شبح وفاة الحوامل يهدد نساء مدينة المتلوي

أكدت نساء من مدينة المتلوي التونسية على ضرورة تدارك غياب طب النساء والتوليد في المشافي العامة، الذي أدى لوفاة العديد من الحوامل.

إخلاص الحمروني

تونس ـ من الصعب أن تتحدث أم عن حادثة موت ابنتها الوحيدة، ابنة أنجبتها بعد العديد من المحاولات والصعوبات، ربتها أحسن تربية، ودرستها.

فاطمة التليلي، مسنة، تعيش وحدها في منزل متواضع بعد أن فقدت زوجها منذ سنوات في حادث مرور وفقدت ابنتها زينة أثناء ولادتها لصغيرها الرابع.

في العادة لا تحب فاطمة التليلي التحدث كثيراً عن ابنتها التي فقدتها منذ أكثر من 20 سنة، لكن هذه المرة استرسلت في الحديث وتكلمت بحرقة وكأن زينة توفيت منذ أيام وليس منذ سنوات.

 

"عاشت فاطمة وماتت زينة"  

"كانت زينة ابنتي الوحيدة، عاشت يتيمة، وبحكم أنها حرمت من الأخوة قررت إنجاب 4 صغار حتى يملؤون عليها منزلها ويشعرونها بقيمة العائلة التي بقيت تفتقدها رغم انني بذلت جهدا لإسعادها، أنجبت زينة ابنتها البكر، ثم رزقت بولدين توأم وفي نهاية حملها الرابع كانت سترزق بابنة ثانية، وكانت قد أعدت لها كل مستلزمات المولود الجديد".

لم تستطع السيطرة على دموعها وبكت بحرقة وهي تتحدث عن تلك الأيام "جاء موعد مخاضها، نقلناها إلى المشفى الجهوي المتلوي وهو المشفى الذي ولدت فيه سابقاً أبنائها الثلاثة ولادة طبيعية، كنا مطمئنين لأنها في رعاية طاقم طبي لكن عملية مخاضها هذه المرة لم تكن يسيرة حيث شهدت تعقيدات أثناء الولادة، ولأن طبيبها المباشر لم يكن موجوداً تلك الليلة اضطروا إلى انتظار من ينوبه، الأمر الذي أزم من حالة ابنتي".

وأضافت "لأنهم تأخروا في اتخاذ قرار إجراء العملية من عدمه زادت حالة ابنتي سوءاً حتى استحال انقاذ حياتها، وتمكنوا من إنقاذ الطفلة فقط".   

ورغم مرور العديد من السنوات إلا أن ما حدث يؤلمها وكأنه حدث البارحة "غياب أطباء النساء والتوليد جعل مؤشرات الصحة بهذه المنطقة تتهاوى بشكل كبير، وذلك بسبب إرسال الحوامل إلى مستشفيات جهوية مجاورة، مما تتضاعف معه معاناة النساء خصوصاً اللواتي تعشن في مناطق جبلية ونائية، فبعد أن تقطعن مسافات طويلة إلى مشفى المتلوي يتم تحويلهن من جديد باتجاه مستشفيات أخرى".    

 

"نتيجة الإهمال، توفيت جارتي"   

من جهتها قالت خديجة عباسي أن جارتها توفيت أيضاً بسبب غياب الإنعاش بالمشفى الجهوي المتلوي، وهي الحالة الثانية التي تتوفى بنفس الأسبوع بسبب غياب الأطبّاء.

ووفق خديجة عباسي كان وضع الشابة الحامل دقيقاً ويتطلّب تدخّلاً عاجلاً، لكن غياب أطبّاء الاختصاص حال دون ذلك، مما تسبّب في تأزم حالتها ومفارقتها للحياة "نتيجة الإهمال وعدم وجود أطبّاء اختصاص بقسم التوليد، توفيت جارتي وهي أم لثلاثة اطفال أكبرهم 8 سنوات"، معتبرةً أن مستشفيات مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصة من المراكز الاستشفائية التي تعاني نقصاً كبيراً في أطباء الاختصاص والمعدات والتجهيزات الطبية.

ويصل نقص الكادر الطبي في المشفى إلى حد الفراغ التام أيام العطل لأن الأطباء المتعاقدين يقطنون في مدن بعيدة "عرف قسم التوليد في بعض الأحيان وخاصة أيام العطل غياباً تاماً لأي طبيب مناوب رغم وجود حالات ولادة متعددة مما تسبب في قلق ومخاوف بين الحوامل المقبلات على الولادة وأدى لموت الكثيرات".

 

"أنجبت ابنتي في سيارة الإسعاف"

لنرجس بن محمد قصة أخرى مع طب التوليد تقول "كنت حاملاً بابنتي جوري، كان طبيب النساء الذي يداوم مرة في الأسبوع يتابع حالتي الصحية، وقال لي أن ولادتي ستكون طبيعية لأنني سبق وانجبت ابني البكر ولادة طبيعية".  

وتضيف "يوم مخاضي ذهبنا إلى المشفى، دخلت غرفة الولادة لكن الطبيب الذي يتابع حالتي كان يداوم في مكان آخر، وقرر الطبيب المناوب إجراء عملية قيصرية، فرفضت فتم توجيهي إلى محافظة قبلي أي حيث يداوم الطبيب المشرف على حالتي، وفعلا ذهبنا في سيارة إسعاف خاصة، لأنهم لم يوفروا لنا سيارة إسعاف".

المسافة بين المتلوي وقبلي طويلة تبلغ حوالي 120 كم "كنت اتألم طوال الطريق ورغم تسلحي بالقوة طيلة الرحلة إلا أن صبري نفذ وانجبت ابنتي في سيارة الإسعاف بمدخل مشفى قبلي". منبهةً إلى خطورة الوضع بسبب غياب قسم التوليد والإنعاش ما أدى في تلك الفترة لارتفاع نسبة وفيات الحوامل، واستشهدت بحالة مماثلة لفقدان أم لمولودها وهي في طريقها الى مشفى جهوي في محافظة مجاورة.  

 

نقص فادح

مدينة المتلوي مثل بقية مدن الحوض المنجمي (أم العرائس، الرديف والمظيلة) بمحافظة قفصة (جنوب غرب تونس) تعيش على إيقاع نقص حاد في عدد أطباء الاختصاص بأكبر مشفى عمومي بهذه المنطقة، ولاسيما طب النساء والتوليد، الأمر الذي يجبر إدارة المشفى على توجيه الحوامل إلى محافظات مجاورة، ما يكبد النساء وذويهن مصاريف وأعباء مادية ومعنوية هم في غنى عنها، وفي بعض الأحيان تخسر الأمهات حياتهن أو تخسرن أطفالهن.