نازحات إدلب معاناة لا تنتهي داخل كتل سكنية ضيقة
لا تنتهي معاناة نساء الشمال السوري بعد نزوحهن والعيش لسنوات طويلة داخل خيام، وازداد الأمر سوءً عندما انتقلن إلى منازل داخل كتل سكنية بالكاد تتسع لشخصين ما فاقم معاناتهن أكثر.
هديل العمر
إدلب ـ تعيش نازحات شمال إدلب ظروفاً بالغة التعقيد تفتقرن لأبسط حقوقهن في الهدوء والخصوصية والحركة حتى بعد انتقال عدد منهن للسكن في كتل سكنية ومغادرتهن حياة الخيام، حيث تمنعهن ضيق مساحة تلك الكتل من الحصول على أدنى وسائل الراحة.
منذ عامين تشهد مناطق الشمال السوري وتحديداً مخيمات (أطمة، وقاح، عقربات، مشهد، روحين، باريشا دير حسان، والكمونة) بناء عدد من القرى السكنية المؤقتة للنازحين بدلاً من الخيام، يشرف على بنائها عدد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
تقول نجاح الرجب في العقد الثالث من عمرها والمقيمة ضمن مجمع سكني في مخيمات مشهد روحين شمال إدلب "حين تم اختياري ضمن المستفيدين من مشروع السكن ونقلي للمجمع السكني مع عائلتي المؤلفة من ستة أشخاص، اعتقدت أنني سأعيش في منزل ملائم شبيه بمنزلي الذي غادرته قبل نزوحي من مدينتي معرة النعمان وستنتهي آلام العيش في الخيام البالية التي عانيت فيها لسنوات، لكنني صدمت حين عجزت عن إيجاد مكاناً لغسالة الملابس دون جدوى، ووقفت حائرة وأنا أنظر إلى مطبخي والغرفة التي بالكاد لا تتسع لشخصين معاً".
خاب ظنها حين وجدت أن مساحة منزلها لا تتجاوز الـ 35 متراً، والمؤلفة من غرفتين صغيرتين لا تستطيع فيها حتى أن تستقبل ضيفاً، قائلة "الجدران مشتركة مع جدران مساكن الجيران، وأحاديثهم تصل إلينا بلا جهد لسماعها كأننا في منزل واحد، لا أشعر أني مستقلة أو بعيدة عن مراقبة الآخرين، صخب الأطفال في شوارع المخيم يملأ المكان، المطبخ صغير لدرجة أنني لا أجد مكان لبابور الكاز، بينما الحمام مشترك مع دورة المياه".
وأشارت إلى أنها مجبرة على الاعتياد "نحن نعاني الضيق وصعوبة التحرك والحرارة العالية في هذا الصيف اللاهب وكأنه قبر وليس منزل"، مطالبة المعنيين بالعمل على إنشاء مساكن أوسع للأسر الكبيرة على الأقل وعدم استغلال الدعم المقدم للنازحين بإنشاء أشباه مساكن.
الحال ذاته تعيشه النازحة حلوة القاضي ذات 39عاماً والمقيمة في مخيمات قاح شمال إدلب حيث لا يكاد منزلها الذي تعيش فيه يتسع لغرفة لها ولزوجها مستقلة عن أولادها، حيث تجبرها المساحة الضيقة التي تعيش فيها على ضم جميع منافع المنزل في قسم واحد، وبقاء فسحة صغيرة لباقي العائلة.
وقالت إنها تعيش تفاصيل يومية بائسة لا تعرف فيها الهدوء طيلة النهار، ولا تشعر بالراحة والخصوصية ليلاً، حتى أن نوع البناء رديء لدرجة أن الرطوبة تعشش فيه والأمطار تخترق الجدران والسقف من كل جانب في الشتاء، بينما ترتفع الحرارة صيفاً لقلة المنافس والنوافذ وكأنها فرن.
"لا أرى أن هذا المنزل الذي نعيش فيه أفضل حالاً من الخيام، آمل أن يتغير هذا الحال خاصة أنني لم أستطع التأقلم حتى اللحظة" بهذه الكلمات تمنت حلوة القاضي أن يتغير الحال الذي تعيشه مع عائلتها للأفضل.
وللطالبات ومعاناتهن الدراسية في تلك المنازل الضيقة حكاية أخرى كحال الطالبة أسيل محمد علي البالغة من العمر خمسة عشر عاماً والتي تواجه صعوبة في التركيز والحفظ جراء الازدحام والصخب والحرارة التي لا تحتمل، حيث تقيم مع ستة إخوة ووالديها في منزل صغيرة لا تتجاوز الـ 35 متراً.
تقول أسيل محمد علي أن سكنها في تلك الكتلة أثر بشكل مباشر على تحصيلها العلمي، إذ لم يعد بإمكانها الدراسة أوقات طويلة داخلها جراء الضغط النفسي وضيق المكان وصخبه "إن العيش في هذه الأبنية المصنوعة من الطوب وإن كانت أفضل من العيش في الخيام، إلا أن ضيق المساحة والازدحام ينغص فرحتنا بالانتقال إلى تلك المساكن التي لا نجد فيها متسع للراحة أو الدراسة".
ودعت القائمين على تلك المشاريع إعادة النظر في تصميم تلك المساكن الضيقة وإنشاء مشاريع سكنية لائقة ترقى لأن يسميها المرء منازل وليس مجرد كتلة سكنية وحسب.