شاهدة على النكبة: الفلسطينيات دفعن فاتورة 75 عاماً من التهجير القسري

تحرص نساء فلسطين في كل عام على إحياء ذكرى النكبة التي يمر عليها 75 عاماً، عانين خلالها.

رفيف اسليم

غزة ـ تمر على النكبة الفلسطينية 75 عاماً ولا تزال النساء تذكرن تلك الحادثة التي شهدت فقدان البلاد والمنزل والأبناء والانتهاكات بحق النساء من قتل واعتداءات، وكأنها بالأمس.

تقول سعاد حجو مسؤولة المرأة في دائرة اللاجئين، وعضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، أن أحداث النكبة زرعت في أدمغة الفلسطينيات اللواتي كن آمنات في بيوتهن تستيقظن في الصباح الباكر لإعداد الطعام ومن ثم إلى الحقل ليزرعنه، وفي نهاية اليوم تعدن إلى المنازل للعناية بأسرهن، لتأتي المسلحين الإسرائيليين بين لحظة وضحاها ويخرجهن من ديارهن.

لم يكن ذلك الخروج قسرياً فقط، فبحسب ما أشارت إليه سعاد حجو كان الجيش المسلح يدخل القرية يقتل الرجال ويعتدي على نسائهن ويستولي على الأموال، لافتةً إلى أن "بعض نساء القرى المجاورة اللواتي وصلهن الخبر فررن خوفاً على أنفسهن وأطفالهن من بطش المحتل والقوات التي كانت تسانده".

وأوضحت أن النساء خرجن في ذلك الوقت بعد إقفال منازلهن جيداً إلى حين العودة معلقات المفاتيح في أعناقهن حتى اليوم على أمل العودة إلى مدنهن وقراهن التي هدمها الجيش الإسرائيلي بالكامل حتى يثبت للعالم عدم وجود سكان داخلها، مشيرةً إلى أنها تستطيع اليوم تحديد موقع منزلها والأرض المحيطة إن عادت هناك.

وذكرت سعاد حجو أن بعض النساء خرجن والرصاص فوق رؤوسهن ونسينَّ أبنائهن بالداخل الذين تربوا على أيدي المستوطنين ونسبوا إليهم، بينما كان لأمها قصة مغايرة في الفقد فعند اللجوء لقطاع غزة تولت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين توزيعهم على الخيام التي لم تصمد أمام برد الشتاء القارص وسيول الأمطار فجرف السيل شقيقيها وتوفيا على الفور غرقاً، لتبقى أمها تعاني ويلات الفراق بأشكاله المختلفة.

من الخيام في العراء إلى المخيم، تقول إن أوضاع النساء أصبحت أكثر قسوة، فالمخيم عبارة عن غرف متلاصقة مع بعضها البعض يغطي سقفها ألواح حديدية لا تقي برد الشتاء أو حرارة الصيف والحمام مشترك، تذهب المرأة لمكان معين تعطى فيه لوح الصابون موقد الكاز لتستحم في أحد الغرف التي تبعد عن منزلها عدة أمتار وتعود أدراجها.

أشارت إلى أن جلب الماء قصة أخرى حيث تستيقظ النساء في الصباح الباكر لتتجمعن في مكان يبعد عن المخيم عشرات الأمتار وتحملن تلك الجرة على رأسهن منتظرات دور قد يستغرق ساعات عدة، لتعدن إلى المنزل بكنزهن الثمين وهو بعض الماء الصالح للاستخدام والشرب.

وأضافت "كان يعز علينا نحن معشر النساء أن نتأقلم مع ظروف الذل التي وضعنا بها، فتارة نبكي على ما فقدناه، وتارة أخرى نتبادل الحديث عن أيامنا الجميلة في قريتنا الصغيرة الآمنة ونحن نعد الطعام على الحطب، وغالباً تكون العدس لسد جوع الأطفال وإنهاء بكائهم المستمر".

ولفتت إلى أنه بالرغم من جميع تلك الصعوبات، إلا أن المرأة الفلسطينية احتفظت بتراثها وسعت على مدار تلك السنوات ألا يُسرق منها، فنشدت الأهازيج وروت الأمثال والقصص الشعبية، وأحيت العرس الفلسطيني في المخيم ودبكت سوياً يداً بيد، كما أنها أعدت المأكولات التراثية التي اشتهرت فلسطين بها.

كان من السهل على النساء في تلك الفترة الاستسلام والبقاء تحت وطأة الذكريات كما تقول سعاد حجو، إلا أنهن حولن المخيم لمكان ينبض بالفرح وشجعن أبنائهن على العلم والتعلم وهي واحدة من تلك الأبناء الذين هاجروا سيراً على الأقدام ومن ثم سكنت المخيم لتصبح فيما بعد منارة للعديد من النساء اللواتي تقدم لهم الدعم والمساندة دون أي مقابل.

لا تنكر سعاد حجو أن الدراسة على ضوء الكاز في ليالي البرد القارصة كانت صعبة، إلا أنها لم تكن تملك خيار سوى المكافحة كما علمتها إياها والدتها التي توفت وهي توصيها بالرجوع للديار، مبينةً أنها قد تمكنت بعد عناء طويل من زيارة بلدتها الجورة قبل عشرات الأعوام فوجدت منزلها المبني من الطينة مدمر تاركاً الأرض تحتضن الأشجار.

ولفتت إلى أن النساء لم تنسين أي شبر سلب من أرضهن، لذلك تحرصن في كل عام على إحياء ذكرى النكبة كيلا ينسى الصغار من خلال عدة فعاليات تراثية تتخللها حكايات ترويها الجدات، متمنيةً أن تشهد الحالة الفلسطينية السياسية تقدم وتعم البلاد الأمان بعيداً عن الانقسام السياسي الذي يعيق جهود الوحدة والتحرر.