الذين حاربوا من أجلها، وكان لوحدات حماية المرأة الدور الأبرز في ذلك، قبل وصول الهجمات لمركز المدينة رأينا كيف حاربت المقاتلات لمنع داعش من دخول المدينة، ففي الجهة الشرقية بمدرسة سرزوري نفذت الشهيدة بيمان عملية فدائية وفي الجهة الجنوبية لكوباني أفدت كل من الشهيدة ريفانة والشهيدة آرين بأرواحهن وفي الجهة الغربية في تل الدولي أفدت الشهيدة زوزان بروحها من أجل القضاء على داعش".

وأضافت "في هذا المكان قاومت ستة من المقاتلات حتى استشهدن ولم يتبقى من جثمانهن سوى جدائلهن الجميلة، أتذكر بأنه عندما وصلنا لهذا المكان رأيت هذه الجدائل، واليوم تحول إلى مكان وساحة للمقاومة والنضال".

مبنى الفدائية "دستينا قنديل"

المناضلة دستينا قنديل اسمها كولوفر، مقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة عملت بجد في مسيرة نضالها من أجل قضيتها وتلقت التدريبات السياسية والعسكرية، بالرغم من صغر سنها استطاعت الانضمام للصفوف العسكرية، كانت صاحبة شخصية هادئة ولم تتحدث كثيراً لكنها كانت نشطة ضمن رفاقها، ومع بداية انطلاق ثورة التاسع من تموز عام 2012 انضمت دستينا قنديل للثورة وأخذت مكانها ضمن عمليات وحدات حماية المرأة، وأطلقت حينها على نفسها اسم دستينا حفتنين، هذا وشاركت في مقاومة حلب.

شاركت في المعركة وأصحبت قائدة للوحدة وباتت إحدى الشخصيات الذين قرروا بنضالهن ومقاومتهن مصير كوباني، هاجم المرتزقة المبنى الذي كانت تتواجد فيه المناضلة دستينا قنديل في حي الجمارك وقاومت مع عشر من رفقاها الهجمات بكل إرادة وقوة لأيام عدة، وكان إصرارهم أكبر من الهجوم فقررت تنفيذ عملية فدائية في ذلك المبنى ولم يسمحوا لداعش بدخوله، حيث يعد المبنى من أكثر المباني التي أبديت فيه مقاومة وأثرت بشكل كبير على مقاومة كوباني.

وحول مبنى الشهيدة دستينا قنديل وعملتيها الفدائية قالت سميرة أحمد (51) التي شاركت في مقاومة كوباني "بعد من أشهر من النضال والمقاومة من قبل أبناء الشعب الكردي وأمهات الكرد عرفت كوباني بقلعة المقاومة والصمود في كافة أنحاء العالم".

وعن تأثرها بمقاتلات وحدات حماية المرأة قالت "أنا اليوم أقف بمبنى المناضلة دستينا قنديل وعشرة من رفاقها التي أفدت بسجدها وروحها للقضاء على المرتزقة، كنا متواجدين هنا بالقرب من هذا المكان وشاهدنا كيف انهار المبنى، فجدران المتحف تتحدث عن تلك المقاومة والتاريخ الذي كتب بدماء المناضلين/ات، هذا المبنى المهدم يتحدث عن تلك العملية التي أصبحت حتى يومنا هذا ميراث النضال والمقاومة لنسير على دربه في سبيل الحرية والحل للقضية الكردية".

وبينت أن "المقاتلة دستينا قنديل ليست أولى المقاتلات اللواتي أفدين بأرواحهن في سبيل الحرية بل مثلها العشرات، كأرين وريفان وروكن ولكن عملتيها أثرت بشكل إيجابي على المقاتلين/ات ضمن المعركة"، قائلة إن "انتصار كوباني وتخصيص يوم عالمي للتضامن مع مقاومة كوباني هو نتاج نضال الفدائيات".

نسر ساحة الحرية

تعرضت معظم الأحياء والشوارع في المدينة للدمار أثناء هجمات مرتزقة داعش عليها، ويذكر المقاتلين من وحدات حماية المرأة والشعب بأنه لم يبقى حجر أو منزل في المدينة دون أن يدمر، بالرغم من الحرب والمعركة والدمار الذي حل بالمدينة نتيجة الهجمات كان لدى من شارك في المقاومة آمال جديدة لبناء مستقبل حر ومزدهر.

ومن أهم العلامات والأماكن ذات القيمة والمعنى لدى الأهالي هي ساحة الحرية، التي كانت شاهدة على معركة كوباني التاريخية، حيث تم بناء ساحة الحرية منذ سيطرة القوات الفرنسية على سوريا ونُحت النسر الذي يتوسط الساحة في عام 2006 ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه اسم ساحة اكسبريس، في ذلك الوقت كان شبان كوباني الوطنيون يقومون بطلاء التمثال باللون الأخضر والأحمر والأصفر في كل ليلة بشكل مستمر، وكانت حكومة دمشق تغير لونه كل صباح وتقوم بتبييض التمثال، أصبح عمل طلاء هذا النسر ثقافة لدى أهالي مدينة كوباني.

ومن خلال ذلك اتخذ الأهالي من الطائر رمزاً للتمرد والحرية والمقاومة، ومع بداية انطلاق ثورة التاسع عشر من تموز/يوليو عام 2012، أصبحت ساحة النسر مكان الشعب للتظاهرات والفعاليات لذلك مع بدأ ثورة روج آفا تم تغيير اسم الساحة إلى ساحة الحرية، وتم تزيين تمثال النسر باللون الأخضر والأحمر والأصفر وأصبح الآن عنوان التمرد والنضال.

في مقاومة كوباني صمدت ساحة الحرية إلى جانب شعبها ودافعت بإصرار عن وجودها في أرض كوباني، خلال المعركة أصيب النسر ببعض الرصاصات لكن الطير الطائر لم يتوقف عن مقاومته ولم يسقط، لذلك بالنسبة لأولئك الذين كانوا يقاتلون ويقامون في معركة كوباني، وكذلك للأهالي الذين تابعوا المقاومة في كل لحظة أصبحت ساحة الحرية معتقد النصر بالنسبة لهم.

عندما ينظر المرء إلى عيون النسر المرفوعة في ساحة الحرية في مركز مدينة كوباني يبدو كما لو أن هذا النسر يخاطب مشاعر الناس، ويقول للأهالي بأنه كان مدرك تماماً بأن انتصار مقاومة كوباني متعلق بمقاومة هذه الساحة ولهذا السبب ومن خلال وقفته الشامخة قدم هذا النسر الروح المعنوية لمقاتلي/ات وحدات حماية المرأة والشعب، هذا النسر بث الطاقة والنجاح والنصر بلونه وأصبح رمزاً للانتصار والحرية والأمل.