ندرة المياه... تنذر بأمراض ومشاكل صحية

تعاني المخيمات في الشمال السوري من شحّ في المياه النظيفة والصالحة للشرب بعد توقّف الدعم عنها، وهو ما أنذر بمشكلات صحية وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والزيادة الملحّة في استخدامات المياه

سهير الإدلبي
إدلب ـ .
تعتمد معظم المخيمات على مياه من مصادر غير صحيّة تُنقل بصهاريج غير معقّمة، والمياه المتوفرة لا تتناسب إطلاقاً مع كمية الاحتياج اليومي للفرد من المياه.
وقالت الخمسينية مريم الصدير النازحة من مدينة معرّة النعمان ومقيمة في مخيمات مشهد روحين في الشمال السوري "إنّ توقف منظمات المجتمع المدني عن دعم مياه الشرب المجانية خلق مشكلة كبيرة بالنسبة لهم، فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر وجميع سكان المخيم يعانون شحاً في المياه ونضطر لشرائها والتقنين باستخدامها قدر المستطاع"، مشيرةً إلى أنّ فقر حالها يدفعها لتوفير نفقة المياه على حساب المواد الغذائية "لا يمكن الاستغناء عن الماء ولا بشكل من الأشكال في حين يمكن أن نستغني عن بعض الحاجيات الأساسية الأخرى".
تلجأ الخمسينية المعيلة لأطفال ابنها الخمسة الأيتام إلى تعبئة خزانها الذي يتّسع لـ ٥٠٠٠ ليتر من المياه مرتين خلال الأسبوع، بتكلفة ثلاثون ليرة تركية أي ما يعادل ١٥ ألف ليرة سورية، وتدعو المعنيين للنظر في حال النازحين وبؤسهم وتأمين مياه الشرب المجانية لهم على الأقل.
من جهتها لم تتمكن الأرملة نجاح العيد (٣٥) عاماً، من شراء المياه لعدم قدرتها على تأمين المال الكافي لاستحضار الصهريج من أجل تعبئة خزانها وهو ما يدفعها للحصول على المياه من الصهريج الجماعي الذي وضع وسط مخيم أطمة الكبير ليستفيد منه الفقراء ممن لا يتمكنون من شراء المياه وإيصالها لخزاناتهم.
وبعد تعبئة عبوة المياه الكبيرة تستعد لتنطلق بها نحو خيمتها في رحلة شاقة تستغرق بضع دقائق تحت أشعة الشمس الحارقة، وتقول "لا أملك خياراً آخر لجلب المياه وحملها بنفسي بشكل يومي وأحياناً اضطر لجلبها أكثر من ثلاث مرات في اليوم حين يتوجب علينا الغسيل أو الاستحمام" وتتابع بعد تنهيدة طويلة وقد بدا التعب واضحاً على وجهها "أشعر بألم أسفل ظهري كلما نقلت المياه، لا شك أنني سأصاب بأمراض العظام قريباً إن استمرّ الأمر على هذا النحو".
لم يقف الأمر عند حد صعوبة تأمين المياه ونقلها بشكل ذاتي لمسافات طويلة وتكبّد عناء شرائها وحسب وإنما أدت قلّة المياه لارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الجلدية وخاصّة مرض الجدري الذي انتشر بشكل ملحوظ بين الأطفال وتلاميذ المدارس.
احتارت هيام الحسن (٣٢) عاماً، في أمرها بعد أن أصيب جميع أفراد أسرتها بمرض الجدري فجأةً ودون سابق إنذار، فلم تعد تدري كيف تتعامل مع هذا المرض الذي لم ينجو منه أطفالها الأربعة، وتقول أنّهم يعانون باستمرار من قلة المياه وانعدام شبكات الصرف الصحي، وغلاء المياه الصالحة للشرب بشكل لم يعد باستطاعتهم مجاراتها مع ارتفاع أسعار المحروقات الضرورية لتحرّك سيارات الصهريج المخصصة لنقل المياه، فضلاً عن قلة الرعاية والنقاط الطبية في المخيمات، وتوضّح أنها حين عرضت الأطفال على طبيب "أوصى بالحمية والحمام اليومي وشرب الكثير من السوائل والعصائر وهو ما لا يتوفر في مخيماتنا المنسية"، وتشير أنّ العدوى جاءت لأحد أطفالها من زملائه في المدرسة ثم انتقلت لبقية أفراد العائلة.
ويُعرف مرض الجدري بأنّه مرض تلوثي ينتقل من شخص لآخر عن طريق اللمس ومن أعراضه طفح جلدي بشكل فقاعات سوداء أو حمراء اللون وتكون هذه البقع متهيجة وتسبب حكة شديدة، يبدأ ظهورها في البطن والوجه وسرعان ما ينتشر في كافة أنحاء الجسم يرافقه ارتفاع في درجات الحرارة وصداع، ويعتبر الجدري من أكثر الأمراض الفيروسية من حيث التفشي والانتشار داخل مخيمات الشمال السوري.
ووثّق فريق "منسقو استجابة سوريا" أكثر من ٢٠٠ مخيم في الشمال السوري ليست لها جهة داعمة تؤمن المياه الصالحة للشرب منذ مطلع أيار/مايو الماضي.
وقال مدير الفريق محمد حلّاج "أنّ المشكلات الناجمة عن قلة المياه كبيرة أهمها انتشار الأوبئة والأمراض وعدم القدرة على السيطرة على الحرائق بالسرعة المناسبة حال حدوثها، إضافة لتأثير قلة المياه على الأطفال والنساء لأهميتها في النظافة والصحة العامة".
ويحمّل محمد الحلاج المسؤولية المباشرة للجهات المعنية كافة بضرورة السعي لتأمين وتعويض النقص الكبير الحاصل من خلال حفر الآبار الارتوازية في الأماكن القريبة من المخيمات لسهولة إمداد المنطقة بالمياه.
وبحسب تقارير سابقة للأمم المتحدة فإن هناك 15.5 مليون سوري يفتقرون إلى المياه النظيفة، قسم كبير منهم في الشمال السوري، مؤكدةً أنّ هذه المنطقة هي الأكثر تضرراً من أزمة المياه، إذ أنّ ٢٧% من الأسر تنفق ما يصل إلى خمس دخلها الشهري على شراء المياه.