نسويات: العولمة والفقر يدفعان النساء إلى الهجرة والتعرض للمخاطر

يوصف ملف المهاجرات بالمأساوي خاصة مع استمرار النظرة الدونية وما يصاحبها من ممارسات التهميش والعنف والاستغلال.

زهور المشرقي

تونس ـ ناقش المؤتمر العالمي الثالث للنساء القاعديات الذي أحتضنه تونس على مدى ستة أيام، واقع المهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء ومختلف دول العالم، ووصفت المشاركات الوضع بالمأساوي وشددن على أهمية السرعة في معالجته.

أوضحت الناشطة البوركينية المهتمة بملف المهاجرات، نتالي باكيولو، أن واقع المهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء في أوروبا مأساوي ويبعث على القلق، مشيرة إلى أن كل الحركات النسوية العالمية التي تعمل من أجل النهوض بواقع المهاجرات لم تستطيع تغيير ذلك الواقع لارتباطه بسياسات الدول، حيث لا يزال العالم يتحدث عن هجرة الرجال ما يفسّر السياسة التمييزية والعنصرية تجاههن.

وأضافت "نادراً ما يتم التركيز على المهاجرات وواقعهن وكأن ملفهن ثانوي، برغم أن كل الأرقام تؤكد أن نسب النساء المهاجرات في السنوات الأخيرة بات مخيفاً ومفزعاً من حيث وضعهن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي الصعب"، لافتة إلى أن النساء تتعرضن لصعوبات كبيرة عند المغادرة انطلاقاً من بلدهن وصولاً إلى البلد المستقبل وعادة ما تلاقين اضطهاداً ورفضاً وإقصاءً أقوى من ذلك الذي عشنه في بلدهن الأم.

وعن أبرز الأسباب التي تدفع بالنساء من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الهجرة غير النظامية، قالت "إن الأسباب كثيرة وأبرزها تتعلق بوضعهن الاجتماعي الصعب حيث يعشن غالباً فقراً مدقعاً وخاصة عجزهن عن توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة، في واقع استشراء البطالة والاستغلال، وحتى حين يجدن فرصة عمل يتقاضين أجوراً زهيدة مقارنة بالرجال برغم أن المجهود مضاعف، فضلاً عن دوافع سياسية وتفشي العنف القبلي وآفة الإرهاب في العديد من المناطق والتي تدفع النساء إلى الهرب في سبيل توفير مستقبل آمن وأفضل لهن ولعائلاتهن".

ودعت ناتالي باكيولو إلى تسهيل دخول الإفريقيات إلى بلدان اللجوء ومعاملتهن معاملة إنسانية وتوفير الدعم لهن مادياً ونفسياً، إذ غالباً ما تظل آثار البطش والحرمان تؤثر في نفوسهن.

وأوضحت أن النساء يفكرن كثيراً قبل اتخاذ قرار المغادرة وبالتالي لا بد من مراعاة قرارهن الذي عادة ما يكون مبنياً على حجج دامغة، داعية إلى دعمهن وتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والسياسية لهن ومراعاة ظروفهن الصعبة.

واختتمت حديثها بالقول "الإفريقيات مجبرات على ترك بلدانهن لأنهن فقدن الأمل هناك ويغادرن بحثاً عن حياة أفضل، بعيداً عن التمييز والاقصاء والعنف".

 

 

من جانبها قالت الناشطة الفرنسية المهتمة بملف المهاجرات قابي فريس، إنها تقطن في باريس التي تكتظ بالمهاجرين/ات، وتعلم جيداً معنى أن تكون امرأة مهاجرة في بلد أوروبي، مشددة على أنها تدعم وتتضامن بقوة مع المهاجرات اللواتي تعشن ظروفاً صعبة تبدأ من طرق إيوائهن اللاإنسانية وتمرّ عبر تلك السياسة المليئة باللامبالاة. 

وعبّرت عن تضامنها اللامشروط مع المهاجرات، مشيرة إلى أنهن لم تتركن بلدانهن عبثاً أو اعتباطاً بل ودّعن حياة مليئة بالهموم والمتاعب، مؤكدة أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية الصعبة وراء قرارهن بالمغادرة ولو بالمغامرة عبر عبور الصحراء القاسية أو ركوب البحر بمخاطره الكبيرة وأهواله.

وقالت "الفقر المدقع والتغيرات المناخية أثّرت بالفعل على واقع النساء، فالجوع والحروب وانتشار الإرهاب في إفريقيا عوامل أساسية في دفع النساء إلى الهروب والهجرة بطرق غير نظامية".

وعن الحلول لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية أوضحت أن الاستقلالية الاقتصادية لبلدانهن وتحسن الأوضاع المعيشية وسيادة القانون من العوامل الجوهرية للاستقرار وتمثل أبرز الحلول لكنها في الوقت الراهن بعيدة المنال، معبرة عن أسفها لاستثناء الحديث عن هجرة النساء في الملتقيات الخاصة وكأن الظاهرة غير موجودة.

ودعت إلى إيلاء الأهمية القصوى لملف هجرة النساء غير النظامية التزاماً بالقوانين الإنسانية وحقوق البشر جميعاً رجلاً ونساء في حياة حرة كريمة بعيداً عن كل عوامل الإكراه.

وبدورها قالت الناشطة النسوية كاثرين لوفراستيي، أن العولمة وتداعياتها على البلدان الصغيرة دفعت المهاجرات من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الهرب من الواقع المأساوي، لافتة إلى أنهن مجبرات على الهجرة بأي طريقة من الطرق وهن لسن مخيرات نتيجة الوضع الاقتصادي المرعب الذي يتركهن في مواجهة مع الجوع والموت.

وأكدت أنّ الحلم بواقع أفضل في أوروبا يدفعهن إلى المغامرة بحياتهن بغية أمل الوصول، فضلاً عن الهروب من الحروب والانقلابات السياسية التي عادة ما تخلف الفوضى والصراعات والعنف والاغتصاب وانتشار السلاح ما يهددهن كفئة عادة ما يكون الضرر المسلط عليها مضاعفاً.

وأضافت "بعضهن يهاجرن أيضاً من أجل إنقاذ عائلاتهن من صعوبة العيش والحرمان، فلا يجدن سوى ذلك الطريق المتاح لاعتبار أن كل المحاولات عادة ما تكون قد استوفيت في بلدانهن، فيقتحمن مخاطر الموت في البحر المتوسط دون الالتفات وراءهن، هن حقاً نساء مكافحات علينا احترامهن وتبجيلهن والعمل معهن لتحسين ظروفهن والارتقاء بوضعهن وعدم تركهن وحيدات مقصيات مهمشات، وهجرتهن وقرارهن الصعب لن يجعلهن محل نظرة دونية من أي أحد".

ودعت كاثرين لوفراستيي إلى دعم النساء الإفريقيات في بلدانهن وخارجهاً، وتفهم مطالبهن التي عادة ما تتعلق بعمل يحفظ كرامتهن لا أكثر.

وقالت "اليوم نتحدث عن العولمة التي دفعت إلى الهجرة وأيضاً نتحدث عن عولمة العقول، إذ لا بد من أن يفهم الأفارقة أن أوروبا ليست ذلك الحلم المثالي الذي يمكن أن نخاطر بحياتنا من أجله، الناس هناك يعيشون مصاعب أكبر".

 

 

ومن جهتها أوضحت الناشطة ناتالي أونور أنه يجب البحث أولاً عن أسباب هجرة النساء غير النظامية خاصة وأن الإحصائيات قد كشفت أن النسب باتت مرتفعة، مقارنة بالرجال، وقد تبين أن الأسباب الاقتصادية أول دوافعها، فضلاً عن غياب التعليم وغياب المساواة والعدالة وهي أوضاع زادتها سوءً الحروب المنتشرة في إفريقيا وسوريا وأوكرانيا.

وأكدت أن وقع الحروب يكون دائماً أشد وطأة على النساء ما يدفعهن إلى الهجرة بحثاً عن أمل يتمسكن به.

ولفتت إلى أن الدول الإفريقية تتمتع بثروات هائلة تمكن شعوبها من العيش بسلام لكن سوء الاستفادة من تلك الثروات وعدم الاستقرار السياسي أزم الأوضاع وانعكس سلباً على الحياة الاجتماعية بكل تفاصيلها.