نزوح بلا وجهة... السودانيون في رحلة الخطر والمجهول

أجبر النزاع في دارفور وجنوب كردفان آلاف الأسر على النزوح في رحلات شاقة، تاركين منازلهم المدمرة، ليواجهوا البرد والجوع والمرض في مخيمات ومدارس تفتقر لأبسط مقومات الحياة والنجاة.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ بأجساد أنهكها التعذيب والجوع والمشي المتواصل لأيام عدة ومئات الكيلو مترات، يتنقل المدنيون الفارون من جحيم النزاع ونيرانه التي مازالت تستعر في الولايات الغربية للسودان، من منطقة لأخرى بحثاً عن  الأمن والأمان والغذاء والمأوى.

رحلات تمتد لأيام وأسابيع، مجهولة الوجهات، غير مرتب لها، يخرجون في عتمة الليالي يتوشحون الملابس السوداء حتى لا يصبحون هدفاً مرئياً. هذا هو الحال في ولايات دارفور غربي السودان، فما أن تدخل قوات الدعم السريع منطقة حتى يهم سكانها بالفرار إلى أي من بقاع الأرض للنجاة بأنفسهم.

في مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، توافدت أعداد كبيرة من النازحين القادمين من الفاشر والدلنج بمناطق دارفور وجنوب كردفان التي أنهكها النزاع. وقد لجأ هؤلاء إلى مدارس المدينة، محولينها إلى مأوى مؤقت يقيهم قسوة البرد وظروف الشتاء القاسية.


         


        

تجولت وكالتنا هناك داخل هذه المدارس للتعرف على أوضاع النازحين المأساوية. أطفال حفاة، عراة، ذو أجساد نحيلة منهكة، يرتجفون من البرد يعانون من التهابات الصدر وإنفلونزا البرد، واصلون لتوهم إلى مدينة الأبيض مع ذويهم، وآخرون دون ذويهم، منهم من قُتلوا أو أخذت أمهاتهم بهدف الاسترقاق الجنسي.

في وسط المدرسة المخصصة للإيواء، التقت وكالتنا بـ أرض الله صالح عبد الرسول النازحة من مدينة الفاشر في رحلة استغرقت عدة أيام مشياً على الأقدام لتصل مدينة الأبيض، وبسبب كثرة النازحين وضيق المدارس لم تنل حظها في الحصول على جزء من الفصول الدراسية لتتخذه مكاناً لها، وقامت بربط عدد من الأقمشة لتصنع منها مكاناً يسترها هي وأطفالها.

وأوضحت أرض الله صالح عبد الرسول أنها اضطرت مع أبنائها إلى مغادرة منزلهم في مدينة الفاشر عقب الاشتباكات العنيفة وسيطرة قوات الدعم السريع على المدينة، مشيرةً إلى أن منزلهم تعرض لعدد من المقذوفات، ورغم نجاتهم منها، إلا أنها أدت إلى تدميره بالكامل، مبينة أنهم خرجوا من الفاشر في ظروف قاسية، يعانون من شدة الجوع والعطش.


         


        

وقالت إن الانتهاكات التي تعرضت لها هي ومن معها كانت قاسية، إذ واجهوا التعذيب والإهانة والضرب على أيدي قوات الدعم السريع المنتشرة على طول الطريق "هذه القوات صادرت كل ما كانوا يحملونه، حتى ملابسهم انتُزعت منهم، ولم يتركوا لهم شيئاً، بل استولوا أيضاً على القليل من الماء الذي كان بحوزتهم".

أرض الله صالح عبد الرسول كانت حاملاً في شهرها الأولى ولكنها تعرضت للإجهاض بسبب الضرب والتعذيب والجوع والمشي المتواصل، الأمر الذي تسبب لها في كثير من المشاكل بالرحم.

 

جثث على طول الطريق واغتصابات للنساء

تحكي أرض الله صالح عبد الرسول بحسرة وألم عن رحلتهم المرهقة هذه وما شاهدوه من فظائع على طول الطريق "نتخطى الجثث التي كانت تملأ الطرقات بعد أن قامت قوات الدعم السريع بقتلهم وتركهم في الشوارع".

وبينت أنهم وجدو "جثثاً لنساء ورجال وأطفال، وكانت هناك عدد من حالات الاغتصاب أمام أعيننا وقامت هذه القوات باغتصاب إحدى رفيقاتنا وخطفها وقتل شقيقها وترك جثته على الطريق"، كل هذا حدث أمام أطفالها  الصغار الذين انفصلوا عنها بعد خطفها وأخذها لمكان مجهول.

تحدثت أرض الله صالح عبد الرسول عن حياتهم داخل المدرسة بمدينة الأبيض، موضحة أنه يتم تقديم وجبة يومية لهم، لكنها تفتقر إلى الكثير من الاحتياجات الأساسية، مؤكدة أنها ما زالت تعاني من آلام تحتاج إلى علاج ورعاية صحية عاجلة.

أرض الله صالح عبد الرسول واحدة من آلاف النازحين الذين فروا من غرب السودان إلى الولايات المختلفة بحثاً عن الأمن والحياة والنجاة، فرحلات الفرار من جحيم النزاع ومآسيه ما زالت متواصلة بشكل يومي.


         


        

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن هناك تزايد كبير في الاحتياجات الإنسانية في السودان مع استمرار فرار آلاف العائلات من الاشتباكات العنيفة في جميع أنحاء مناطق دارفور وجنوب كردفان.

ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة نزح أكثر من ألف شخص من عاصمة الولاية كادوقلي وبلدتي الدلنج والكويك غربي السودان، إلى ولاية النيل الأبيض.

وبحسب تقارير أصدرتها السلطات المحلية تفيد بوصول حوالي 1600 شخص، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض يعانون من الإرهاق بعد رحلات استمرت لأكثر من أسبوع، غالباً عبر جنوب السودان، وبدت عليهم علامات واضحة للصدمة، ويفتقدون للمأوى الأساسي والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والغذاء والمساعدة في مجال الحماية.

ووفقاً لشركاء الأمم المتحدة فإن أكثر من ثلاثة آلاف شخص عبروا من منطقة كردفان إلى "إيدا" في جنوب السودان في الأيام الأخيرة، فيما وصل حوالي 2500 شخص إلى منطقة الفاو في ولاية القضارف شرقي السودان من منطقتي كردفان ودارفور، متوقعين حدوث المزيد من النزوح.


         


        

استمرار تزايد النزوح في الولاية الشمالية وواقع مأساوي للنازحين

يضم مخيم "العفاض" بالولاية الشمالية شمالي السودان، أكثر من 15 ألف شخص قادمين من دارفور، ورغم المساعدات الإنسانية التي تصل إلى المخيم من المنظمات الدولية والمحلية، إلا أن النازحون يعانون من نقص الأمن الغذائي بشكل كبير، وتنتشر الأوبئة والأمراض خاصة نزلات البرد والحميات بشكل كبير فالمنطقة تشتهر ببردها القارس وانتشار الأمراض فيها.

ويفتقر المخيم كذلك للمراحيض ودورات المياه وتراكم الأوساخ الأمر الذي فاقم من معاناة النازحين وساهم في انتشار الاوبئة وفي المقابل شح العقاقير الطبية.

 

النزوح إلى شمال كردفان وتخوف من اشتعال النزاع

لجأ العديد من النازحين من ولايات دارفور وجنوب كردفان إلى ولاية شمال كردفان خاصة مدينتي الأبيض والرهد، وتشهد الولاية نفسها مناورات ومعارك بين الحين والآخر. ويعتري النازحون قلق وتخوف كبيرين من عودة الاشتباكات واشتعالها في ولاية شمال كردفان أيضاً.

وبحسب بيان المنظمة الدولية للهجرة (IOM) فإن فرقها الميدانية قدّرت نزوح مئات الأشخاص من مدينة كادوقلي نتيجة تفاقم انعدام الأمن، موضحة أن النازحين توزعوا على مواقع مختلفة بمحليتي الرهد وشيكان بولاية شمال كردفان، مؤكدة أن الوضع لا يزال متوتراً ومتقلباً للغاية.

ووفقاً لغرفة طوارئ ابو جبيهة  فإن معظم هذه الأسر وصلوا في بادئ الأمر إلى مخيم إيدا بجنوب السودان، ثم عادوا عبر مدينة الليري إلى أبو جبيهة.

وأوضحت بأن النازحين مكثوا بضعة أيام قبل أن يغادر نحو 90% منهم إلى ولاية النيل الأبيض بدعم من المنظمات والأجسام التطوعية، فيما بقيت 57 أسرة (267 فرداً) أغلبهم لا يملكون وجهات بديلة، ما استدعى مناشدة المنظمات لتوفير مراكز إيواء ومخيمات.