نساء لبنان تدفعن ضريبة الحرب في غزة
لم تلقِ الحرب الدائرة في قطاع غزة بين اسرائيل وحركة حماس بظلالها على أهالي فلسطين فقط، فحتى النساء في لبنان التي تشهد أزمات عدة، تضررن من الحرب وتركن على إثرها منازلهن خوفاً على أرواحهن لتواجهن مصاعب عدة.
مارينا عندس
لبنان ـ عادةً ما تتعرض المرأة في الشرق الأوسط لاسيّما في لبنان، لانتهاكات حقوقية ووجودية مرتبطة بمفاهيم حرية المرأة وحقوق الإنسان بالمطلق، فما بالكم في وقت الحرب، فهي المتضرر الأول.
ليس بخفي على أحد أن المدنيين وخاصة النساء وأطفالهن تعدن أول ضحايا النزاعات والصراعات المسلحة، ورغم ذلك يبقى موضوع المرأة مغيّب بشكلٍ ملحوظٍ أثناء الحروب.
تروي أندريا إبراهيم وهي في العقد الثاني من عمرها، من منطقة عين إبل، قصّتها الأليمة ومغادرتها منزلها برفقة والدتها، بعد تضرّر عدّة منازل بجوارها جرّاء القصف الإسرائيلي المتقطع منذ الأشهر الماضية، وتقول "عندما قُصفت المنازل المجاورة، وارتفعت أصوات الضرب الاسرائيلي، ارتجفت أمّي خوفاً كأنّها طفلة، وحضنتني في تلك اللحظة من شدّة حزنها".
وأضافت "عشتُ حالة من الضغط النفسي الكبير كامرأة تعيش مع والدتها لوحدهما، رغم إيماني الكبير بأنّنا سنعود إلى منزلنا يوماً ما، لكنّنا اليوم مجبرتان على الرّحيل وترك كلّ ذكرياتنا وحياتنا هناك، لأنّ أمّي تعرّضت في السّابق لرصاصةً في قدمها بسبب الحرب، وهي لا تزال حتّى السّاعة تخاف من الصّوت المرتفع، وغالباً ما تغلق أذنيها إن لم أكن بجوارها في المنزل مرتديةً الخوذة خوفاً من أي رصاصةً أخرى قد تصيبها".
بعد عشرة أيام من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة وهجمات متقطعة على الشريط الحدودي مع لبنان، غادرت أندريا إبراهيم ووالدتها منزلهما إثر القذائف التي كانت تستهدف منطقتهم، وعن رحلة نزوحهم المليئة بالمعاناة والمآسي من ويلات الحرب ومخلفاتها تقول "كانت حالة من الهلع والحزن والاكتئاب تسيطر علينا أولاً لأنّني كنت أقود السيارة فيما لا يزال القصف مستمراً، وثانياً لأنّ والدتي تخاف من الأصوات المرتفعة ومن واجبي أن أحميها، بالإضافة إلى أننا لسنا على يقين أنّنا سنرى منزلاً مناسباً لكلانا".
بعد رحلة شاقة كما وصفتها، دامت نحو 3 ساعات، وصلتا إلى وجهتهما، وبمرور أيام عدة عادتا إلى منطقتهما عين إبل من جديد وذلك بعدما تم الاتفاق على هدنة بين طرفي الحرب في غزة "للأسف في اللحظة الأولى من وصولنا فيها إلى منزلنا، عاد القصف مجدداً وهنا كان علينا اتخاذ القرار الأصعب، ألا وهي الهجرة مرة أخرى ولكن مع جميع أفراد العائلة".
تخلف الحرب حتى وإن انتهت، نتائج كارثية جمة في نفوس كل من عاش تلك اللحظات وشهد عليها، فأندريا إبراهيم لا تزال تواجه صعوبة في التأقلم مع المكان الذي نزحت إليه "من أصعب ما يمكنني نطقهُ هو القول إنّني نزحت من بلدتي ومنزلي وغرفتي وانتمائي، أنا أحن إلى أرضي وذكرياتي ومنزلنا وقطتي الصغيرة، فأنا انتمي إلى لبنان وتحديداَ منطقتي عين إبل حيث كنا نعيش بأمان".
وأوضحت أنه "بعد معاناة انتقلنا للعيش في قرية ذوق مكايل في قضاء كسروان، إن البحث عن منزل جديد ومناسب ليس بالأمر السهل بتاتاً، خاصةً خلال التفاوض مع مالكي المنازل، حيث أجبرنا على دفع إيجار ستة أشهر مسبقاً، وقد واجهتني صعوبة في تأمين المبلغ المطلوب".
وكغيرها من أهالي لبنان تضررت أندريا إبراهيم من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها لبنان "إن والدتي معلّمة، ولكن في ظل ارتفاع الأسعار والوضع المعيشي الصعب فإن ما تحصل من دخل لا يساعدنا على توفير كافة احتياجاتنا، إننا نقاسي ظروفاً قاسية فلا حقوق اقتصادية للمرأة في البلاد، وما يفاقم معاناتنا نظرة المجتمع الدونية، فبحكم أننا امرأتان تركتا منزلهما وتعيشان لوحدهما فكرة غير مرحب بها في المجتمع الشرق الأوسطي الذي لا يرحم النساء".
من جانبها تأسفت رئيسة تجمّع المرأة اللبنانية إلهام مبارك على الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأهالي، مشيرةً إلى أن لبنان كانت ولا تزال ساحةً للحروب، بدءً من الحرب الأهلية والمشاكل الداخلية والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تزال مستمرة منذ سنوات.
وحول واقع المرأة اللبنانية وما تعانيه في ظلّ هذه الأزمات تقول "إنّ النساء تعانين على مختلف المستويات والأصعدة سواءً النفسية أو الجسدية والاجتماعية، إن المكان والانتماء له أهميّة كبيرة بالنسبة للفرد، خاصةً وأن النساء هنّ المتضررات بالدرجة الأولى نتيجة التهجير والنزوح القسري إلى أماكن مجهولة، هنا نودّ أن نشير إلى العبء الإضافي الملقى على كاهلهن في الوقت الذي لا تشعرن فيه بالأمان والاستقرار".
ولفتت إلى أن "المرأة تحاول جاهدةً تأمين الدفء والأمان لمن حولها رغم أنّها مدركة تماماً أنّ الأمر ليس بالسهل، في ظل الضغوطات المجتمعية، فهي تحاول بشتّى الطّرق أن تكون واعيةً وداعمةً لعائلتها"، مضيفةً "فقدت المرأة الأمن والأمان كل ذلك ألقى بأعباء إضافية على عاتقها في الوقت الذي حرمت من كافة حقوقها".