نساء يروين قصصهن عن الطلاق وتحديهن لنظرة المجتمع دون خوف

روت عدة نساء تونسيات قصصهن عن الطلاق وكيف تحدين نظرة المجتمع دون خوف، لإنهاء مأساتهن

زهور المشرقي 
تونس ـ ، وللحد من توغل الذهنية الذكورية وتغيير العقلية السائدة، فالتونسيات بتن أكثر ثقافة ووعياً بحقوقهن، فهن نساء فاعلات في المجتمع ومعتمدات على ذواتهن.  
نتساءل دائماً، هل حياتنا من دون شريك أسعد أم أتعس؟ وهل نحن كنساء بحاجة لرجل "يحمينا ويقدّم لنا مشاعره النبيلة"، ويهمس لنا دون خوف من شعور فتور المشاعر بعد سنوات قليلة وأحياناً أشهر من الزواج، وفجأة يخالجنا شعور تحوّل الارتباط إلى عداء ينتهي بالطلاق، ذلك الأمر مرتبط بواقعنا الاقتصادي والاجتماعي والنفسي؟ 
تبين أخر الإحصائيات الصادرة عن الهياكل الرسمية التونسية سواء العدلية أو في تقارير منظمة الأسرة، إن نسب الطلاق في تونس ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وفي أخر بيان لوزارة العدل هذا العام تشير الأرقام إلى أن المحاكم التونسية تُسجل يومياً أكثر من 46 حالة طلاق، و13 ألف قضية طلاق سنوياً، في ظل  ارتفاع ملحوظ بالمقارنة مع إحصاءات عام 2017. 
الطلاق في نظر بعض النسوة التونسيات لم يكن بالأمر الصعب بل كان الحلّ الأنسب للتخلص من بقايا علاقة مؤذية نفسياً واجتماعياً، ذلك ما لمسناه عندما التقت وكالتنا مع ثلاث نساء عانين من النظرة الدونية للمرأة المطلقة في مجتمع ذكوري متسلّط في وقت شعرن فيه بأنهن تحررن من زواج كان قاسياً.
تقول "سامية . ن" والتي رفضت ذكر اسمها كاملاً، إنها سارعت في طلب الطلاق برغم قصة الحب التي جمعتها مع طليقها خمس سنوات قبل الزواج، وذلك بسبب تعرّضها للخيانات المستمرّة. أبت الطلاق في بداية الأمر خوفاً من نظرة المجتمع الدونية إليها، وحرصاً على مستقبل أطفالها وكيف يمكنهم العيش في وضع من التشتت بدون أب.
وتبين "كان يعنّفني أمام أطفالي، جسدياً ولفظياً دون رحمة، فضلاً عن اعترافه لي بخياناته دون اكتراث لمشاعري، ولكل تلك الأيام التي قضيناها سوياً. أعلم أن عيش أطفالي مع والدهم ضروري لكنه للأسف هو "أب" غير مسؤول". 
وتضيف بعد تنهيدة وصمت مريب وفي عينيها لمعة ألم السنين "ذات مرّة كانت لدينا مناسبة وكنت بصدد ارتداء فستاني فطلبت منه مساعدتي في إقفال السحاب فصرخ ابني الأصغر باكياً ظناً منه أنه يقوم بضربي، تلك الحادثة لن أنساها ما حييت وقد أثّرت فيّ ودفعتني إلى اتخاذ هذا القرار برغم مرارته بالنسبة لأبنائي". 
"بعد انفصالي أدركت ما معنى أن أكون حرّة متحرّرة قوية صامدة ، لا شيء يؤذيني، فكان يوم 12 أبريل 2019  يوم التخلّص والخلاص".
وتشير "برغم أنني أعمل كمدرّسة وأعيش في بلد تعتبر فيه المرأة متمتّعة بحقوق كثيرة ومتقدمة على نظيراتها في المناطق العربية منذ صدور مجلّة الأحوال الشخصية، لكن أجزم بأن النظرة إلى المرأة المطلّقة متساوية في كل المنطقة، هي نظرة احتقار ودونية وكأنها ارتكبت جرما لا يُغتفر".
أمام مقر المكتب المحلي للشؤون الاجتماعية بمنطقة باردو بالعاصمة تونس، جلست "درة . خ" تنتظر المسؤول وهي تحتضن طفلها الذي لم يتجاوز السنتين، تجاذبتُ معها أطراف الحديث عن الروتين الإداري وظروف العمل إلا أنها سرعان ما بثّت شكواها قائلةً "لا يدفع الإنسان إلى المرّ إلا الشيء الذي هو أمّر منه"، مشيرةً إلى وضعها الاجتماعي الصعب بعد أن طلبت الطلاق منذ سنة كحلّ وهروبا من زوج سكّير مدمن على شرب الخمور.
وتتابع "لم أكن أعلم أن الطلاق سيكون مصيري بعد 3 سنوات من الزواج، لم أكن أتخيّل هذا الموقف، وإلى الآن لازلت تحت وقع الصدمة، لأني لم أكن أتصور أن ذلك الحب سيجد طريقه إلى التلاشي أو يفضي إلى الانفصال الأبدي برغم كل الرياح العاتية والأمطار والعواصف التي قد تمسّه، حقيقة الطلاق مُؤذٍ للنفسية، ومؤذٍ اجتماعياً في مجتمع ذكوري ينظر إلى المطلقة باحتقار".
وتضيف "سكّير ومعنِّف ولا يفقه معنى الحوار لحّل مشاكلنا الصغيرة، هذا إضافة إلى أنني أشقى يومياً 8 ساعات في مصنع النسيج وفي أخر الشهر يفتكّ مني راتبي للصرف على ملذاته، صبرت وصمدت لعله يعود إلى رشده، ولكن مع تماديه، أدركت أن البقاء معه ظلم في حق نفسي وابني وكرامتي.. تمّرّدت ضد كل الضغوطات وضد أهلي الذين وقفوا صفاً واحداً معه وعارضوني".
أما أحلام الكوكي (26) عاماً، فقد استهلّت حديثها بالمثل الشعبي المعروف في تونس "في الصيف في الصالة وفي الشتاء في قصر العدالة'' وهو مثل بات متكرراً لدى أطياف واسعة في المجتمع ويعبّر عن ارتفاع وتيرة الطلاق وسرعتها في عدد حالات الزواج الحاصلة خلال السنوات الأخيرة خصوصاً.
وتقول أن أكبر خطأ هو أن تتزوج المرأة من رجل تفوقه في تكوينها الدراسي، مشيرةً إلى أن الفرق وصعوبة التعامل يظهران بعد الزواج مباشرة، حيث تكتشف أنه لا مجال للتفاهم مع بعضهما البعض ولا مجال لجهد التفسير الذي يقرأه الشريك قراءة "استنقاص واستحقار واستصغار".
تقول بأنها حاملة لشهادة ماجستير في الحقوق، تعرّفت على طليقها في حفل زفاف قريبتها وعاشت معه حالة حبّ أعمتها عن رؤية عيوبه في البداية إلا أنها بعد الزواج ومع مرور الأيام اكتشفت هول المستنقع ولم تستطيع التكيّف مع عقلية غاية في التخلف والاستهتار. 
وتؤكد أن الطلاق بالنسبة لها شكّل الحلّ الأمثل لتفادي أي صدمات أقوى ومشاكل قد تؤول إلى استعمال العنف اللفظي والمادي. وتنهي حديثها بالقول "أبغض الحلال لكنه يقيني شر المعاناة".
سامية ودرّة وأحلام وغيرهن من آلاف النساء التونسيات اللواتي اخترن أبغض الحلال كحلّ وهرباً من واقع معيشي صعب ومؤلم، فأكثر نسب الطلاق في تونس كانت أسبابها العنف والخيانة الزوجية والعجز الجنسي والتفاوت العلمي.  
وتؤكد تقارير عديدة أن ظاهرة الطلاق ستظّل مرتفعة وهي من أبرز المهددات لترابط الأسر التونسية خاصة مع التكتم عن سببها الرئيسي، لا سيما عن الاضطرابات الجنسية لدى أحد الزوجين أو كليهما إذ ما يزيد على 48 في المئة من قضايا الطلاق سببها المشاكل الجنسية، بحسب مرصد الأسرة غير الحكومي، إضافة إلى أن 30 في المئة تعود لأسباب مادية، و20 في المئة سببها العنف الزوجي بمختلف أشكاله، استناداً إلى بيانات إحصائية من قبل المنظمة عن طريق إجراء عينة تمثيلية تتكون من 2345 شخصاً. 
وتقول الباحثة في علم الاجتماع صبرين عجرودي، لوكالتنا "طرح العديد من المراقبين والباحثين في المجتمع التونسي الكثير من التساؤلات حول أسباب الارتفاع الكبير في نسب الطلاق في السنوات الأخيرة خصوصاً من قبل النساء، وهو أمر محيّر يتطلّب الدراسة نظراً لخطورة هذه الظاهرة على المجتمع وتسببها في التفكك الأسري، ويجزم الكثير من الباحثين على سلبية تداعياتها على المرأة والطفل بصفة خاصة حيث تدفع إلى تفكك العائلة كونها مؤسسة من المؤسسات الهامة المكونة للمجتمع. وعند الحديث عن الأسباب التي تساهم في ارتفاع ظاهرة الطلاق سنجد أن ارتفاع نسبة التعلم لدى المرأة وسعيها إلى إثبات مكانتها داخل المجتمع ناهيك عن تحقيق استقلالها المادي وتخليها شبه الكامل عن اعتمادها على الرجل وانشغالها بعملها ودراستها، هذه الأسباب هي التي ساهمت بشكل كبير في تونس في جعل المرأة أكثر ثقافة ووعياً بخطورة المجتمع الذكوري ما دفعها إلى السعي للحد من تغوله وتغيير العقلية السائدة في المجتمع". 
وتؤكد بأن المرأة التونسية أصبحت عمليّة وتحب أن تكون فاعلة في المجتمع، لذلك فهي ليست بحاجة لأحد لكي ينفق عليها، وبالتالي لن تجد نفسها مضطرة للصمت عن حقوقها والعيش مع زوج لا يحترمها. 
وتتابع صبرين عجرودي "المجتمع التونسي اليوم لم يعد شبيهاً بذلك المجتمع القديم حيث كانت المرأة تحت رحمة سلطة الزوج وخاضعة للعادات والتقاليد "الظلامية" التي تحرمها حتى من أبسط حقوقها في التعبير عن رأيها، لذلك فإن الطلاق ليس دائماً دليلاً قاطعاً على اختلال المجتمع، فالعائلة التي لا يحترم فيها الأب الأم ويمارس عليها العنف المادي أو اللفظي أو الرمزي لن تكوّن أجيالا متوازنة ومتعلمة ومعتدلة، بل سنجد الكثير من الأطفال الذين يمارسون العنف في الشارع والمدرسة، بالتالي سيكون الطلاق هو الحل الأفضل لضمان عيش الطفل في بيئة سليمة وليس كما يزعم الكثير من الباحثين".
وتضيف بأن "المرأة التونسية على وعي تام بحقوقها وواجباتها داخل محيط العائلة، فإن لم تتمتع بحقوقها ولم تتوصل إلى حل مع زوجها، ليس هنالك ما يفرض عليها أن تعيش في بيئة عائلية مريضة".
وللإشارة لا يكون الطلاق في تونس إلا بقرار قضائي، فمجرّد تلفّظ الزوج بلفظ الطلاق لا أثر له، كما هو الحال في بعض الدول العربية، ويؤدي وجوب المرور بالمحكمة إلى لزوم توكيل محامٍ واحترام الإجراءات القضائية. 
 
لا يفرّق القانون التونسي بين الزوج والزوجة في الطلاق
بدوره يرى المختص في علم النفس الاجتماعي محمد الماكني، أن النساء قديماً كنّ يتأثرن بالطلاق ويضعن في الاعتبار النظرة الدونية للمجتمع بعد طلاقهنّ، لكن نساء اليوم مختلفات تماماً حيث يطلبن الطلاق باعتباره في نظرهن الحل الأمثل لإنهاء علاقة فاشلة، وينفقن من مالهن لتوكيل محامٍ، وفي بعض الأحيان يتنازلن عن النفقة فقط للتخلّص من بقايا تلك العلاقة.
وأضاف "أستقبل في عيادتي بعض النسوة بعد إنهاء علاقتهن ويحدثوني عن قدرتهن على  التخلص النهائي من أي حالة اكتئاب، وهذا ناتج عن وعي التونسية اليوم وتقدمها فكرياً بعد أن كانت في السنوات السابقة تخاف كلمة  "امرأة مطلقة"، ونحن هنا لا نبرر الطلاق، بالعكس، الأجمل أن تكون هناك عائلة مترابطة متماسكة قوية متعاونة، لكن حين يحضر العنف وعدم التفاهم يفضل أن تنتهي العلاقة بطريقة متحضّرة".