قطرة ماء تساوي حياة بالنسبة للريفيات في محافظة القيروان

النساء في أرياف محافظة القيروان محرومات من حقهن الطبيعي والدستوري في التمتع بالمياه الصالحة للشرب.

إخلاص الحمروني

تونس ـ بدأت أزمة نقص المياه في تونس عموماً وأرياف محافظة القيروان خصوصاً تتجلى للعيان منذ أعوام طويلة بسبب تراجع مستوى هطول الأمطار، الأمر الذي أدى إلى تقلص المخزونات في السدود الكبرى.

مست أزمة نقص المياه بدرجة كبيرة القاطنات في المناطق الريفية اللواتي تكابدن الويلات والمخاطر وهن في طريقهن للبحث عن المياه التي أصبح الحصول عليها صعب وشاق للغاية.

وفي متابعة لهذا الوضع أكدت عيشة الطايع إحدى قاطنات أرياف محافظة القيروان بأن الحصول على المياه أصبح صعباً جداً إلى درجة العجز عن تغسيل الميت قائلة "لقد احتجنا الماء لتغسيل جارتنا لكننا لم نجده وحتى ثيابها لم نستطع أن نغسلها"، مضيفةً "لا نريد شيئاً غير المياه نريد توفره". 

وأوضحت أن المرأة في الريف مجبرة على التنقل على حمارها كل يوم أكثر من 6 كيلومترات لجلب المياه، وفي الصيف تجبر على قطع هذه المسافة ذهاباً وإياباً أكثر من مرتين يومياً لملأ 80 لتراً من المياه في كل مرة، تستخدمها للشرب والغسيل وري بعض المزروعات أيضاً.

 

 

من جهتها تقول جميلة سعد اللاوي بأن الحي الذي تقطنه غير مرتبط بالشبكة الوطنية لتوزيع المياه لذلك فالطريقة الوحيدة للتزود بالمياه تكمن في التنقل والبحث في المناطق المجاورة.

وبينت أن "المرأة تتكبد مشاق جلب الماء، وهي تركب العربات المجرورة بالحمير (الكريطة)، وتقطع مسافات طويلة لتعبئة المياه من الصهاريج"، مضيفةً "أحياناً يعطف علينا الجيران ممن لديهم آبار ويعطونا الماء لنسقي به شجيرات الزيتون وأحيانا ينزل المطر فيغيثنا".

 

 

وتقول منسقة قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بمحافظة القيروان منيرة المجبري "يعاني أغلب سكان القيروان وخاصة في الأرياف من النقص الحاد في المياه، وخاصة المرأة التي أصبحت بحكم تعدد مسؤولياتها تعاني بشكل يومي من هذه المشكلة، حيث أصبحت مجبرة على العمل نهاراً في الفلاحة، وفي المساء تجد نفسها في ظل غياب الزوج وتنقله للعمل في مناطق مجاورة مجبرة على الخروج والتنقل عبر الطرق الوعرة للبحث عن المياه، الأمر الذي يعرضها للعديد من المخاطر مثل التحرش والاغتصاب و العنف بشتى أشكاله".  

وأوضحت أن العديد من النساء أصبن بأوجاع والآلام في الظهر؛ بسبب حمل المياه إلى درجة أن أحدهن كانت حامل وتعرضت للإجهاض.

وأضافت "تعد النساء في أرياف القيروان محرومات من حقهن الطبيعي والدستوري في التمتع بالمياه الصالحة للشرب خاصة في ظل وجود الجمعيات المائية التي تحولت إلى معضلة هيكلية في منظومة المياه نظراً لكثرة المشاكل والتعقيدات التي تشوب عمليات التوزيع"، مؤكدةً ضرورة إصلاح مجلة المياه التي لم يتم المصادقة عليها إلى اليوم حيث ظلت الحكومات تعتمد على المجلة القديمة التي لم تعد تتلاءم مع متطلبات العصر.

وأشارت منيرة المجبري إلى أن كثرة القوانين لم تستطع حماية النساء الريفيات، مبينةً بأن الفرق شاسع جداً بين ما أقره الدستور من حقوق للنساء وبين الواقع المرير الذي يعشنه يومياً، داعيةً جميع النساء الريفيات للصمود ومواصلة مسار النضال، كما دعت الدولة والسلط المعنية لتطبيق هذه الترسانة من القوانين التي ظلت حبراً على ورق وغير مفعلة.

يذكر أن محافظة القيروان، منذ الثورة أصبحت تعاني من إشكالية انعدام الأمن المائي إذ يعيش قاطنوها وخاصة في الأرياف أزمة عطش راهنة تهدّد وضعهم الصحي والحياتي.

وقد تصدرت لعامين على التوالي 2019 و2020، المرتبة الأولى في عدد الاحتجاجات المطالبة بالمياه الصالحة للشرب، حسب إحصائيات المرصد الاجتماعي التونسي، التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ففي شهر تموز/يوليو 2020، سجلت محافظة القيروان لوحدها 55 احتجاجاً من أجل الحق في الماء فقط من جملة 77 تحرك من أجل الماء في البلاد، أما في 2019، فرصد المرصد 318 تحركاً احتجاجياً للمطالبة بالماء الصالح للشرب منها 117 تحرك.