نساء فقدن عملهن بسبب وباء كورونا

وجدت مجموعة من النساء التونسيات أنفسهن أمام تحديات كثيرة ومخيفة منذ تفشي جائحة كورونا، منها طردهن من أعمالهن بسبب الأزمة الاقتصادية التي تضرر منها أكثر من 60 بالمئة من المؤسسات الاقتصادية الصغرى والمتوسطة

زهور المشرقي
تونس- .
ويقع الحمل الأكبر تجاه هذه الصعوبات على عاتق النساء، فضلاً عن مشاكل أخرى تتعلق بالنساء صاحبات الأعمال الحرّة اللواتي فقدن مصادر رزقهن، في مشهد تصفه الجمعيات النسوية بالمأساوي أمام صمت الدولة. 
وترى الجمعيات النسوية التونسية، أن المرأة في تونس أكثر الكائنات تضرراً من وباء كورونا، حيث سُلّط عليها مختلف أنواع العنف من العنف الاقتصادي إلى العنف الجسدي والنفسي عبر تضييق مجال الإمكانيات ومصادرة الحريات الشخصية وحقّها في العمل، حيث حرمت النساء الاستفادة من الفرص المتاحة التي من الممكن أن تحقق لهن النجاح.  
وأدت الفجوات القائمة بين الجنسين إلى زيادة الآثار السلبية لوباء كورونا على النساء، ما يشكل انتكاسة في المكاسب التي تحققت للنساء والفتيات والمتمثلة في تراكم رأس المال البشري، والتمكين الاقتصادي، والقدرة على الاستقلالية.
ولإلقاء الضوء على معاناة النساء في ظل الحجر الصحي المفروض إثر انتشار وباء كورونا، ألتقت وكالتنا مع عدد من النساء التونسيات. 
 
"عانيت الفقر منذ فرض الحجر الشامل على تونس"
"لا أملك شيئاً أخسره... المرض والفقر ينهشاني أمام دولة عاجزة عن إيوائي أنا ومثيلاتي" تقول دليلة عياري البالغة من العمر (50) عاماً، مختصة في مجال التجميل، مطلقة وتعيش بمفردها بالعاصمة تونس، إنها لم تعش ظروفاً صعبة كتلك التي تعيشها منذ انتشار الجائحة في البلاد، حيث لم يصل منذ أشهر مصدر رزقها إلى أكثر من 7 دولارات في اليوم، في حين كانت تحصل قبل الجائحة على أكثر من 30 دولاراً يومياً.
وتتحدث دليلة عياري، بعينين حزينتين دامعتين "أعاني ظروفاً صعبة مادية ومعنوية، ولم أتمتّع بالمنح التي قدمتها الدولة للمتضررات من الجائحة برغم طلبي من الهياكل المعنية المساعدة أكثر من مرّة، لكن وبرغم حاجتي اليوم لدفع أجار المحلّ شبه المعطّل عن العمل، لن أطلب يد العون مجدداً لأن كرامتي لا تسمح بذلك، ومهما كان الوضع فأنا امرأة حرّة ويحزّ في نفسي طلب المساعدة أكثر من مرة".
وتتابع حديثها بحرقة "أعمل في مجال التجميل منذ أكثر من عشرين عاماً، كما عملت في هذا القطاع لأكثر من خمسة عشر عاماً في مجموعة صالونات قص وتجميل، من دون أي ضمانات قانونية أو تغطية اجتماعية وبأجر يومي لا يتجاوز 15 ديناراً تونسياً، أي 6 دولارات، وللأسف لم تبذل الدولة جهداً لمساعدتنا كقطاع مهمّش، فنحن وغيرنا في بعض الأعمال الحرة نعاني من مشاكل انعدام الإطار القانوني والتنظيمي للقطاع".
ويعتبر هذا القطاع في تونس هشاً، حيث تكاد تكون الضمانات الاجتماعية والصحية والمالية غائبة، على اعتبار أن التعامل مع كراس الشروط مسألة شكلية لا تخضع للمراقبة القانونية.
 
"أُجبرت على مغادرة منزلي"
بدورها تحدثت فوزية العابد وهي أربعينية متزوجة وأم لطفلين، عن معاناتها بعد انقطاعها عن العمل مع بدء جائحة كورونا، وفوزية عاملة بمصنع حلويات بمحافظة بنزرت شمال تونس، وقد امتهنت هذه الصنعة منذ ما يزيد عن 15عاماً. تقول "أصبحت البيوت المكان الأكثر أماناً للوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أنها لم تعد آمنة للكثير من النساء اللاتي فقدن أعمالهن بسبب الظروف الصعبة للمؤسسات، فالفقر والخصاصة (سوء الحال) أشد ألماً من معاناة الفيروس. تصوري أن يطلب ابنك شراء حذاء أو جاكيت ولا تجدين ثمنها، أليست هذه معاناة؟".
وتتابع بيد مرتعشة "زوجي يعمل بأجرة يومية في مجال البناء، توقف عن العمل ولم يعد لدينا مال لتوفير أبسط مقومات الحياة الكريمة، ما اضطرنا أنا وطفليّ، أكبرهما 14 عاماً، لأوّل مرّة منذ سنوات إلى مغادرة المنزل إلى منزل عائلتي مؤقتاً حتى نتمكن من الحصول على أي عمل يوفّر لنا الضروريات".
وأضافت "لم نكن نتوقع هذا المصير.. لقد فاجأتنا كورونا وفوجئنا بغلق المصنع الذي أعمل به، لأجد نفسي مشردة والتجأت إلى بيت أهلي، أنتظر الفرج".
 
"نادلة في بلد غير عادل"
أما مروى عبد لله، وهي نادلة بمقهى وتبلغ من العمر 25عاماً، عزباء، وتعيش في إحدى المدن الداخلية بالبلاد، وجدناها حيث كانت تجلس في حي العطار بمنطقة سيدي حسين أحد الأحياء الشعبية الفقيرة جداً المتاخمة للعاصمة، على كرسي بمقهى تلتقط أنفاسها من تعب يوم شاق أمضته في خدمة الزبائن لتأمين قوتها اليومي.
تروي مروى عبد الله قصتها قائلةً "أنا نادلة في بلد غير عادل وأعمل  10ساعات يوميا"، تصمت قليلاً وتواصل "أغامر بحياتي وسط عشرات الزبائن يومياً في ظل وضع وبائي خطير في البلد، لتوفير قوتي الذي لا يتجاوز 6 دولارات يومياً.. أعمل لأوفّر الضروريات لعائلة ينهشها الفقر والخصاصة في بلد لا يعترف بحق النادل".
وتواصل بعد صمت مريب "سبق للحكومة أن فرضت في آذار/مارس الماضي ولمدة قرابة ثلاثة أشهر حظراً شاملاً ولم تكترث لأمرنا، أما الآن فنكتفي بتقديم الخدمات السريعة للزبائن، كإجراء مشدد لمكافحة الوباء الذي اجتاح البلاد، الأمر الذي دفع بالآلاف من العمال إلى فقدان عملهم وخاصة النساء اللواتي وجدن أنفسهن عرضة للخصاصة". 
ووفق إحصائيات رسمية يعمل في هذا القطاع قرابة 30 ألف امرأة من أصل 100 ألف عامل. 
وترى مروى عبد الله أن "على الدولة أن تفكر في أرزاق العاملات في القطاع، وأعباء الإيجار، ومصاريف أصحاب المقاهي الذين سبق لهم أن تضرروا كثيراً من الأزمة".
 
 كساد التجارة
كانت يداها تمتدّان لخيط تقلّبه بحنوّ، ويبدو أن التعب قد استبد بها... اقتربت منها لأتجاذب معها حديثاً يحمل عبء السنين وآلامها.
هي زينب الملالي، خياّطة تقليدية، أرملة تبلغ من العمر 50 عاماً، تعيش بمفردها في بيت أجار مساحته صغيرة جداً، تتحدث عن وضعها الصعب بسبب انتشار الوباء في البلاد الذي حرمها من العمل، حيث تعيش وضعاً حرجاً بلا بطاقة علاج ولا مرتب تقاعدي ولا مساعدات، ولسد رمقها تقوم بتطريز كمامات من بقايا أقمشة تشتريها من مصانع مختصة في خياطة الملابس الجاهزة.
دخلت ورشتها الضيّقة، جدرانها بالية.. تجلس زينب الملالي كل يوم على كرسي آلة الخياطة لتخيّط أشكالا مختلفة من الكمامات بألوان متعددة وبالكاد تجني ما يسد احتياجاتها، إذ لا تجد آخر اليوم سوى بعض الدنانير التونسية.
وليس لهذه الخيّاطة مورد رزق آخر مما يجعل مدخولها رهين بما تجنيه من مبيعاتها التي تراجعت بشكل جعلها تعجز حتى عن شراء أدويتها.
تقول المختصة في علم الاجتماع صابرين عجرودي أنْ تجد امرأة نفسها بلا مأوى أو بلا عمل ليس بالأمر الهيّن، لأنها ستضطر إلى مواجهة حياة جديدة يطبعها اللااستقرار والخوف ويغلب عليها العنف بمختلف أشكاله، هذه الحياة تشكل مساراً يتطلب المقاومة والتماسك والقوة للمواجهة. 
وتضيف إنّ حالة البطالة عند النساء تؤدي إلى التعرض للكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيرات من العاطلات والمتضررات من أزمة كوفيد ـ 19 يتصفن بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية، فمثلاً تتسم كثير من العاطلات بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية لديهن، وفقدان الثقة بأنفسهن.
ووفق صابرين عجرودي، تشكل البطالة واحدة من أكثر تجارب الحياة إحباطاً والتي لها عواقب نفسية كبيرة على حياة الناس وخاصة النساء، فالعاطلات عن العمل فجأة أكثر عرضة للاضطرابات النفسية بثلاثة أضعاف من أولئك الذين لديهن وظيفة، ولهذا تحتاج إلى استراتيجيات الدعم النفسي التي تخفف المستويات العليا من القلق والاكتئاب لديهن، بسبب الإفراط في التفكير بين الاعتراف بالنفس كشخص ناجح وغياب العمل.
وترى المختصة في علم الاجتماع صابرين عجرودي، أن وباء كورونا ينسف جهوداً بذلت طيلة 50 عاماً في تونس بهدف المساواة بين الجنسين، فالنساء أصبحن مهددات في بلدهن فاقدات للقرار.
وتم فقدان أكثر من 161 ألف وظيفة جراء أزمة فيروس كورونا التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد التونسي. وبحسب تقرير المعهد الوطني التونسي للإحصاء الذي أعلن عنه يوم الاثنين 15كانون الثاني/يناير، وصلت نسبة البطالة إلى 17.4 بالمئة خلال الثلاثي الرابع من عام 2020، مقابل 16.2 بالمئة خلال الثلاثي الثالث من نفس العام.
وأظهرت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الرابع من عام 2020 أن عدد العاطلين عن العمل بلغ 725.1 ألف عاطل من مجموع السكان النشيطين، مقابل 676.6 ألف عاطل عن العمل خلال الثلاثي الثالث لعام 2020. 
وبلغت نسبة البطالة لدى الذكور 14.4 بالمئة مسجلة ارتفاعاً بـ 0.9 نقطة، بينما لدى الإناث بلغت 24.9 بالمئة بارتفاع بـ 2.1 نقطة خلال الثلاثي الرابع لعام 2020.
ووفق المعهد، بلغ ارتفاع معدلات الفقر مستويات قياسية خاصة بالمناطق غير الساحلية وتحديداً وسط البلاد وشمالها، بينما تقل معدلات الفقر بالعاصمة، لكنّ أحياءها الشعبية تظل بائسة.