نساء جزائريات يتحدثن عن تجاربهن مع "قوارب الموت"
تواترت طيلة الشهرين الماضيين أنباء عن ارتفاع حصيلة المهاجرين غير النظاميين عبر مياه حوض البحر المتوسط من بينهم نساء، ليتم طرح العديد من الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء رغبة النساء في العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط
نجوى راهم
الجزائر ـ .
منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ارتفعت حصيلة المهاجرين غير النظاميين أو ما يعرف بـ "ظاهرة الحراقة" إلى إسبانيا عبر مياه البحر الأبيض المتوسط لمستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، وباتت صور الجثث المترامية في حوض المتوسط تصدم العالم، لتتحول الحراقة إلى قضية رأي عام.
ولتسليط الضوء على الأسباب الكامنة وراء إقدام النساء والفتيات على الخروج من بلادهم بطرق غير نظامية، التقت وكالتنا عدة نساء أقدمن على تلك الخطوة في ظل الحديث بشدة عن موجات الهجرة غير النظامية نحو أوروبا، للحديث عن تجاربهن مع قوارب الموت.
تقول سارة عيادي وهي من بين النساء اللواتي حاولن عبور المتوسط بطريقة غير نظامية، أنها لم تفكر يوماً في الهجرة غير النظامية، "لم أرد أن أسلك طريقاً سلكته قوارب الجثث قبلي، لكني وجدت نفسي أخاطر بحياتي وأنا حامل في شهري الثامن".
إلا أن محاولتها عبور المتوسط مع أطفالها الخمسة لم تكن موفقة بعض الشيء على حد قولها، فقد تم إنقاذها من الغرق برفقة 11 امرأة أخرى لم يتم الكشف عن جنسيتهن من قبل شرطة سواحل إسبانيا، وبعد إسعافها والاعتناء بها تم تقديمها إلى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل والأسرة بالجزائر للبحث في أمر الهجرة بطريقة غير نظامية.
وعند سؤالها عن السبب الذي دفعها إلى اللجوء للهجرة غير الشرعية قالت "كنت أريد تحسين حياة أطفالي وأضمن لهم فرص تعليم ومستوى معيشي أفضل، خاصةً وأنني أعيش ظروف صعبة بعد فقدان كافة وسائل التواصل مع زوجي الذي هاجر أيضاً بطريقة غير نظامية سبب قلة فرص العمل، فرأيت أن الحل هو اللحاق به والبحث عنه والاستقرار بعيداً عن بلد سلب مني كل الحقوق وكذلك لإيجاد مدخل مادي لإعالة أبنائي".
وتعود معظم الأسباب التي تدفع بالنساء والفتيات إلى الهجرة الغير نظامية لتقطع السبل بهم وصعوبة الحصول على عمل لائق وطول الانتظار، ما دفع بهم لحلول أخرى، حيث يعتبر العديد أن الأوضاع الاقتصادية الرديئة والبطالة السبب الأول في لجوء الفئة الشابة إلى الحرقة.
فيما تقول ليديا بوزيدي خريجة قسم اللغة الإنجليزية في جامعة باجي مختار، وهي من بين النساء اللواتي حاولن الهجرة عبر المتوسط بطريقة غير نظامية، أنها كانت تفكر بشكل يومي في الهجرة من بلادها أو الخروج من ولايتها (عنابة الشرق الجزائري)، فقد كانت تتردد بشكل يومي على سواحل المدينة لعلها تجد خيطاً رفيعاً يوصلها إلى المسؤولين عن تنظيم الرحلات في عرض البحر، وصولاً إلى سردينيا.
وحول الصعوبات التي واجهتها تقول "واجهت صعوبات كثيرة في حياتي، قدمت ملفي إلى القنصلية الفرنسية في عنابة للحصول على تأشيرة سفر أكثر من ثلاث مرات، لكنني لم أتمكن من الحصول عليها، وهو ما دفعني للبحث عن أي طريقة لعبور المتوسط من أجل التغيير للأحسن والعيش بحرية واستقلالية".
وتضيف "لم يكن ينقصني شيء في دارنا، ولكن بمجرد خروجي للشارع كنت أتعرض للكثير من المضايقات والتحرش بشتى أنواعه، كما أنني كنت شبه واثقة من عدم حصولي على وظيفة بعد إتمامي لدراستي في الجامعة، لهذا قررت المغامرة والسفر لعلي أحصل على فرصة عمل خارج بلدي، جمعت المال بعد بيعي لبعض الحلي التي كانت والدتي تحرص أن أرتديه في المناسبات والحفلات فقط، واقترضت البعض الآخر".
لكن الصعوبات التي واجهت ليديا بوزيدي لم تقف حد تأمين المبلغ المطلوب لتسافر به إلى خارج البلاد كما تقول "واجهت صعوبة في الوصول إلى المسؤول عن تدبير مكان سفر خاصةً أنني فتاة، لكنني أصريت على ذلك وتقدمت بالطلب برفقة شاب من الجامعة ساعدني في ضمان رحلة آمنة مبدئياً".
نجحت ليديا بوزيدي بصعوبة في الوصول إلى شواطئ سردينيا بعد صراع كبير مع الأمواج وتقلبات البحر برفقة ثلاث شبان من مجموع 15 شاب وشابة، فكانت الناجية الوحيدة من مغامرة الموت بعد أن فقدت رفيقتين تعرفت عليهما أثناء الرحلة، "كنت منهارة ولم أصدق بأنني على حافة الشاطئ، بكيت كثيراً حينما رأيت القارب المحطم وبعض الشباب يحتفلون بوصولهم سالمين رغم فقدناهم لأحبائهم وأصحاب جمعهم قارب واحد، فآخر ما أتذكره هو قدوم شرطة سواحل سردينيا".
ولكن كان من أكبر الأسباب التي جعلتها تهاجر بلدها بطريقة غير شرعية، هي الهروب من المجتمع، المعتقدات، التفكير البالي، الظلم والتهميش الذي تعاني منه أغلب الفتيات بسبب الأعراف والخوف خاصةً في المناطق الداخلية، كما تقول.
نجحت ليديا بوزيدي في تخطي مياه البحر الأبيض المتوسط وتحقيق حلمها بالعيش بالطريقة التي طالما فكرت وحلمت بها، لربما كانت ترغب في داخلها بوظيفة وأسلوب عيش محترم وسط أهلها وأقاربها، إلا أن الحظ لم يكن بجانب زهرة عبد المؤمن وهي تتجه من مدينة مستغانم غرب الجزائر.
لم تكن تعلم زهرة عبد المومن أنها رحلتها الأخيرة، ولن تصل إلى أوروبا إلا وهي جثة هامدة، تقول شقيقتها أسماء عبد المومن عن تلك الأحداث الصعبة التي مرت عليهم كالصاعقة كما وصفتها، "قررت المخاطرة برفقة شقيقتي بعد أن استنفذنا كل الطرق من أجل الحصول على عمل والاستقرار بعيداً عن مشاكل البطالة التي يتخبط فيها الشباب".
وتتابع "قررنا الهجرة من أجل حياة أفضل، خاصةً وأن هناك الكثيرات ممن استطعن أن يصلن إلى أوروبا ويستقررن هناك بعد حصولهن على وظائف جيدة بأجور عالية"، وأضافت "تخرجت منذ عام 2011 بتخصص قانون جنائي، قمت بالكثير من التربصات في العديد من المؤسسات ولكن دون جدوى، بقيت دون وظيفة لمدة 3 سنوات، عملت في كافة المجالات خارج مهنتي ومجال تخصصي، في الحلاقة، في تنظيم الحفلات والأعراس، ولكن في النهاية تعقدت معنا الأمور أكثر عندما تخرجت شقيقتي زهرة ولم تجد عملاً، فقررنا حينها التخطيط للخروج من البلاد"، مشيرةً إلى أنها "رغم ما مررت به إلا أنني مازالت أفكر في إعادة التجربة مرة أخرى لكي أحقق حلم شقيقتي".
ويربط جزائريون العودة القوية لـ"قوارب الموت" بالوضع السياسي والاقتصادي القائم الذي دفع عدداً من الناس لمحاولة الوصول إلى أوروبا.
أما رحمة ششوي فتقول أن من أسباب هجرة النساء هو عدم الشعور بالأمان والاستقرار في المحيط الذي نشأن فيه، فمعظم الفتيات والنساء يهربن من العنف الأسري والعنف في المجتمع من أجل البحث عن حقوق وحريات تضمن كرامتهن "معظم الحالات التي كنت أعاينها خلال فترة عملي بمركز إيواء النساء بالجزائر العاصمة، هي لنساء ضحايا العنف والتحرش والاغتصاب سواء من طرف أقربائهم أو حتى في الشارع".
وأوضحت أنها لو لم تحصل على تأشيرة سفر كانت ستخرج هي الأخرة من البلاد بطريقة غير نظامية "قدمت طلب تأشيرة لأكثر من 3 بلدان ولم أحظى بأي واحدة في فترة جائحة كورونا، ولكنني حاولت مرة أخرى إلى أن حصلت على تأشيرة من أجل إتمام دراستي في قسم علم النفس الاجتماعي بفرنسا".
ورغم إحباط العديد من عمليات الهجرة غير نظامية من قبل السلطات الجزائرية، إلا أن أعدادها قد زادت، ولم تعد تقتصر قوارب الموت في حوض البحر المتوسط على الشباب، بل تعدت ذلك لتشمل عدد كبير من النساء والفتيات اللاتي يبحثن عن فرص جديدة خارج بلدانهن الأصلية.
فقد أعلنت وكالة مراقبة الحدود الأوروبية "فرونتكس"، عن وصول 7040 مهاجر سري إلى سواحل إسبانيا في حزيران/يوليو 2021، فيما سجل المركز الدولي لتحديد هوية المهاجرين المفقودين في إسبانيا، وصول أكثر من 1000 مهاجر/ة غير شرعي من الجزائر إلى إسبانيا خلال 72 ساعة في حزيران/يونيو الماضي.
وقد أثار تداول صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنباء عن فقدان 50 مهاجراً غير شرعي بعد توقف محرك الزورق المطاطي الذي كانوا يستقلونه، في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، استياءً عارماً في الجزائر، وصبت أغلب التعليقات جام غضبها على السلطات.