صحفيات يروين تجارب فقدان مؤسساتهنَّ ومنازلهنَّ خلال العدوان الأخير على غزة

منذ بداية العدوان على قطاع غزة سعت المؤسسات الإعلامية ومراسليها لنقل الصورة كاملة، لكن تلك الجهود وجهت غضب طائرات الاحتلال الإسرائيلي نحوهم ليقوم باستهداف أكثر من 28 مؤسسة صحفية في غضون (10) أيام فقط

رفيف اسليم
غزة ـ ، ضمن محاولاته لعرقلة دور الإعلام في كشف الانتهاكات التي ارتكبها بغزة والتي وصل عدد ضحاياها لأكثر من (248) شخص ضمنهم ثلاثة صحفيين. 
لكن الأمر لم ينتهي باستهداف الصحفيين وقتلهم أو إصابة ما يقارب (10) منهم بجروح ما بين المتوسطة والخطيرة، بل وصل الأمر لاستهداف المنازل التي تسكنها عائلاتهم مما شكل ضغط إضافي عليهم خلال أدائهم لواجبهم المهني أثناء العدوان، فقد استهدف طائراته (6) منازل يقطنها صحفيون بحسب تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
تقول الصحفية شرين خليفة التي تعمل محررة لدى شبكة نوى أن "استهداف المؤسسة لم يكن الأول من نوعه في قطاع غزة فقد سبقه استهداف عدة مؤسسات في برج هنادي والجوهرة والشروق، فسياسة التدمير التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي ذات المنهجية الواضحة تستثني معاملة المؤسسات المدنية في قطاع غزة على أنها خطوط حمراء"، لافتةً إلى أن "استهداف الاحتلال للمؤسسة كان مثيراً للحزن والأسى خاصة مع سيل الذكريات التي تدفقت عند مشاهدة الصور".
وتكمل شرين خليفة أن استهداف مؤسستها الإعلامية لم يكن مجرد تدمير لمكان عملها بل هو بمثابة اعتداء على منزلها الآخر الذي يحتوي عدد من أغراضها الشخصية والأجهزة التي تلزم في عملها الصحفي، والتي سيترتب على خسارتها عرقلة في العمل فيما بعد، لافتةً إلى أنه عند زيارتها للمؤسسة وجدت أن الضرر الذي لحق بالمؤسسة جزئي، لكن سيحتاج الكثير من الوقت لإعادة الوضع كما كان قبل العدوان على غزة.
وتشير شرين خليفة إلى أن "سياسة ترهيب الصحفيين التي يتبعها الاحتلال الإسرائيلي لن تجدي نفعاً لأن ايصال أحداث العدوان على قطاع غزة، وما يتبعه من قصص لم توثق بعد عن الضحايا بعد انتهاءه هو واجب وطني، ولن يتم التنازل عنه سوى بنيل حقوق جميع الفلسطينيين"، متمنية السلامة لجميع زملائها.
بينما تذكر الصحفية آية شاهين محررة إذاعة "صوت الأسرى"، أن فطورها كان ما يزال على المكتب حين استهدفت القوات الإسرائيلية برج الجوهرة بالكامل الذي يتواجد داخله مقر الإذاعة، لم تستطع أخذ أي من أغراضها الشخصية الأخرى، مستذكرة حاسوبها الشخصي وباقة الورود وبعض الأقلام والمذكرات التي كانت تضعها على المكتب بشكل متناسق، لتدمر مروحيات الإسرائيلي ذلك التنظيم مع ذكريات عشر سنوات قضتها في تلك المؤسسة.
وتشير آية شاهين إلى أن الإذاعة بالنسبة لها كبيتها فهي بدأت بالعمل بها منذ أن كانت شقة سكنية صغيرة داخلها استديو صغير، دون أي مؤهلات أخرى، وشاهدتها تكبر أمام عينها إلى أن أصبحت الإذاعة الأولى في فلسطين المختصة بنقل معاناة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، مكملةً أن اعتبار أفراد طاقم العمل لبعضهم البعض كأنهم أسرة واحدة هو ما ساعدهم على تخطي الظروف الصعبة التي مرت بها المؤسسة، لتبقى صورهم أكبر شاهد على تلك الذكريات.
وتكمل آية شاهين أنها الآن تباشر عملها من المنزل كمحررة فيما تستمر الإذاعة بالبث من خيمة بالقرب من مستشفى الشفاء باعتبارها مصدر الأحداث الأكبر الشاهد على الانتهاكات التي مارسها الإسرائيلي لما ورد عليها حالات كثيرة من الضحايا والجرحى، مشيرةً إلى أن إيصال رسالة الأسرى متواصلة، وأيضاً أحداث ما بعد العدوان على قطاع غزة، لإكمال ما تبقى من قصص لم يكتب عنها بعد بالتالي لم يعرف أحد عنها.
بينما لم يكن استقبال خبر انهيار برج الشروق هين على المذيعة نعمة المصري التي تعمل كمقدمة برامج في قناة القدس الفضائية، لأنها لم تكن تنتمي لمؤسستها فحسب بل كان انتمائها الأكبر لذلك البرج الذي قضت داخل مؤسساته وأروقته 5 سنوات، ما بين التطوع والتدريب والعمل لتصقل مهاراتها كإعلامية، وتستطيع أن تقف أمام الكاميرا اليوم بكل ثقة، مشيرةً أنها ما زالت لا تصدق ذلك الخبر، وتفكر فيما لو كانت كذبة، وتذهب لترى البرج ما بعد العدوان أمامها من جديد.
وتكمل نعمة المصري "ركام البرج أغلق الشارع بالكامل لتنهدم معه ذكرياتي وأجمل أيام قضيتها هناك برفقة زميلاتي وصديقاتي بالعمل الصحفي"، مضيفةً أنها عندما سمعت خبر استهداف البرج خلال العدوان ذهبت مباشرة لتتبع الأخبار كي لا ترى اسم أي من زملائها ضمن قائمة الضحايا، وبعد أن اطمأنت بدأت تفكر ماذا ستفعل بعد أن فقدت مقر عملها.
وتلفت نعمة المصري إلى أن رسالتها واضحة "الرسالة للاحتلال الإسرائيلي وهي أن الفلسطينيين اعتادوا أن ينتزعوا حقوقهم وأحلامهم من الحياة انتزاع، وهذه المرحلة ما هي إلا اختبار سيتم تجاوزه عما قريب، الاحتلال لن يُسقط صوت الإعلام ولن ينال من أحلام سكان قطاع غزة، كما أنه لن يزعزع حقهم في البقاء على أرض فلسطين -كل فلسطين، مهما طال الزمان أو قصر".
لكن الأمر لم يقتصر على الصحفيات أو استهداف المؤسسات بل وصل لاستهداف منازلهم فكتب الصحفي علاء شمالي على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، "خلال عدوان (2014) كانت لي تجربة أولى في قصف منزلي وتدميره بشكل كامل في حي الشجاعية فأصبحت وعائلتي مهجرين مشتتين إلى أن استقر بي الحال في وسط غزة"، مكملاً أنه حاول بعد ذلك البحث عن الاستقرار فامتلك شقة عن طريق المرابحة من البنك بنظام السداد لمدة 8 سنوات. 
مضيفاً أنه في عدوان (2021) تفاجأ بقصف تلك الشقة السكنية ليعاني من تجربة تدمير المنزل والتهجير مرة ثانية وفقدان أغلى ما يملك، بعد أن انهارت الشقة وذهبت أدراج الرياح في غمضة عين، لكن ديونها وأقساطها لم تنتهي وبقي على كاهله عبئ سداد سيتواصل لمدة عامين قادمين. 
ويذكر أن القوات الإسرائيلية استهدفت ثلاثة صحفيين خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة وهم الصحفي محمد شاهين من مخيم النصيرات في 12أيار/مايو، والصحفي عبد الحميد الكولك في 16 أيار/مايو، وأخيراً الصحفي يوسف أبو حسين في 19 أيار/مايو.