نازحات سوريات يروين معاناتهن مع الأزمة الاقتصادية في لبنان

قست عليهم الحرب وأرغمتهم على مغادرة منازلهم أو ما تبقى منها، نزحوا إلى لبنان على أمل أن يجدوا فيه مكاناً آمناً ومصدر رزق يؤمن لهم قوت يومهم، ولكن الأزمة الاقتصادية التي استفحلت فيه في نهاية عام 2019 وزادت وطأتها مؤخراً، أنهكت العائلات السورية النازحة على حد سواء مع اللبنانيين

كارولين بزي
بيروت ـ
 
تركية الحسين الأم والأب لعائلة من 15 فرداً
 
لم ترحم الحياة تركية أحمد الحسين السيدة الستينية والتي أنجبت تسعة أبناء، بل إلى جانب نزوحها إلى لبنان بعدما دمر بيتها، فقدت زوجها فأصبحت تلعب دور الأم والأب لأولادها وأحفادها. 
تروي تركية الحسين لوكالتنا تفاصيل انتقالها إلى لبنان والمعاناة التي زادتها الأزمة الاقتصادية اللبنانية وغلاء الأسعار وتغيّر سعر صرف الدولار، "انتقلنا إلى لبنان منذ ثلاث سنوات، يعيش معي ابني الذي يبلغ من العمر 17 عاماً، ولكنه في الوقت الحالي لا يعمل بسبب انعدام فرص العمل. ولدي ابن آخر تعرض لإصابة خلال العمل وهو حالياً عاطل عن العمل، ومنذ 10 أيام خضع لعملية جراحية. وهما أحياناً يقومان بالبحث عن العبوات المعدنية في القمامة لبيعها"، مضيفةً "نحن عائلة من 15 فرداً، فلدى ابنتي التي تقيم معي وزوجها ولدان، وكذلك الأمر بالنسبة لابنتي الثانية ونعيش جميعاً تحت سقف واحد. فالفرد الذي يعمل يقوم بإنفاق المال على الجميع".   
وتتحدث عن تبدل الظروف قبل وخلال الأزمة، "قبل الأزمة وتحديداً عندما جئنا إلى لبنان في العام 2017 كانت فرص العمل أكبر والأسعار نوعاً ما جيدة، ولكن مع استفحال الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار، ضاقت بنا سبل العيش".
وتسأل "هل يكفي أن أطبخ كيلو واحد من الرز لعائلة من 15 فرداً؟ هذه الأوضاع أثرت عليّ كثيراً، فأنا الأم والأب على حد سواء، إلا أن كل ذلك لا يهمني، لكن ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون للحليب والحفاضات؟".
على الرغم من الأوضاع السيئة في لبنان ولكن تعتبر تركية الحسين أن الأوضاع في سوريا مماثلة للواقع المعيشي في لبنان، فمن يملك المال يستطيع أن يعيش برفاهية والفقير لا يستطيع أن يؤمن قوت يومه. 
وتشير إلى أن فاعلي الخير أحياناً يقدمون لها ولعائلتها المساعدة، حتى أن "هناك من ساعدنا لإجراء العملية لابني الذي تعرض لإصابة" كما تقول. 
وتوضح "قبل الأزمة كان أولادي يعملون بشكل أفضل ولكن مع الأزمة تبدل الوضع وهو ما انعكس على كافة الناس، وحتى كل المواد الاستهلاكية يتم تسعيرها على سعر صرف الدولار".
ولفتت إلى تدني الأجور مؤخراً، "في حال وجد أولادي فرصة عمل يومي فالأجور متدنية جداً ولا تكفي لتأمين الطعام ليوم واحد". 
وتسأل بحرقة والدموع تملأ عينيها "ما ذنبنا نحن الفقراء بتغير سعر صرف الدولار في لبنان بهذا الشكل الجنوني؟ ولكننا لا نستطيع إلا أن نشكر الله على كل شيء". 
على الرغم من كل المعاناة التي تعيشها تركية برفقة أولادها ولكنها امرأة قوية وصلبة، تقول عن مرحلة شبابها "تزوجت في سن صغيرة، وكان زوجي يكبرني بكثير، ولكنني عملت وربيت أولادي وتنقلت في أكثر من مهنة لأساعد زوجي ومع تأزم الوضع في سوريا ودمار بيوتنا انتقلنا إلى لبنان، ومع استفحال الأزمة الاقتصادية تراجعت أوضاعنا وساء حالنا كثيراً".
تقوم تركية الحسين بتحضير المونة بما تيسر لتأمينها لأولادها وأحفادها كطعام لفصل الشتاء في حال تعذر عليها تأمين الطعام لهم، وتضيف "أنا لا أعمل لأنه لا يوجد فرص عمل، ولكنني أزرع في الأرض التي نقيم فيها بعدما قمت باستئذان صاحبها وأحاول تأمين لقمة عيش أولادي".
إلى جانب المسؤولية التي تتحملها تركية، فهي تعاني من مشاكل صحية وتواجه أزمة تأمين الدواء، لكنها لا تستسلم للواقع المرير الذي تعيشه بل تحاول أن تكون سنداً متيناً لعائلتها.
 
كلفة النقل تحرم أولاد شيراز من الالتحاق بالمدرسة
 
حال شيراز رمضان (25) عاماً لا يختلف عن حال تركية الحسين، فهي التي أنجبت أربعة أولاد تعيش في لبنان منذ عشر سنوات. 
وتقول "أعمل في الزراعة وأجني يومياً 15 ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار واحد في اليوم، ومع غلاء الأسعار هذا المبلغ لا يكفي لتحضير طبق واحد من الطعام. الوضع سيء جداً فهذا المبلغ لم يعد يكفي لشراء كيلو الأرز الذي وصل سعره إلى 18 ألف ليرة لبنانية".  
لكن في حالتها الأمر لا يقتصر على الطعام بل أيضاً على المدارس التي لم يرتادها أبناؤها خلال العام الدراسي الماضي، "لم يلتحق أبنائي العام الماضي بالمدرسة، لا أعلم إن كنت سأرسلهم هذا العام بسبب تكلفة النقل التي بالتأكيد سترتفع كثيراً مع ارتفاع أسعار المحروقات بشكل جنوني كما أنهم بحاجة لملابس خاصة للمدرسة وقرطاسية وغيرها. أتمنى أن أرسل أولادي إلى المدرسة ولكن الوضع صعب".
وتتابع "نتناول أغلب أيام الشهر الأرز أو البرغل والعدس. لا يمكنني أن أشتري يومياً أغراض المنزل لتحضير الطعام، وبسبب الغلاء لم يتذوق أولادي الفواكه هذا العام". 
ورداً على سؤالنا حول المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة للنازحين السوريين تقول "تقدم لنا الأمم المتحدة مساعدات ولكن المبلغ لا يكفي لأول 15 يوم من الشهر، لم يعد للمال أي قيمة".  
وتتابع "قبل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، كنا نستطيع أن نؤمن قوت يومنا ولكن حالياً الوضع مختلف جداً"، مشيرةً إلى أن زوجها يعمل ولكن ليس بشكل يومي لأنه يعاني من مشاكل صحية.  
 
"أبنائي مكتومي القيد" 
 
انتقلت تهاني أحمد الخزيم (30) عاماً إلى لبنان في العام 2017، أنجبت طفلين خلال وجودها في لبنان، وتؤكد أن الأزمة الاقتصادية انعكست على الجميع دون استثناء، "مع تغير سعر صرف الدولار نشهد فقداناً للدواء والمواد الغذائية أصبح وجودها نادر وأسعارها مرتفعة، وأكثر ما سبب لنا الضرر هو عدم وجود فرص عمل. ولكن ما نعاني منه اليوم إلى جانب كل الأزمات المذكورة آنفاً أننا لم نحمل أوراقنا الثبوتية عندما خرجنا من سوريا، مثلاً أولادي شبه مكتومي القيد وليس لدينا دفتر عائلة، لا يحمل زوجي أوراقاً تثبت شخصيته". 
وأضافت "حتى زوجي لا يستطيع أن يعمل عملاً شاقاّ لأنه خرج من سوريا بعدما أصيب في الحرب الدائرة هناك، وأنا أيضاً كنت مصابة ولا أستطيع أن أعمل في أعمال شاقة لكي أساعده". وتتابع "خلال المواسم الزراعية، أعمل في قطاف الزيتون مثلاً، ولكن مع ضغوطات الأزمة أصبح صاحب الأرض يعمل مع عائلته بدلاً من أن يدفع أجوراً للعمال".         
وعن معاناتها مع تأمين الاحتياجات لأطفالها تقول "لا أستطيع تأمين الحليب لولدي بشكل دائم، فابني يبلغ من العمر سنة ونصف وابنتي سنتين ونيف، حتى أن الدواء لا أستطيع تأمينه. في اليوم الذي لا نستطيع فيه تأمين الحليب أطعم أولادي خبز وشاي وهذا الأمر يشكل ضرراً على أمعائهم". 
وبحرقة تقول "لا يهمني أن أحرم من الطعام والشراب ولكن كل ما يعنيني أن أحصل على أوراق ثبوتية لي ولعائلتي".
تأمل تهاني أن تحمل الأيام المقبلة انفراجاً على صعيد الأزمة اللبنانية التي خنقت الجميع ما يمكن أن يفسح المجال أمام ولديها للالتحاق بالمدرسة في حال استطاعت أن تحصل لهم على إثبات هوية.
أما عن العودة إلى سوريا فهي ليست بحساباتها؛ لأنها ترى بأن الوضع في سوريا مماثل لما يعيشه لبنان، وتعتبر أن "الحرب العسكرية في سوريا تحولت إلى حرب بلقمة العيش". 
 
الأمية لأطفالها... الخطر الذي يرعب سلافة رمضان
 
بدورها تقول سلافة طراد رمضان (34) عاماً بأنها أتت إلى لبنان منذ تسع سنوات، لديها خمسة أبناء، "يعمل زوجي في حال وجد عملاً وعندما لا يجد أي فرصة للعمل، يذهب لالتقاط الحديد من القمامة ثم يبيعه ليأتي لنا بما تيسر من الطعام".   
وتتابع "أحياناً لا نستطيع أن نشتري ربطة خبز، فالمعيشة أصبحت صعبة جداً". على الرغم من أن أصغر أطفالها يبلغ من العمر سنة ونيف ولكنها استغنت عن الحليب بسبب غلاء الأسعار، إلا أن الحفاضات لا يمكن الاستغناء عنها علماً أن أسعارها ارتفعت بشكل جنوني.
وتعترف سلافة رمضان أن هناك ليالٍ ينام فيها أبناؤها من دون طعام، فمع غلاء الأسعار مهما جنى زوجها لن يستطيع تأمين ما يلزم لإطعام عائلته يومياً.  
وتشير إلى أن أبناؤها توقفوا عن الدراسة العام الماضي بسبب أجرة النقل، وتعلق على الدراسة عن بُعد "خدمة الانترنت سيئة في لبنان وبالتالي لم يستطع أبنائي أن يتعلموا شيئاً العام الماضي، وأخاف على مستقبلهم من أن يكبروا دون علم ودراسة".
وتأمل بأن تسافر إلى إحدى الدول الأوروبية لكي تستطيع أن تؤمن فيها مستقبل لأولادها، ليلتحقوا فيها بالمدرسة بدلاً من أن يكبروا من دون علم، فأطفالها محرمون من أبسط حقوقهم.   
ولا تنكر سلافة رمضان أنهم يتلقون مساعدات مادية من الأمم المتحدة ولكن تلك المساعدة لا تخفف عن العائلة ارتفاع الأسعار، "هذا المبلغ لا يكفي لشراء مونة منزلية شهرية، فهو لا يكاد يكفي أسبوعاً". وتؤكد أنه في ظل الأوضاع السيئة لا يمكنها أن تؤمن مستقبلاً مشرقاً لأولادها. 
وتعترف بأنه لو كان هناك أمل واحد بالمئة من أن العودة إلى سوريا يمكن أن تؤمن مستقبل زاهر لأبنائها فهي مستعدة لمغادرة لبنان فوراً، ولكن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الشعب السوري في سوريا نفسها التي يعيشها اللبناني، وذلك إلى جانب الدمار الذي حلّ بمسقط رأسها.