رحلة سودابه أسدي من التجربة الشخصية إلى الدفاع عن النساء

تسلط تجربة سودابه أسدي التي نشأت في قرى هورامان بشرق كردستان، الضوء على النساء اللواتي يشكلن العمود الفقري للحياة رغم القوانين الذكورية التي تقيدهن، وأن المساواة والحرية لا تتحقق إلا عبر وعي النساء بقوتهن ونضالهن المشترك.

إسراء عزيزي

هورامان ـ النساء محور الحكاية الحقيقي، لكن أصواتهن غالباً ما تضيع بين كلمات الآخرين، وإذا جرى تغييبهن من السرد، فلن يبقى سوى رواية خاوية من الروح والمعنى.

ما يُسمّى خارج قرية سودابه أسدي "اسم مستعار" بـ "حرية النساء" ليس سوى حرية مُزيّفة، واجهة براقة تخفي وراءها استمرار التمييز البنيوي، خلف هذا المظهر، تقف دائماً امرأة تحمل أثقال الحياة دون أن يكون لها نصيب في القرار.

وتقول سودابه أسدي "النساء جوهر الحياة، لا لأنني امرأة فحسب، بل لأنني تربيت بين أيديهن، غفوت على هدهداتهن وسط دموع الليل وآلامهن المخفية، ورأيت الحسرات في أعينهن تحت الطرحة الحمراء في الأعراس، لمست أيديهن المتشققة وبشرتهن المحروقة بسبب أشعة الشمس، وسمعت أصواتهن في المراعي وعند حلب المواشي، عشت لحظات لا تُنسى وأنا أنام على كتف أمي المنهكة بسبب العمل، كم مرة غفوت واستيقظت وهي ما تزال غارقة في حركة الحياة".

وأضافت "عايشتُ تعاون نساء القرية في التجهيز للأعراس والمآتم، ورأيت كيف يصنعن الحياة ويهيئن الرجال والأبناء للسلام والتعايش، لو لم أكن امرأة، هل كنت سأشهد كل هذا؟ لا أدري، لكنني أعلم أنني أريد أن أكون امرأة، لأن القوة الحقيقية تكمن في النساء، والحياة منسوجة على أجسادهن".

وأفادت أن "النساء هنا يختلفن عمّا يراه الآخرون من بعيد، فأنا عن قرب لمست قوتهن وكرامتهن، ورأيت تضحياتهم المستمرة للحفاظ على الحياة فوق قمم الجبال وفي السهول، أنتم لا ترون سوى صورة جامدة، لقطة من فيلم طويل بلا نهاية، بينما أنا عشت مع أمي ومع النساء الأخريات سنوات طويلة، وشعرت بهن في أعماقي".

وتساءلت "كيف أترك هذا المجتمع بحثاً عن حرية لا ضمان لها في الخارج؟ إن أردتُ حياة أكثر حرية، فلا بد أن أبدأ من هنا، أن أناضل من أجل نساء هذا المكان، إنهن بحاجة إلى التمكين، والعيش بعدالة"، مضيفة "أنا من أبناء هذه القرية؛ نشأت في حضن امرأة كانت من دون أن تدري، نموذجاً للنضال بالنسبة لي، هنا كبرت، ومن خلال ما رأيت وسمعت وجدت إجابات لأسئلة كثيرة كانت تراودني، كنت أتساءل دائماً: لماذا النساء هنا بهذا القدر من الالتزام تجاه بعضهن؟ الحياة الريفية تعني حياة جماعية، وبنية متينة عمودها الأساسي المرأة، هذا ما أقوله لا بدافع العاطفة، بل من صميم تجربتي الحياتية".

وتابعت "تعلمت القراءة والكتابة بقدر ما أتيح لي، لكن لفهم "حياة النساء" لم أكن بحاجة إلى التعليم، كان يكفي أن أنظر إلى أيديهن وهن يخبزن الخبز، إلى شعورهن المضفورة تحت الحجاب، إلى أظافرهن المقصوصة حتى الجذور وأصابعهن المتشققة من كثرة العمل، إلى وجوههن، إلى خطوط العبوس المرسومة من شدة المعاناة، إلى أحذيتهن البلاستيكية البسيطة، إلى جلستهن أثناء إزالة الأعشاب الضارة، إلى أسنانهن التي تتساقط قبل أوانها، إلى ثياب العمل الملطخة بالطين والتي يبدلنها عند الغروب، إلى أحاديثهن في طريق العودة من الحقول، إلى رائحة أجسادهن التي تفوح منها الحياة، إلى ذهابهن ليلاً إلى النبع وحملهن الأواني الثقيلة على أكتافهن، وإلى آلاف التفاصيل الأخرى، بهذه المشاهد كبرت، وبهذه التجارب صرت امرأة".

وأبدت رغبتها في تدوين حياة نساء قريتها "لا يشغلني أمر الزواج، إذ إنني بحاجة إلى الوحدة والسكينة لأحقق أهدافي، غير أن قوانين القرية الذكورية تقف في وجه النساء اللواتي يرفضن الزواج، فكثير من الفتيات اضطررن للهجرة أو أجبرن على الزواج، لكنني لا أرى في ذلك حلاً، لن أغادر هذا المكان إلا حين أتيقن أن حياةً حرة قد توفرت للنساء، أعلم أن الطريق طويل، لكنني ارتديت درعي الحديدي، وأنا مستعدة لكل مواجهة، متوقعةً كل هجوم قد يأتي من الثقافة أو التقاليد أو قوانين المجتمع".

وأكدت أنه في ظل هذا النظام الذكوري، تُهان النساء يومياً، مثل الأمهات المعيلات اللواتي يحملن عبء اقتصاد الأسرة لسنوات طويلة، لكن حين يلجأن إلى المؤسسات الرسمية طلباً لأبسط دعم، يُواجهن بالريبة وعدم الثقة؛ وكأن المجتمع يقيس قيمة المرأة لا بقدرتها، بل بمدى خضوعها.

وأضافت "اليوم لم أعد وحدي كما في الماضي، فأنا أستند إلى دعم نساء أخريات، وإلى قوة استمددتها منهن عبر السنين، وإلى فهمٍ عميق لثغرات القوانين الذكورية، وإلى إجابات لأسئلتي وبحثٍ طويل أجريته من دون أن أدركه، والآن، كالشجرة التي أثمرت، أنا جاهزة لأن أقدّم حصادها"، معبرةً عن إيمانها بضرورة تدوين كل شيء، لأن نساء القرية يجب أن يُعرَفن من خلال صوت امرأة ريفية "مجتمع صغير لكنه قوي، قادر بوعي نسائه بقدراتهن أن يغيّر مسار حياتهن ويبلغ المساواة، فكثيراً ما تغفل النساء عن قوتهن، ويجب تذكيرهن بها، صحيح أن نساء المجتمعات الكبرى يملكن وصولاً أوسع إلى المعلومات، لكن النساء هنا محرومات بسبب نقص الإمكانات وقلة التعليم، ومع ذلك، فإنهن أصحاب المعرفة والحكمة الحقيقية؛ نساء لا يظلمْن رغم قدرتهن، يمنحن الحياة معناها، ويهبن السلام بدلاً من السعي وراء السلطة".