رحلة كفاح وأعوام من العزلة بين القضبان... لم تمنع الفكر الحر من تحقيق الثّورة

رحلة كفاح بدأها القائد عبد الله أوجلان من تركيا، واستمر بها في سجن إيمرالي، ليصبح فكره حديث العالم، ويخلق ثورة نسويّة منظمة ومثالها شمال وشرق سوريا، تعارض المصالح الرّأسمالية كما تبين روزالين بكر

سيلين محمد 
قامشلو ـ .
تشهد مناطق شمال وشرق سوريا العديد من التّطورات في الأعوام الأخيرة من كافة النّواحي، فمع بداية تأسيس الإدارة الذّاتيّة وتشكيل المُنظمات النَّسويَّة، تغير الواقع الاجتماعي في المنطقة، وأصبح هناك نهج وفكر إيديولوجي تسير عليه الشّعوب نحو تحقيق مصالحها وديمقراطيتها.
قالت عضوة مجلس المرأة في حزب الاتحاد الدّيمقراطي روزالين بكر، أن مناطق شمال وشرق سوريا تعيش اليوم بفضل فكر القائد عبد الله أوجلان ثورة نسوية حقيقية.
 
"خرج من سوريا ليحافظ على سلامة شعبها"
أشارت روزالين بكر إلى أنه في عام 1999، قررت الدَّولة التَّركية القيام بحملة استخباراتية واسعة لإلقاء القبض على القائد عبد الله أوجلان "كان للعديد من القوى مصالح مشتركة في الشَّرق الأوسط، والمفكر عبد الله أوجلان عارض تلك المصالح، ومن هنا بدأت القصة، إذ تم الضَّغط عليه للخروج من الأراضي السَّوريّة، وإرسال تنبيه جدي للحكومة السَّورية آنذاك".
وتُكمل "قرار الخروج من سوريا نبع من إيمانه بضرورة الحفاظ على التعايش المشترك ودماء المدنيين، بعد أن هددت تركيا باجتياح سوريا"، وتبين أن "الحكومة التي ترأسها حافظ الأسد آنذاك منحته الخيار بالبقاء أو الرَّحيل وكان رده، أنا شخص واحد لا أقبل بأن يتم إراقة دماء الآلاف من السَّوريين".
ولم تنتهي القضية هنا فبعد محاولة الحصول على اللجوء السَّياسي من إحدى الدّول الأوروبية استمرت ملاحقته، والحديث لـ روزالين بكر "كان من المتوقع ألا ينجح بالحصول على اللجوء، إذ أنهم أرادوا قتله، ولكنه استطاع أن يفرض وجوده ويعكس توقعاتهم، وها هو اليوم تفرض عليه سياسة العزلة المشددة".
بعد تدهور العلاقات السورية والتركية، واتهام أنقرة دمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، انتقل أوجلان من سوريا إلى روسيا وإيطاليا ومنها إلى اليونان، ثم وصل إلى السفارة اليونانية في نيروبي بكينيا، حيث اعتقل وأرسل بطائرة خاصة إلى تركيا في 15 شباط/فبراير 1999، في عملية أثارت سخطاً كردياً حول العالم.
وحول سبب استهداف شخصية القائد عبد الله أوجلان على وجه التّحديد، تقول "قبل عام 1999، كان هناك اجتماعات دولية من أجل إعادة رسم خريطة الشَّرق الأوسط، وما كان يعيق هذا هو وجود فكر وفلسفة الأمة الدَّيمقراطية، ولضرب المشروع الدّيمقراطي الذي ينادي به، سعوا لاغتيال شخصيته بأي طريقة كانت". 
وتصف فترة اعتقاله "كان هناك العديد من الوسائل الإعلامية التي سجلت هذا الحدث في كينيا، يقول القائد عبد الله أوجلان أن إرساله إلى تركيا كان بهدف خلق فتنة تركية ـ كردية، لضرب الدَّاخل التَّركي، إذ كان للحركة موقفها من هذا الاعتقال، وعلى استعداد لاتخاذ جميع الإجراءات لتخليصه".
وتابعت "الخاسر الوحيد في أي حرب وشغب سيندلع في تركيا سيكون المواطنين الأبرياء، لذا عمل على منع ذلك، وصرح بأنه سيخوض حرب من نوع آخر، فتحولت إيمرالي من سجن مُظلم وضيق إلى مكان لكتابة خمس مرافعات أحدثت ثورة، وكان هذا الموقع هو الشَّمس التي سطعت منها أشعة الحرية، لقد عاش في تركيا وبدأ ثورته هناك، وهو اليوم يعيش ظروف صعبة في سجن إيمرالي".
 
سياسته تتعارض مع سياسة الدَّول الأوروبيّة
وترى روزالين بكر أن المرأة اتخذت مكانة مرموقة "تألقت في جميع الجوانب، وما نعيشه في روج آفا من ثورة ونشهده من مكانة وصلت إليها كان خلاصة لفكر هذا القائد الحر".
ومنذ عام 2003، بدأ المجتمع يشهد حالة من السَّلام، فكان تأسيس حزب الشّعوب الدّيمقراطي داخل تركيا بداية جيدة، إذ أخذت النساء والمكونات مكانتها، واستطاع هذا الحزب الوصول للبرلمان التّركي، وخلق نوع من الدَّيمقراطية الحقيقية، على الرغم من أن بعض الأحزاب ارتأت أن وجود هذا الحزب، هو خطر حقيقي يهددهم، كما تقول.
وتبين أن العزلة هدف لقطع الصَّلة بين القائد عبد الله أوجلان والشَّعب "الفلسفة التي نادى بها اجتماعية تناسب الطَّبيعة الشَّرق أوسطية، فهذا المشروع ليس على بلد أو مكان معين".
ولفتت روزالين بكر النَّظر إلى سياسة الدّول الأوروبيّة الهادفة للتقسيم والتّجزئة، والتي تشكل خطراً كبيراً على العديد من الدّول العربية، وهي عكس سياسة ومساعي الأمة الدّيمقراطيّة "نسعى لنظام يحتوي الأديان المُتعددة، وأن يكون لدينا ديمقراطيّة لا مركزية، وعدم إعطاء أهمية للحدود الموجودة والعمل على محوها، ونريد خلاص الشّعب السّوري بمشروع وطني شامل، خالي من فكرة التَّقسيم وضامن لاتحاد المكونات".
وحول المرحلة الجديدة من العزلة، تقول "بدأوا من جديد بالضّغط عليه لوقف مشروعه الذي يتوسع داخل تركيا والعالم، ورأينا أنه منذ عام 2007، منعوا زيارته بالشكل الطَّبيعي".
وتوضح "ما تبين لنا بعد أعوام طويلة أن جميع تنبؤات القائد السَّياسية تتحقق، لقد توقع حدوث كوارث سياسية ووضع لها حلولاً واستراتيجيات، له مقولة (أنا جسدياً في السَّجن ولكن روحياً لست كذلك)".
 
"مواقف متذبذبة وأخبار كاذبة ترتبط بالقائد هدفها جس نبض الشّارع"
(كلما أصبحتم قريبين من الدّيمقراطية أو وصل نضالكم لوتيرة قوية، سيتم تشديد العزلة علي والضغط عليكم كشعب ديمقراطي) مقولة للقائد استشهدت بها روزالين بكر لتصف وضع الشَّعوب في شمال وشرق سوريا، وتُعقب على كلامها "في شمال وشرق سوريا نعاني من إغلاق الحكومة البعثية للمعابر، والدّولة التّركية بدأت بحرب قطع المياه، وهذه المعركة مع الشّعب لا الحكومة، ولا سيما أن سوريا تعيش حالة اقتصادية صعبة".
وتواصل "نعترف أننا نعيش حالة اقتصادية صعبة في هذه الفترة، لذا نسعى لتحقيق اكتفاءنا الذاتي للخلاص من هذه المشكلة، إلا أن ذلك لم يرضي العديد من الأطراف".
وعن تذبذب المواقف تقول "أحياناً هنالك تقبل من قبل بعض الجهات ويتم السماح بلقاءات مع القائد عبد الله أوجلان، وفي الكثير من الأحيان نجد الصَّمت والعجز الدّولي حول هذا الموضوع، ولكننا اعتدنا على ذلك، ففي التاريخ قمع واغتيل العديد من المفكرين بشكل وحشي، لأنهم وقفوا ضد السَّلطات المُستبدة".
بعد 8 سنوات من العزلة المشددة تمكن كل من المحاميان ريزان ساريجا ونوروز أويسال، من مقابلة موكلهما بعد في 2 و22 أيار/مايو، 12 و18 حزيران/يونيو، و7 آب/أغسطس من عام 2019، ومن بعدها رفضت السلطات التركية جميع الطلبات التي يقدمها المحامون للقاء موكلهم المعتقل منذ 22 عاماً.
ولزعزعة الأمن والاستقرار، يتم نشر الإشاعات حول وضع القائد "الّدولة التَّركية تجس نبض الشّارع بإرسال أخبار مفبركة، ليتأكد أن ذكر القائد عبد الله أوجلان بات طي النَّسيان، ولكن خلافاً لهذا فمن يتعرف على فكره يستحيل أن ينساه، فروحه موجودة داخل كل إنسان وأسرة عرفت حقيقة هذه الفلسفة".
وبينت أن جميع المؤسسات في شمال وشرق سوريا تستمد أفكارها وتقتبسها من فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان "ليس هناك أي قانون في العالم يمنع الشَّعب من التّأثر بفكر ما، وبالرغم من جميع الضغوطات، قدمنا شهداء في سبيل ما نؤمن به وما نزال نصر على الاستمرار".
وانتقدت روزالين بكر ما يقوم به النظام السوري "نرفض وصفنا بالميليشيات، ولسنا ككرد وحيدين في المنطقة فهنالك عرب وسريان وشركس وغيرهم، جميعنا اتفقنا على نفس القرار".
ودعت الشَّعب السّوري لأن يكون أكثر وعياً "الشّعب السَّوري أكثر شعب يدعو لحرية القائد عبد الله أوجلان، لأنه بقي 20 عاماً هنا، وله أصدقاء كثر".
وأكدت على أن الدّفاع المشروع حق "حرب الدّولة التّركية علينا خاسرة قبل أن تبدأ، نحن نملك العقيدة والإيمان بالقضية، ولا نقبل بأي حل غير سياسي وسلمي، ولهذا يجب إعطاء الشعوب حقوقها".
 
"آخر الحركات النسوية والأكثر تنظيماً تلك المُقتبسة من فكره"
وقالت بأن عائلة القائد عبد الله أوجلان رفعت العديد من الطلبات للحصول على موافقة زيارته في سجن إيمرالي "توقعنا أن يرفضوا، لأن المرحلة الحالية التي نمر بها ليست طبيعية، لذا منعوا اتصالنا به لكيلا نحصل منه على التّوجيهات، رغم أن كل توجيهاته الأخيرة داعية للسلام".
وكان مكتب المدعي العام في بورصا قد مدد حظر لقاء القائد مع المحامين في 23 أيلول/سبتمبر 2020، لمدة ستة أشهر، بذريعة قيام القائد بإرسال "خارطة الطريق" المعدة للدفاع عن نفسه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2009.
وتقول "شخصية القائد عبد الله أوجلان تختلف عن العديد من الشّخصيات الكلاسيكية فهي ثورية وداعية للديمقراطية ومستقلة وشفافة، وتمتلك الإيمان بأن حل قضية شعوب الشَّرق الأوسط يرتبط بحل القضية الكردية، فكان السَّباق لإصدار المشاريع والأطروحات لتحقيق هذا الغرض".
وتعتبر أن الكرد لعبوا دوراً كبيراً في تأسيس الدّولة التّركية الحديثة "لعبنا دور في تأسيس أي كيان يطلب منا المساعدة، ولكن الحكومات الديكتاتورية لم تعطينا حقوقنا، وهذا غير مقبول بالنسبة لنا".
ومنذ ما يقارب الـ 100 عام ومع بداية القرن الـ 21، ظهرت العديد من الحركات النّسوية المنادية بحقوق المرأة، وعن ذلك تقول "تاريخ المرأة حافل بالشخصيات الثورية النسوية التي لا تقبل بالخنوع للذهنية الذَّكورية، فبعد تحريف وتشويه تاريخها تم تأطير دور المرأة، لذا كان لا بد من العودة لتاريخها لتعرف دورها وحقوقها وواجباتها".  
وأكدت على أن المرأة المنظمة ستستطيع تغيير العالم، لذا كان هناك حاجة ملحة للخروج من التّنظيمات الكلاسيكية وتنظيم نفسها في جميع المجالات بما فيها العسكري "لتحمي المرأة نفسها بنفسها".
ووجهت روزالين بكر رسالة للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، والمرأة، والديمقراطية، بترسيخ الدَّيمقراطية في العالم، وإبداء رأيهم بخصوص العزلة المشددة بحق القائد عبد الله أوجلان، والتّحلي بالحيادية لإعطاء كل ذي حق حقه "نريد زيارة قائدنا بحرية، وهو أدنى حق لنا".
وبالرغم من انتهاء حظر اللقاء في 23 آذار/مارس 2021، إلا أنه ومنذ ذلك الحين لم يتم أي رد على طلب المحامين في لقاء موكلهم.