نازحات إدلب... تفتقدن الخصوصية والأمان

ليس هناك خصوصية لنازحات إدلب اللواتي تعشن في المخيمات، ولا تمتلكن القدرة للوصول إلى الاحتياجات الأساسية التي تشعرهن بالأمان والراحة.

هديل العمر

إدلب ـ  تفتقد نازحات إدلب للخصوصية ضمن حياة المخيمات التي أجبرتهن ظروف الحرب على تحملها بعد أن أجبرتهن الحرب السورية على النزوح من قراهن وبلداتهن.

لا تجد سعدة جمال (27) عاماً مفراً في رحلة النزوح والتشرد من محاولة تكيفها مع الحمامات ودورات المياه المشتركة التي تتسبب لها ولنساء المخيم بحرج وخجل كبيرين، خصوصاً في ظل تواجد عدد كبير من الرجال العاطلين عن العمل، الذين ينحصر همهم في الجلوس أمام أبواب خيامهم ومراقبة الآخرين.

وتستذكر سعدة جمال ولادتها الأخيرة في المخيم لطفلتها روان البالغة من العمر خمسة أشهر، حين كانت مضطرة لكتم آهات ألم الولادة والمخاض عن الجميع، وقصدها الحمامات البعيدة بشكل مستمر وهي في ذاك الوضع الحرج على حد تعبيرها.

وأوضحت أن "الخيام متلاصقة هنا، ويخترق الصوت بسهولة جدران الخيام القماشية وهو ما يدفعني دائماً لاتخاذ إجراءات التكتم والتعتيم على تفاصيل حياتنا الشخصية واليومية التي سرعان ما تنتقل إلى خيام جيراننا بمجرد رفع أصواتنا ولو قليلاً".

وأشارت إلى أنها تفتقد في مخيمات قاح حيث تقيم مع عائلتها المؤلفة من زوجها وولدين صغيرين بعد نزوحهم الأخير من قرى جبل الزاوية، إلى الحرية الشخصية في اللباس وخصوصية القيام بالأعمال المنزلية اليومية "خيمة صغيرة لا تتسع لأكثر من الجلوس فقط، أما أعمال الغسيل والطبخ فأقوم بها أمام باب الخيمة وعلى مرأى الجميع، ملابسي دائماً تلامس الأرض، ولا أنزع الحجاب من رأسي إلا حين أخلد إلى النوم، وهو ما تسبب لي بأمراض جلدية في رأسي خاصةً مع ارتفاع درجات الحرارة في هذه الأيام اللاهبة".

من جهتها تتعامل هدى الشيخ (33) عاماً مع حياة المخيمات كحالات الطوارئ والاستنفار المستمرين على حد وصفها، وترى أنها تأقلمت بعد مضي أربع سنوات على نزوحها الأخير من سهل الغاب مع حياة المخيمات في الشمال السوري، رغم عدم وجود الأمان ولا أي حرية شخصية. 

ولفتت إلى أنها تضطر للخروج بعد منتصف الليل للوصول إلى دورات المياه في المخيم بمفردها "أحياناً نصطحب أطفالنا، نخشى التحرش وهجوم الحيوانات الضالة خاصة أن الإنارة في المخيم شبه معدومة مع غياب الكهرباء". 

فيما تشكو بثينة حناك (29) عاماً عدم قدرتها على التأقلم مع حياة المخيمات حتى الآن، رغم مضي أكثر من ثلاث سنوات على نزوحها من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات أطمة الحدودية.

وأشارت إلى صعوبة تأمين مستلزمات النظافة الكاملة بسبب قلة المياه ومواد التنظيف والعناية الشخصية، كما أنها تضطر لحمل المياه برفقة أمها وأخواتها من مسافات بعيدة للحفاظ على النظافة، في ظل الانقطاع المستمر للمياه عن المخيم.

تقول بثينة حناك أن حياة المخيمات سبب خلافها المستمرة مع زوجها الذي لم يستطع حتى الآن أن يؤمن مأوى مناسب لها ولأطفالها الثلاثة فلا هو قادر على بناء منزل صغير ولا حتى استئجاره في ظل معاناته الفقر والبطالة.

وأوضحت أن أطفالها كثيراً ما يخرجون من المخيم للعب مع الأطفال الآخرين ولا تستطيع منعهم من الخروج المتكرر من الخيمة التي تضيع بساكنيها يوماً بعد يوم حيث لا ترفيه ولا مساحة للعب، وهو ما يتسبب بمشاجرات مستمرة بين أطفال المخيم أو ضياع الأطفال بين الخيام الكثيفة أو تعرضهم للأمراض المعدية والفيروسية.

المرشدة النفسية أمل الزعتور تعلق على تأثير حياة المخيمات المكتظة البسيطة والمتهالكة والمصفوفة بجوار بعضها البعض وممراتها الضيقة والموحلة على حياة النساء، وتقول إنه لا تتوفر فيها مرافق صرف صحي كافية، فتشكل برك المياه الراكدة أرضاً خصبة مواتية لتكاثر البعوض والقوارض والعقارب والأفاعي وانتشار الأمراض.

ونوهت إلى أن عدد دورات المياه القليل لا يكاد يكفي العدد الكبير للنازحين/ات، كما أنّ انخفاض إمدادات المياه، وخصوصاً خلال الصيف يعني أنّ المرافق عادة ما تكون متسخة، فضلاً على ذلك فإن هذه المرافق لا توفّر أي مساحة للخصوصية.

وأكدت على أن الأمراض النفسية تنتشر بين النازحات في تلك المخيمات انتشار "النار في الهشيم" حيث يسيطر على حياتهن الخوف والقلق والرعب وعدم الأمان واضطرابات النوم واليأس والاكتئاب.

وتدعو أمل الزعتور منظمات المجتمع المدني لتدخلات سريعة تعالج المشاكل الاجتماعية والنفسية، وتعمل على استبدال الخيام سواءً القماشية بالكامل، أو غرف مبنية من البلوك بسقف قماشي "شادر" أو سقف من صفائح معدنية رقيقة تُعرف باسم "التوتياء" بمساكن اسمنتية توفر بعض الراحة الشخصية للنساء خاصة وأن إمكانية العودة إلى الديار ليست واضحة على المنظور القريب.