قرية كوجو... جرح عميق من مجزرة 3 آب 2014
أصبحت المجزرة التي تعرضت لها شنكال مثالاً على مواسم المعاناة وأكثر الآلام حدة. قرية بقرية، جبل تلو جبل، صخرة صخرة أصبحت جميعها شاهدة على هذه الإبادة الجماعية في القرن الذي نعيش فيه. قرية كوجو هي إحدى القرى التي شهدت المعاناة الأكبر في فرمان عام 2014.
أفين زندا
شنكال - كم من الأمهات ارتفع صوت عويلهن في قرية كوجو في غضون 11 يوماً؟ أو كم من الشابات قمن بربط جدائلهن معاً وإنهاء حياتهن حتى لا يقعن في أيدي داعش. هل يا ترى شهد أحد أخر تلك اللحظات غير جدران البيوت وأطعمة العيد المنثورة على الأرض؟
لقد مرت ثماني سنوات على مجزرة الثامن من شهر آب/أغسطس عام 2014 والتي لم تلتئم بعد آلامها وجروحها. لقد أصبح هذا الفرمان الذي تعرضت له شنكال مثالاً على مواسم المعاناة والجروح العميقة. قرية بقرية، جبل تلو جبل، صخرة صخرة أصبحت جميعها شاهدة على هذه الإبادة الجماعية في القرن الذي نعيش فيه. قرية كوجو هي إحدى القرى التي شهدت أعمق معاناة في فرمان 2014. قبل الفرمان، كانت قرية كوجو الواقعة جنوب جبل شنكال، موطناً لـ 1700 شخص من عشيرة المندكا. بالنسبة لهم كانت منزلاً وموطناً ... عندما حدثت المجزرة قُتل 700 شخص من قرية كوجو، ممن كانوا يحملون آمال وأحلام جميلة في قلوبهم. كما تم اختطاف حوالي ألف شخص. يوجد حالياً 5 مقابر جماعية في قرية كوجو ويقدر عدد الجثث في هذه المقابر بحوالي 400 شخص. في 6 شباط/فبراير عام 2021، دفن الإيزيديون جثث 104 من الإيزيديين الذين قُتلوا في الفرمان في كوجو، لكن مصير المئات من أهالي كوجو لا يزال مجهولاً.
تم إنقاذ عدد قليل جداً من سكان كوجو وهاجر معظم الناجين إلى الخارج ويعيش عدد أخر منهم الآن في مخيمات إقليم كردستان وتعيش حوالي 10 عائلات في قرية تل قصب في شنكال. ومن بين تلك العائلات عائلة بيزار برجس التي قُتل 8 أفراد منها على يد داعش في الفرمان.
"كوجو قرية قديمة"
أخذتنا بيزار برجس والتي كانت تجاعيد وجهها تروي ألم مجزرة كوجو بهذه الكلمات إلى التاريخ المؤلم لـ 3 آب/أغسطس عام 2014 "أنا من الحاتمية، لكنني تزوجت في كوجو وأعيش فيها منذ 40 عاماً. تتكون كوجو من أربعة أو خمسة أفخاذ من العشيرة وكلهم أقارب ومعارف. كوجو قرية قديمة. هاجم داعش شنكال في 3 آب عام 2014، لكنه هاجم كوجو في 15 من نفس الشهر. قال العديد من سكان القرية إنه يتعين علينا الفرار كباقي الشعب، لكن البعض قال إن مرتزقة داعش لن تفعل أي شيء لنا. بقي معظم السكان في القرية، لكن غادرت القرية قرابة 20 عائلة، وقد كانت عائلتي من بين هذه العائلات. قال رجال العائلة لن نغادر قريتنا، لكنهم أرسلونا نحن والأطفال إلى سولاخ".
"صرخات الأطفال تصل إلى السماء"
بعد أن توجهت بيزار برجس إلى سولاخ، اختلفت قصة كوجو التي ترويها عن القصة التي يرويها السكان، لذلك فإن قلة من الناس يعرفون حقيقة ما حدث في كوجو. "ذهبنا إلى منزل أحد الأصدقاء في قرية سولاخ، بعدنا أتت بعض العائلات الأخرى. كانوا يتصلون بنا عبر الهواتف ويقولون لن يفعلوا أي شيء لنا. وبعد ساعات قليلة ومع حلول المساء، جاءت سياراتهم وحاصرونا. كان الرجال في الخارج والنساء والأطفال في المنزل. جاءوا والتقطوا صورنا وأخبرونا ببعض الأشياء، لكنني لم أفهم ما قالوه. كان ابن شقيق زوجي البالغ من العمر 18 عاماً مختبأ وراء ظهري بسبب الخوف لكنهم أخذوه بالقوة. كان الجو حاراً جداً، وكان صراخ الأطفال يصل إلى السماء. وضعوا جميع الرجال في السيارات وأخذوهم. ثم أحضروا سيارة أخرى ووضعونا جميعاً على متنها مثل الأغنام. أخذونا جميعاً إلى مقربة من محلات سولاخ وفي الساعة الرابعة مساءً أحضروا سياراتهم وصعدنا فيها وأخذونا إلى تلعفر".
"أخذوا 20 شابة"
عندما كانت بيزار برجس تتحدث عن تلك اللحظات، كان واضحاً من حالتها وكأنها كانت في تلك السيارة مرة أخرى، وبين صرخات الناس مذهولة وخائفة، لذلك ودون أن نقاطعها استمعنا جميعاً إلى كلماتها بصمت. تحدثت عن جرحها في تلعفر بعد اعتقالها "كنا في السيارة عند الساعة العاشرة. ثم أخذونا إلى مدرسة مليئة بالناس من شنكال، وسولاخ وتل البنات وتل قصب وحردان. بقينا جميعاً في تلك المدرسة في ذلك اليوم وسألنا بعضنا البعض كيف تم القبض علينا. في اليوم الثالث جاء مرتزقة داعش وكتبوا أسماء الشابات وأخذوا نحو 20 شابة. صاحت أمهاتهن وصرخن بأعلى صوتهن وقلن لا تأخذوا بناتنا. فقال مرتزقة داعش إن هذا المكان لا يتسع لكن جميعاً، لذا سنأخذ بناتكن إلى مكان أجمل. قالت إحدى الشابات اللواتي اصطحبوهن عندما وصلن إلى هناك، لدي طفل صغير ويجب أن أعود. عندما عادت إلينا، سألناها عما فعلوه بالشابات، وإلى أين أخذوهن. فقالت لنا "أخذونا إلى منازل الشيعة على الجانب الآخر من تلعفر وأخذوا البعض إلى الموصل".
"قمنا بتربية المواشي ونحن في حالة بائسة ومزرية حتى الخريف"
"بقينا في تلك المدرسة من 10 إلى 15 يوماً ثم نُقلنا جميعاً إلى سجن بادوش. كان سجناً لا يمكن للحيوانات العيش بداخله. محاطين بالأوساخ والقاذورات، ثم أحضروا حافلتين وأخذونا. في الطريق، قال السائق الداعشي "سنذهب إلى حلب" بعد وقت قصير جداً، جاءته مكالمة هاتفية فأعادنا إلى مدرسة تلعفر. مكثنا هناك لمدة 10 أيام أخرى. بعد ذلك تم إحضار أسرى بادوش بعد أن قصفتهم الطائرات. بعد سبعة أيام، أحضروا بعض الأشخاص من شنكال وأخبروهم أن يأتوا ويأخذوا أفراد عائلاتهم الموجودة بيننا وأنهم سيعيدونهم إلى منازلهم. جاء شقيق زوجي وأخذنا إلى قرية بالقرب من تلعفر، والتي كانت تسمى كسر المحرة وكزالقيل. وضعونا هناك وقالوا لنا "سوف ترعون أغنامنا". كل تلك الأغنام كانت ملكاً للإيزيديين. قمنا بتربية الأغنام ونحن في حالة بائسة ومزرية حتى الخريف. ثم ذهبنا إلى مكان آخر، لقد قمنا بتربية مواشيهم هنا لمدة 6 أشهر".
"سلمنا داعش إلى بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني PDK "
عندما تحدثت بيزار برجس عن قصتها، ظهر التعاون بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وداعش "في فصل الربيع كتبوا أسمائنا جميعاً، والتقطوا صورنا وقالوا لنا إننا سنرسل الغير متزوجين والذين ليس لديهم أطفال إلى إقليم كردستان. ثم أحضروا الحافلات وأخذونا إلى هناك. وقفنا أمام مقر أمن كركوك. ثم أحضر حزب PDK أيضاً الحافلات الخاصة بهم ونزلنا من حافلات داعش لنركب في حافلات البيشمركة. كنا 212 شخصاً، معظمهم من الرجال والنساء. وكان بعضهم معاق وعدد قليل منهم أطفال. لا نعرف قصص البيشمركة وداعش، لكن من الواضح أنهم شركاء ولذلك جلبونا بسهولة".
"فرضوا عليهم الإسلام"
باستثناء عدد قليل من الجرحى، لم ينج أحد من كوجو والناجين يعيشون الآن في الخارج. ولا يعرف أحد ما حدث في كوجو خلال الـ 12 يوماً بكل تفاصيلها سوى المعلومات التي قدمها الناس لبعضهم البعض عبر الهواتف. أخبرتنا بيزار برجس عن تلك المعلومات "نحن لم نكن موجودين في كوجو، لكن وفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها يقال إن أهالي وسكان كوجو لم يرغبوا في مغادرة قريتهم. ثم تم خداعهم وقيل لهم لن يفعل أحد لكم شيئاً. ثم أمهل داعش السكان أسبوعاً وطلب منهم أن يصبحوا مسلمين، لكن الناس لم يقبلوا بذلك. لذا جاؤوا وحاصروا القرية من كل الجهات وأخذوا الجميع إلى مدرسة كوجو. خلال 11 يوماً حدثت لهم أشياء كثيرة، بحسب الأقوال، أجبروهم على الصلاة ومارسوا عليهم ضغطاً شديداً. في البداية أخذوا منهم كل أموالهم ومجوهراتهم ومن ثم أخذوا هواتفهم. تم فصل الرجال والنساء عن بعضهم منذ البداية وقيل إنه كان يُسمع صوت طلقات الرصاص بي الحين والآخر. وبهذه الطريقة قتلوا جميع الرجال والشبان".
"تم خداع كوجو"
تحدثت بيزار برجس عن سبب بقاء سكان قرية كوجو "هرب سكان جميع القرى من حولنا، لكن أهالي كوجو لم يهربوا لأنهم اعتقدوا أنه لن يلحق بهم الأذى. الأمر الآخر هو أن كوجو كانت بعيدة عن الجبل، ولم يكن باستطاعة سوى بعض الشباب الهروب أثناء الليل. ولكن بسبب وجود المرتزقة في كل مكان واعتقال جميع عائلاتهم، لم يهرب أحد وبقوا في قبضة داعش. في الرابع عشر من الشهر، قُتل جميع الرجال والشيوخ، وتم تسليم الأطفال إلى أهالي تلعفر لرعايتهم، ونُقلت الشابات جميعاً إلى سوريا وتم بيعهن أو قتلن. حتى الآن يقول الناس أن هناك بئراً بالقرب من تلعفر وأن البئر مليئة بجثث الإيزيديين والمسلمين. لكن حتى الآن لم يجدوا طريقة لإخراجهم".
قتلوا 8 أشخاص من عائلتي"
عند الحديث عن الوضع الحالي لكوجو، قالت بيزار برجس باكية "لقد دمروا كوجو ولم ينجوا أي شخص من 50 عائلة. لا أحد يستطيع العيش فيها بعد الآن، لقد نجا من عائلتي ولداي فقط. قُتل زوجي ميرزا سليمان وإخوته يوسف سليمان وسعود سليمان ونواف سليمان وأبناء شقيق زوجي شامل ميرزا محسن ميرزا حموت وسيبان".
"لا نثق بحماية القوات العراقية"
قالت بيزار برجس عن الوضع الحالي "الآن الجنود العراقيون متواجدون هناك، لم يبقى في كوجو سوى المقابر الجماعية والبيوت المهدمة، ماذا سيفعلون؟ لقد تعرضنا لمذبحة ولكننا الآن أيضاً غير مرتاحين وغير آمنين. قتلوا كوجو كلها. قبل المذبحة، كانت هناك قوات عراقية وقوات بيشمركة لكنهم لم يفعلوا شيئاً. بعد كل أولئك الشهداء الذين قدمناهم، إذا قتلونا الآن هنا، فهذا ليس مهماً بالنسبة لنا. لكن حتى لو قتلونا فلن نغادر".
وانتقدت بيزار برجس للإيزيديين الذين يسافرون إلى الخارج "كثيرون يسافرون إلى الخارج الآن، وهذا ليس حلاً لأننا إذا ابتعدنا عن أرضنا، فسوف تُنسى الفرمانات والمذابح. نحن نعيش الآن حوالي 10 عوائل في تل قصب. كنا في مخيمات من قبل، لكننا لم نتمكن من العيش هناك أيضاً. بسبب عدم وجود عمل ونفسيتنا المحطمة، كانت تلك الخيام تخنقنا أكثر. يتم استهداف معتقداتنا وثقافتنا، يجب علينا الوفاء لأرضنا ويجب أن يفكر جميع الإيزيديين على هذا النحو".
"علينا الوفاء لدماء شهدائنا"
رغم كل المعاناة وجهت الأم بيزار التي كان لديها مثل هذه القصة المليئة بالأحزان في الفرمان الكلمات التالية للإيزيديين "نريد أن يتحد مجتمعنا لنعمل من أجل أنفسنا. أريد أن يحمي الإيزيديون أنفسهم. ليس لدينا أي شيء حتى الآن، يجب أن نحصل على حقوقنا أيضاً، يجب على مجتمعنا أن يعمل لنفسه. الآن العديد من أبناء شعبنا يعيش في المخيمات وفي الخارج، وهذا خطأ كبير. يجب أن يأتوا إلى شنكال للوفاء لدماء شهدائهم وإنجازاتهم وبناء وحدتهم".