نساء تونس في أكتوبر الوردي: الكشف المبكر عن المرض أولى خطوات الشفاء

تعيش التونسيات منذ بداية الشهر على وقع الاحتفال بشهر أكتوبر الوردي من خلال تنظيم لقاءات وتظاهرات مختلفة للتوعية بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ تحت شعار "قد ما تفيق بيه بكري قد ما يكون شفاك أسهل" تحتفل تونس بشهر أكتوبر الوردي للتأكيد على الدور الهام للفحص الذاتي المنظم وللفحص السريري السنوي من قبل الطبيب أو القابلة للمساهمة في التشخيص المبكر للمرض والحد من خطورته.

 

تزايد الإصابات

بحسب السجل الوطني للسرطان، تبلغ نسبة الإصابة بسرطان الثدي لدى المرأة في تونس حوالي 58.4 حالة لكل 100 ألف امرأة وهو ما يمثل أول سرطان عند المرأة بنسبة 30% عام 2020، و38% عام 2021 من مجموع السرطانات التي تصيبها حيث تم تسجيل 3500 حالة جديدة في عام 2020، و3684 حالة في عام 2021 أي بزيادة 184 حالة في حين تم تسجيل 980 حالة وفاة بسرطان الثدي عام 2021.

والجدير بالذكر أنه في حال لم يتم تعزيز الوقاية وترصد المرض في مراحله الأولى فإن التوقعات تشير إلى إمكانية تسجيل ارتفاع في المؤشرات عام 2030 إلى 5900 حالة جديدة أي بنسبة 90 حالة لكل 100 ألف امرأة.

 

شهادة لمصابة بسرطان الثدي

وقالت إحدى المصابات بسرطان الثدي صفية جعفرية لوكالتنا "بعد أن قمت بصورة أشعة وأخبرتني الأخصائية بأنني يجب أن اتجه إلى مستشفى صالح عزيز بالعاصمة سقطت أرضاً من الصدمة لأنني أعلم أن تلك المستشفى يعالج فيها مرضى السرطان، ومن يصاب بهذا المرض يموت حتماً، وبكيت حينها كثيراً وارتعش جسمي من الخوف وتسببت حالتي تلك في لجوئي إلى طبيب أعصاب".

وأضافت "لازلت ارتاد عيادة الطبيب إلى يومنا هذا رغم أنني أصبحت أكثر ارتياحاً واطمئناناً بفضل مساعدة الجمعية التونسية لمرضى السرطان التي وفرت لي مكاناً للمبيت عندهم وأمنت لي العلاج بالمستشفى نظراً لأنني أقطن بمحافظة الكاف التي تبعد مسافة كبيرة عن المستشفى وظروفي المادية لا تسمح لي بالإقامة بالمستشفى للعلاج يومياً".

وأوضحت أنها تقيم مجاناً منذ أكثر من عامين بالمبيت الأخضر للجمعية القريب من المستشفى ولا تحتاج لوسيلة نقل، وفي نهاية الأسبوع تعود إلى ابنتها وابنها الصغار بمعنويات عالية، لافتةً إلى أن "رئيسة الجمعية تدعونا إلى أن نحاول طيلة الأسبوع أن نرتاح نفسياً وجسدياً وأن نقوم ببعض الأنشطة الترفيهية التي تساعدنا على أن نكون في حال أفضل عندما نعود إلى منازلنا وعائلاتنا".

 

 

الكشف المبكر

ومن جانبها قالت رئيسة جمعية "مرضى السرطان" روضة زروق إن المرأة المصابة بسرطان الثدي تواجه صعوبات عديدة أولاً تصبح عاطلة عن العمل وخاصةً النساء اللواتي تعملن في مهن هشة وظروفهن المادية صعبة جداً، كما تزداد معاناتهن مع العلاج لأنهن تعالجن بالمستشفيات العمومية حيث تطول مدة المواعيد لتصل إلى عامين والمرض لا ينتظر فضلاً عن النقص الفادح في الأدوية.

وأضافت أنها تتعرض لمعاناة أخرى بسبب الزوج الذي يرفض تقبل مرضها ويطلقها ويتركها تواجه قسوة المرض وضيق الحال وتربية الأبناء، مشيرةً إلى أن المرأة المصابة ليس لديها القدرة على العمل لأن اليد التي توجد بجانب الثدي الذي توجد فيه الكتلة تصاب بالانتفاخ عند القيام بأي مجهود.

وأشارت إلى أن المرأة عندما يمرض زوجها تهتم به إلى أن يتعافى بينما قلة قليلة من الرجال الذين يتفهمون الأمر ويقومون بواجبهم تجاهها، وأغلب الرجال يزيدون من معاناتها ويصعبون عليها المرض وإمكانية العلاج ومثل هذه الحالات تتزايد خاصةً لدى الطبقة الضعيفة والمستوى الفكري المحدود حيث المرأة ركيزة أساسية للمنزل والعائلة وبمرضها ينهار كل شيء.

وفيما يتعلق بالشريحة الأكثر إقبالاً على الجمعية تقول "أكبر شريحة تلجأ للجمعية هي التي تنتمي للطبقة البسيطة والفقيرة، ولكن الشريحة الميسورة تطلب المساعدة فقط في حال نقص الأدوية أو فقدان بعض أنواعها".

وأوضحت أن الجمعية تتعامل مع الصندوق الوطني للتأمين لتوفير الدواء لكن الحكومة تسير بخطوات بطيئة جداً مع المرض وأبسط الأدوية غير موجودة، بينما المفروض أن توفر الدواء على الأقل لمن لديهم بطاقة علاج مجانية أو تعريفة منخفضة، منوهةً بأن الجمعية تساعد لكن ليس الجميع.

ولفتت روضة زروق إلى أن سرطان الثدي كلما تم اكتشافه مبكراً كلما كانت إمكانية الشفاء أسرع فضلاً عن تجنب استئصاله، ولكن تراجع مستوى اكتشافه في تونس من حجم 5 سم إلى 3 سم، ولكن هذا غير كاف لإنقاذ المرأة، داعية النساء إلى الكشف المبكر وعدم الهروب خوفاً من إمكانية اكتشاف المرض، بل على العكس الكشف المبكر يوفر لها الطمأنينة لعامين متتاليتين.

 

 

"مرضي كان سبباً في إنشاء الجمعية"

وأوضحت روضة زروق أنها قبل أن تكون رئيسة لجمعية "مرضى السرطان" كانت إحدى ضحايا هذا المرض حيث أصيبت به عام 2000، ومنذ ذلك العام قاومته بقوة إرادتها حتى انتصرت عليه، وعن فترة مرضها تقول "عندما أعلمني الطبيب بالأمر شعرت وكأن ضربتني صاعقة، وقررت حينها أن أخبر زوجي".

وأضافت "انطلقت في رحلة العلاج بين صور الأشعة وأخذ الأدوية والاستئصال والعلاج الكيمياوي، وعندما علم أفراد العائلة لم أتحمل حزنهم علي ولا بكاءهم لأجلي، ولم أتقبل رؤية الشفقة في عين أي شخص، فقررت أن أكون قوية أمام مراحل العلاج دون أن أظهر ضعفي لأي أحد، بل على العكس طلبت أن أتلقى العلاج الكيماوي في منزلي عوضاً عن المستشفى ليكون الموعد الذي تجتمع فيه العائلة حولي لنضحك ونأكل ونشرب حتى تحولت ساعات العلاج إلى مناسبة فرح".

وأكدت على أنها عاشت بطريقة طبيعية جداً مع عائلتها ولم تكن في أحد الأيام منطوية على ذاتها وتشكو الألم بل على العكس تجلس معهم وتتقاسم معهم النقاشات والضحك وتتبادل الزيارات مع بعض المرضى وتبحث لهم عن حلول، وأصبحت ناشطة بالجمعية التونسية لمكافحة سرطان الثدي لغاية 2011، حيث أسست جمعية "مرضى السرطان" وبدأت بعناية بالمصابين بجميع أنواع هذا المرض.

وذكرت أن الكثيرين يعيشون وسط دوامة الوهم بأن السرطان مرض معد وبأنهم سيموتون قريباً، وبالتالي يدخلون في دائرة الياس والإحباط، ونصحت جميع النساء التحلي بالشجاعة المطلوبة في مواجهة المرض والكشف المبكر بفحص الثدي والتصوير عن طريق الماموغراف مرة كل عامين.

وعن دور الجمعية في مكافحة المرض تقول "لدينا آلاف المطالب ونساعد بقدر المستطاع ونتولى إيواء الأطفال والنساء المصابين الذين ليس لديهم إمكانيات مادية، وتمكين النساء من مهنة لإيجاد مورد رزق لهن ونساعدهن على بعث مشروع صغير خاصةً في ظل تخلي بعض الأزواج عن زوجاتهم وأبنائهم بسبب مرضهم".

وأشارت إلى أن الجمعية تحرص على توفير الأدوية لبعض المرضى من جميع الشرائح عبر اتفاقيات مشتركة مع ممثلي مهنهم، وكذلك معالجة بعض الأفارقة والفلسطينيين بالإضافة إلى التوعية بأهمية الكشف المبكر لاسيما في مثل هذه المناسبة السنوية "أكتوبر الوردي".

وأضافت "نساعد المرضى في الحصول على العلاج وإجراء الفحوصات والقيام بالأشعة والحصول على الأدوية عن طريق صندوق التأمين على المرض، وبنينا منازل ونتولى دفع مستحقات الآجار عن طريق تنظيم العديد من اللقاءات التوعوية"، لافتةً إلى أن تزايد عدد الإصابات سنوياً يستدعي تكثيف جهود جميع الهياكل المعنية من حكومة والمجتمع المدني والمنظمات.