نساء شاهدات على أحداث مجزرة كوباني: نجونا منها بأعجوبة

استيقظ أهالي مقاطعة كوباني صبيحة يوم الخامس والعشرين من حزيران/يونيو عام 2015على أصوات أزيز الرصاص والقتل والرعب، عاش الجميع آلاماً لا توصف وحتى هذا اليوم لم يستطيعوا نسيان ما حدث.

نورشان عبدي

كوباني ـ روت النساء الشاهدات على المجزرة المروعة التي ارتكبها مرتزقة داعش بحق الأهالي في مدينة كوباني وقرية برخ بوطان، بشمال وشرق سوريا أحداثاً يندى لها جبين الإنسانية.

تمر الذكرى السنوية السابعة على مجزرة كوباني وقرية برخ بوطان التي ارتكبها مرتزقة داعش في الـ 25 من حزيران/يونيو 2015.

 

كيف حدثت المجزرة؟

مرت 7 أعوام على مجزرة كوباني وقرية برخ بوطان التي ارتكبتها مرتزقة داعش بحق الأهالي مستخدمين جميع الأساليب الوحشية والأسلحة المتطورة والثقيلة والتي راح ضحيتها 242 مدنياً، ومازالت هناك الكثير من الآلام والقصص والذكريات المؤلمة التي بقيت عالقة في أذهان النساء اللواتي كن شاهدات ناجيات من المجزرة.

بثمانية مجموعات ضمت حوالي 100 مرتزق من داعش قادمين من بلدة صرين التي كانت تحت سيطرتهم، تم مهاجمة مقاطعة كوباني، وبدأ هجوم المرتزقة على قرية برخ بوطان التي تقع جنوب مدينة كوباني وتبعد عنها قرابة 27 كم، وأقدموا على قتل 23 مدنياً من النساء والأطفال والشيوخ كانوا نائمين في فراشهم، وبعدها توجه المرتزقة الى مدينة كوباني متنكرين بالزي العسكري لوحدات حماية الشعب.

ومن الجهة الأخرى من شمال مدينة كوباني على الحدود التركية تنكر المرتزقة أيضاً بزي مقاتلي وحدات حماية الشعب ودخلوا المدينة وارتكبوا فيها مجزرة أخرى والتي كانت ضحيتها 64 امرأة ثلاث منهن حوامل، إضافةً لـ 35 طفلاً.

واستخدم المرتزقة كافة الأسلحة المتطورة والثقيلة والقنابل اليدوية وعملوا على تفجير السيارات المفخخة، وإطلاق النار وبشكل عشوائي على كل من يصادفهم، فانتشرت جثث الضحايا في شوارع المدينة وقرية برخ بوطان.

 

مازالت الذكريات المؤلمة عالقة في مخيلتها

دجلة حسن 23 عاماً إحدى النساء الشاهدات على المجزرة، قالت عنها "بعد أن تناولنا السحور وكان 25 حزيران أحد أيام رمضان ارتفعت أصوات الأسلحة فظننا أن صرين تحررت وأن هذه أصوات الاحتفالات". مبينةً أنهم عرفوا أن العناصر القادمة ليسوا إلا مرتزقة داعش "عندما تعالت أصوات تكبيراتهم عرفنا أننا أمام خطر كبير".

وترى أن الهجوم كان انتقاماً للانتصار الذي تحقق في تحرير كوباني في بداية عام 2016 "منزلنا يقع بالقرب من ساحة الحرية التي كان يتخذها داعش مركزاً رئيسياً له عندما كان يسيطر على كوباني، ومعظم أهالي الحي انخرطوا مع ابنائهم في معركة تحرير كوباني".

وأضافت "أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء... لقد هاجموا المنازل بوحشية بالأسلحة والسكاكين يذبحون ويقتلون"، فقدت دجلة حسن والدها في الهجوم وتقول عن ذلك "في ذلك الوقت كنت أنا وأبي في المنزل، وسارعت والدتي للذهاب إلى منزل أخي لتطمأن عليه، وحينها رمى المرتزقة قنبلة يدوية على منزلنا وكان والدي يقيم صلاة الفجر، سقطت القنبلة بجانبه وقال لي ابتعدي فهذه قنبلة يدوية وستنفجر".

حدث بالفعل ما حذر منه والدها وانفجرت القنبلة "سقط والدي أمامي ملطخاً بدمائه... كنت خائفة جداً وبعدها بدأوا باقتحام المنازل فاختبأت بإحدى الغرف تحت الفراش، وعندما دخلوا المنزل سمعت أصوات الرصاص كانوا قد أطلقوه على والدي، وبعد خروجهم ركضت إليه وكان قد فقد حياته".

وتابعت "أمسكت هاتفي واتصلت بوالدتي، أخبرتها بما حدث لكنها لم تستطع القدوم فقد وضعوا قناصاً في الحي ليحاصروا الأهالي... بقيت مع جثة والدي وأصوات التكبيرات ملأت الحي، وحتى اليوم عندما أغمض عيني أسمعها".

بقيت دجلة حسن يوماً كاملاً محبوسةً مع جثة والدها "أصابني الإحباط لكن الرعب الذي عشته دفعني لهدم الجدار، فمن الجهة الأخرى كانت قوات سوريا الديمقراطية تعمل على تحرير العالقين في المنازل وهكذا تحررنا من المرتزقة بعد ثلاثة أيام".

تصف دجلة حسن يوم 25 حزيران/يونيو بـ "اليوم الأسود يوم المأساة والموت"، مضيفةً "كان يوماً مؤلماً لكنه منحنا القوة أيضاً للدفاع عن أرضنا".

هذه ليست أول مجزرة تتعرض لها عائلة دجلة حسن "تعود أصولنا لقرية مشو الواقعة في شمال كردستان ومنذ مئة عام قامت الدولة العثمانية بارتكاب مجزرة بحق الأهالي في تلك القرية وراح ضحيتها جد والدي ولم يبقى منهم سوى أربعة أشخاص من بينهم أبي الذي قتله داعش بدعم من الاحتلال التركي".

 

 

"خدعتني ملابسهم العسكرية"

زركة بوزان 70 عاماً كانت تصلي عندما تعالت أصوات الرصاص، لكنها ظنت أن صرين تحررت كما الكثيرين من أهالي كوباني "سألت ابني عن أصوات الرصاص فقال لي بأن صرين تحررت"، مضيفةً "لدينا الكثير من المقاتلين يقاتلون لتحرير صرين، وكنا سعداء بعودتهم سالمين، لذلك طلبت من ابني بأن يأخذني لكي نلقي عليهم التحية، فركبنا السيارة وذهبنا باتجاه ساحة المرأة".

"بدت المدينة مخيفة وكأنها مدينة أشباح عندما وصلنا"، تقول زركة بوزان وتضيف "بدأت مجموعات مسلحة ترتدي اللباس العسكري الخاص بوحدات حماية الشعب بإطلاق الرصاص باتجاهنا، لكننا استطعنا الهروب وبعدها علمنا بأنهم مرتزقة داعش، وعدنا إلى منزلنا في حي بوطان شرقي المدينة".

وأضافت "في ذلك الوقت كان زوجي خارج المنزل فهو يعمل في محل لبيع الخضروات ويذهب كل يوم في الصباح الباكر، كانت لحظات مؤلمة عندما سعمت بأن داعش دخل كوباني من جديد ولم استطع الجلوس في المنزل أخرجت بعضاً من مياه الشرب وجلست أمام منزلي فمرت سيارة عسكرية الجميع فيها يرتدي الزي العسكري لقوات وحدات حماية الشعب، فوقفت لاستقبالهم وقدمت لهم المياه وصدمت عندما وجهوا أسلحتهم علي قلت ما بكم أنا والدة شهيد وأتمنى لكم الانتصار على داعش قال لي أحدهم نحن هم داعش الذي تتحدثي عنه"، مشيرةً إلى أن بعضهم كانوا يتقنون اللغة الكردية "توقف حينها قلبي عن الخفقان وحتى هذا اليوم لم أصدق كيف نجوت منهم بأعجوبة، فقد قال السائق 'هيا علينا الذهاب فوراً اتركوها إنها عجوز' صعدوا سيارتهم وذهبوا"، عندما غادرو أسرعت زركة بوزان لأخذ أبنائها والمغادرة إلى القرى.

وتابعت "انقطعت جهات المدنية عن بعضها لم يستطيع أحد المدنيين الوصول إلى بعضهم وبدأ الجميع بترك المنازل شعرت حينها بأننا سننزح من جديد وسنترك منزلنا ومدينتنا كما فعلنا قبل ذلك عندما سيطر داعش على كوباني... ذهبت المئات من العائلات إلى القرى وتنقلنا كثيراً طوال يوم على أقدامنا، وبدأ الأطفال بالبكاء من الجوع والعطش، وتحدثنا مع الأشخاص الذين بقوا في المدينة فقالوا لنا أن قواتنا العسكرية بدأت بالسيطرة على الوضع لكن زوجي كان قد فقد حياته بطلق ناري لذلك قررنا العودة إلى المدنية لكي نبحث عن جثمانه وبعد أن وجدناه تم نقله إلى المستشفى وبعد تطهير المدينة تم تشييعه مع بقية الشهداء".

لم تنسى زركة بوزان تلك الحادث رغم مرور السنوات فقد فقدت أحد أفراد أسرتها وأصيبت بعدة أمراض جراء الصدمة "بعد تلك الحادثة أصبت بوعكة صحية قلبية الأطباء قالوا بأن هذه ىثار الصدمة والخوف وحتى هذا اليوم أعاني من مشكلة في اللسان والقلب، كانت أيام موجعة كل عائلة من كوباني فقدت عزيزاً".

 

 

رحلة البحث عن زوجها

خانم علي 30 عاماً عايشت تلك الفترة المؤلمة من تاريخ كوباني، تقول إن داعش أراد الانتقام من انتصار وحدات حماية الشعب ـ المرأة وطرده من المدينة "عندما سيطر داعش على مدينة كوباني في عام 2014 تركنا منازلنا هرباً من ممارساته وانتهاكاته خاصةً بحقنا نحن النساء". موضحةً أنه "كان الأهالي فرحين بالعودة إلى أرضهم بعد تحريرها، إلا أن مرتزقة داعش أرادت الانتقام وارتكبت مجزرتها بحقنا".

وأضافت "كان زوجي عضو في قوات الأمن الداخلي، وصبيحة يوم 25 حزيران ومع ارتفاع صوت الرصاص رن هاتفه وطلب منه المتصل من رقم هاتف صديقه بالعمل القدوم إلى المركز، كان المرتزقة قد قتلوا جميع الموجودين في المركز وطلبوا من الذين في منازلهم القدوم لكي يصفونهم، قال له المتصل 'هجمت المرتزقة علينا أسرع لإنقاذنا' وعلى هذا الأساس ذهب زوجي لمساعدة أصدقائه".

خرج جميع الأهالي من منازلهم إلى الطريق وكان الجميع خائفين لا يعرفون إلى أين يتوجهوا "بعد ذهاب زوجي تحدثت مع أحد الأقرباء وقال بأن هذه الأصوات ناتجة عن هجوم لمرتزقة داعش على المدينة ووردتنا معلومات بأن زوجي مصطفى أصيب بطلقة قناص فتوجهت نحو مركز الأسايش الذي يعمل فيه، كانت الشوارع مليئة بالجثث والمصابين قالوا لي ألا أكمل المسير، كانت مشاهد مؤلمة لذلك عدت إلى المنزل فالمرتزقة لم يكونوا قد وصلوا إلى حي بوطان شرقي".

وأضافت خانم علي "كنت واقفة على الطريق ومرت سيارة بجانبنا وسألت عن مكان المقبرة، ودلني أحد الأشخاص عليها وبعد قليل سمعنا صوت انفجار كبير لم نكن نعلم بأنه كان انتحاري ويريد تفجير المدينة، بعد تلك الأحداث قررنا الخروج من المنزل إلى خارج المدينة كانت لحظات لا توصف، وبقينا لمدة أربعة أيام في إحدى القرى ننتظر معلومات عن زوجي، لم يكن لدينا مكاناً نلجأ إليه".

جاءت معلومات تفيد بأن مصطفى أصيب لكن إصابته بسيطة "بعد أربعة أيام ذهبنا إلى مركز البلدية في كوباني ورأيت عنصرين من المرتزقة يتواصلون بالإشارة مع الجيش التركي على الحدود، فقد كانت تركيا هي من خططت للمجزرة، ولكن أهالي كوباني استطاعوا قتلهم قبل عبورهم الحدود".

وتابعت خانم علي "كنت أبحث عن زوجي سمعنا بأنه قد استشهد ذهبت إلى المستشفى التي كانت تستقبل الجرحى والشهداء رأيت العشرات من الجرحى، والضحايا الذي قتلوا بمختلف الأساليب، فهنالك من فقدوا أيديهم أو أرجلهم، كما أن منهم إصابته بليغة، وذبحوا امرأة حامل، عندما رأيتها قلت في نفسي بأن هؤلاء الدواعش ليسوا بشر".

وأضافت "كلما يأتي شهيد كنت أركض إليه باحثة عن زوجي ولم أره لأن جثته بقيت على الأرض لعدة أيام، ولم نستطع الوصول إليها إلا عندما تم تحرير المدينة".

واختتمت حديثها بالقول "بذريعة الإسلام قتلوا وذبحوا الأطفال والنساء والمسنين هذا ليس إسلام هذه وحشية، على الدول التي تتحكم بالوضع في سوريا إخراج المرتزقة عليهم محاكمة عناصر داعش... أخرجوا إرهابييكم من أرضنا".

الأطفال والنساء هم أكثر الفئات التي تتعرض للمجازر في ظل الصرعات التي تشهدها المنطقة، فنتيجة للمجزرة التي ارتكبت في كوباني هنالك العشرات من الأطفال ما زالوا يعانون من مشاكل نفسية وبعض الأهالي أيضاً يعانون من عدة أمراض نتيجة لتلك الصدمة.