ندى ثابت أم لطفل بلا حواس تمكنت من تغيير وجه الإعاقة في مصر

وجود طفل معاق في أسرة يربكها ويدخل أفرادها في دوامات متصلة أثناء سعيهم لإدماجه في المجتمع، إلا أن جمعية "قرية الأمل" في محافظة الإسكندرية تعمل على إعادة تأهيل المعاقين وإدماجهم في المجتمع ليصبح لهم دور مؤثر ويعتمدون على ذاتهم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عند التطرق لعمل جمعية "قرية الأمل" لا بد من الحديث عن قصة أم مختلفة قوية تحدت كل الظروف لدعم ابنها الذي ولد بلا حواس، فقد ضحت وتنازلت عن تطلعاتها وطموحاتها الشخصية لتتوحد مع احتياجات ابنها الذي أثبتت الفحوصات أنه تأثر بخطأ طبي عند ولادته أفقده أعصاب المخ وبات على حد وصفها "قطعة من اللحم حتى لا يمكنه البكاء".

حول التحديات التي واجهتها وتمكنت من التغلب عليها والعمل الذي قامت به حتى اكتملت صورة مشروعها وبات منارة للأمل في مختلف أرجاء محافظة الإسكندرية، أجرت وكالتنا حوار مع رئيسة مجلس إدارة جمعية "قرية الأمل للتنمية والتأهيل الاجتماعي للمعاقين" ندى ثابت التي لفت مشروعها أنظار العالم إلى ما تقدمه من خدمات لتلك الفئة التي كانت لسنوات طويلة مهمشة.

 

"قرية الأمل" تاريخ طويل من العطاء لذوي الاحتياجات الخاصة، ماذا عن نقطة البداية وما الدافع الذي جعلكم تفكرون في تمكينهم اقتصادياً؟

لم أكن أخطط يوماً أن أهتم بذلك الملف فطبيعة عملي بعيدة كلياً عنه، ولكن بعد أن أنجبت طفلي الثاني منذ 42 عام فوجئت أنه لا يتحرك وأجريت له جميع الفحوصات التي أثبتت أن إعاقته نتيجة خطأ طبي حدث أثناء الولادة.

فلم يكن أمامي سوى الاستسلام للأمر الواقع خاصة بعد إدراكي أن طفلي سيعيش بحاسة السمع فقط، وبدأت رحلتي مع المجهول وحينها لم يكن هناك أي اهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ولم يكن هناك أطباء أو مراكز تأهيل، وكلما رغبت في الاستفسار عن أمر كان علي دراسته والاعتماد على ذاتي وحينها فقط وقفت على مفهوم المعاناة والألم وقررت أن أعمل من أجل واقع أفضل لهؤلاء الأطفال.

واليوم الوضع تغير كثيراً وتحولت رحلة الألم والنضال إلى حالة من الأمل حتى كبر طفلي وبات قادر على الاعتماد كلياً على نفسه والعمل وبناء العلاقات.

حينما بدأت العمل على هذا الملف لم يكن هناك أية مراكز لتأهيل المعاقين، وبدأت في البحث عن مساحة تلبي احتياجاتهم الحقيقية وسبق ذلك العمل لوقت طويل على مسألة إدماجهم في المجتمع خاصة في المراحل التعليمية المختلفة.

وفي الواقع، وجدت أن الطفل يخرج من المركز أو الحضانة ويصل لعمر السادس عشر عاماً دون تعلم حقيقي، ومن هنا فكرت في تأسيس مكان حمل اسم "أمل" متخصص في التأهيل المهني ويتضمن عدد من الورش، وانصب تركيزنا على اكتشاف مواهب ومهارات الأطفال وتحويلها لواقع، لذلك تم إنشاء ورش نجارة وفرن للمعجنات والخبز، وأنشطة فنية ورياضية وزراعية، من أجل أن يتعلمون أعمال متنوعة ويتمكنوا اقتصادياً لإدماجهم في سوق العمل.

وساهمت تلك الفترة في إدراكهم بإمكانياتهم وقدراتهم وأنهم ليسوا عالة على أسرهم، وبالفعل غيرت من واقعهم النفسي والمادي إلى حد كبير خاصة بعد تمكنهم من الحصول على فرص العمل المتنوعة بعد الانتهاء من التدريب المهني، وتم إشهار الجمعية في عام 2000 أي منذ 23 عاماً.

 

كيف أثر ترشيحكم من قبل هيئة السلام السويسرية للحصول على جائزة نوبل، على عملكم في ملف ذوي الاحتياجات الخاصة؟

كانت هيئة السلام السويسرية تبحث عن 1000 امرأة مؤثرة حول العالم وتمكنوا من العثور عليهن من 153 دولة واشترطوا في معاير ذلك البحث عملهن دون أية مصالح أو منافع فقط لكونهن مؤمنات بقضايا معينة قررن أن تبذلن أقصى ما يمكن لديهن من أجلها.

وكنت الوحيدة من مصر التي ضمتها تلك القائمة لكوني تمكنت من تغيير وجه الإعاقة في مصر من قضية مهملة لقضية بدأ المسؤولين في توجيه أنظارهم لها وهو أمر حقيقي لأني حينما كنت أذهب لأي مسؤول وأحدثه أني لا أجد خدمة لابني عادة ما يقرر العمل من أجلي وأخريات في إتاحة خدمات تساعدنا وقطاع كبير منهم لم يكن مدرك لحقيقية المعاناة والأعداد في هذا الملف.

وعندما قرأت قصص الـ 1000 امرأة وجدت فيه كم هائل من الانجازات والتغيير الحقيقي وتأكدت من عظمة المرأة وقوتها بل وقدرتها على التغيير بأبسط الإمكانيات فالبعض جعلن من فناء منازلهن مدارس لعدم توافرها وتمكن من تعليم الفتيات، وأخرى سعت للقضاء على الإيدز، وأخرى للقضاء على الفقر والجوع، وغيرها من التجارب الملهمة القوية التي تمت وسط ظروف صعبة ولكن قوة إرادة صاحبة الفكرة مكنتها من النجاح والتأثير الحقيقي.

 

ما هي أبرز التجارب الناجحة والمعوقات التي واجهت عملكم؟

أنها تجربة مليئة بالأمل فالأطفال موهوبين جداً ويحتاجون فقط لمن يكتشفهم ويحفزهم للعمل بما يمتلكونه من مهارات، فمجرد تأهيل بسيط كفيل لتغيير حياة أسرة كاملة، والآن واقع الإعاقة تغير تماماً فهناك مصانع تطلب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة للعمل فيها، لما أثبتوه من قدرة وكفاءة في مختلف الأعمال التي شغلوها.

ولم يعد هناك مجال بعيد عن قدرتهم حتى العمل الإعلامي والإذاعي تمكنوا من النجاح به وكذلك عروض الأزياء، وإجمالاً يمكن القول إن لكل فرد في جمعية "قرية الأمل" تجربة نجاح مستقلة بداية من العمل الذي يبذله بداخلها في الورش والمخبز وصولاً لدخولهم سوق العمل وتمكنهم من تحقيق ذواتهم بالخارج.

والعائق الذي مازال بحاجة للعمل عليه يتمثل في الاتاحة المجتمعية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة سواء في المدارس، والجامعات وكذلك المواصلات والأندية وإشارات المرور والشوارع وهو ما لا يشعر ذوي الاحتياجات الخاصة أبداً بإعاقتهم الأمر الذي ينال الكثير من اهتمام المعنيين بالملف سواء من المجتمع أو الحكومة.

فكلما كانت هناك إتاحة يحدث التغيير الفعلي وهو أمر بدأت مراعاته في الآونة الأخيرة فجامعة الإسكندرية يوجد فيها مركز متكامل لذوي الاحتياجات الخاصة، وأيضاً هناك تدريب بالنيابة الإدارية والشهر العقاري والمحاكم والبنوك على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة وسبل تقديم الخدمات اللازمة لهم.