نازحات إدلب: الانتهاكات في إدلب أجبرتنا على النزوح ولن نعود حتى تتحرر

تعيش نازحات محافظة إدلب المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها أوضاعاً مأساوية في مخيمات اللجوء بمنبج شمال وشرق سوريا، ولكنهن يرفضن العودة قبل تحرير مدينتهن مؤكدات أن "الوضع في إدلب أسوأ من العيش في المخيمات"

سيبيلييا الإبراهيم  
منبج ـ .    
منذ السنوات الأولى للحرب السورية تشهد محافظة إدلب فوضى عارمة، فمنذ سيطرة فصائل ما يسمى بـ "الجيش الحر وجبهة النصرة"، المواليتان لتركيا باتت المدينة غير صالحة للعيش فالانتهاكات التي تطال المدنيين أصبحت سمة المدينة، الأمر الذي دفع الكثير من الأهالي للفرار بحثاً عن الأمان والكثير منهم توجه نحو مدينة منبج بشمال وشرق سوريا. 
تقول ليال عبد الرحمن وهي من جبل الزاوية إنها نزحت جراء ممارسات مرتزقة جبهة النصرة والجيش الحر والاحتلال التركي "الأوضاع كانت صعبة للغاية مما أجبرنا على النزوح إلى منطقة العريمة في الريف الشرقي لمدينة الباب المحتلة"، وتبين "الانتهاكات في إدلب لا تحصى، هنالك حالات قتل واختطاف للأطفال والنساء واعتداء إضافةً إلى الأوضاع المعيشة الصعبة وغلاء أسعار المواد الغذائية".   
وتستطرد عن الأوضاع الأمنية بإدلب "نتيجة القصف العشوائي الذي تشهده المنطقة لم نستطع البقاء. فطيلة فترة بقائنا لم نكن بأمان جراء الفلتان الأمني، حيث أن جبهة النصرة حاولت اختطاف بناتي فقررت الرحيل بأسرع وقت ممكن لأنقذهن".  
عن السياسات التي فرضت عليهم قالت "تركيا فرضت علينا التعامل بالليرة التركية ورغم سخط الأهالي إلا أنها استمرت بنهجها دون اكتراث لآرائنا. دائما كان هنالك مظاهرات وإضراب من قبل الأهالي مطالبين بخروج الاحتلال التركي وجبهة النصرة لكن ردهم كان العنف والقتل". 
واستذكرت ليال عبد الرحمن رحلة نزوحها والمصاعب التي واجهتها "الطريق كان صعباً جداً فقد دفعنا مبالغ كبيرة لإنقاذ حياتنا وحياة أطفالنا لكن لم نسلم من ممارسة الفصائل الإرهابية أثناء نزوحنا". وبسبب قصدهم لمناطق الإدارة الذاتية تعرضوا للاعتقال من قبل ما يسمى بـ الجيش الحر في مدينة إعزاز لمدة يومين قبل أن يتم إطلاق سراحهم.  
تتحمل المرأة الجزء الأكبر من المعاناة أثناء الحروب وهذا حال ليال عبد الرحمن التي عملت بجد لكي تعيل أطفالها بعد أن فقد زوجها حياته بالقصف التركي لناحية أريحا بمنطقة جبل الزاوية عام 2017 "قتل زوجي أثناء ذهابه لبيع الخضراوات فكتب علي أن أحارب الظروف الصعبة لوحدي وأن أعيل أطفالي في ظل الظروف المعيشية الصعبة".
الوضع المعيشي الصعب كان تحدياً آخر واجهته ليال عبد الرحمن عند استقرارها في بلدة العريمة بالريف الشرقي المحرر التابع لمدينة الباب المحتلة "وضعنا المعيشي صعب للغاية نتيجة تقاعس المنظمات الإنسانية فقد جئنا دون أي ممتلكات... لا نملك إلا ثيابنا التي كنا نرتديها".
يؤثر قصف الاحتلال التركي لمناطق شمال وشرق سوريا بين الحين والآخر على أهالي المنطقة وكذلك على النازحين الذين جربوا الهرب قبل أن تأتي بهم الأقدار نحو المنطقة الأكثر أماناً في سوريا لذلك تتمنى ليال عبد الرحمن أن تكف تركيا يدها عن المنطقة وتتركهم يعيشون بسلام، كما تطالب المنظمات الإنسانية بأخذ دورها في مساعدة النازحين الذين تقطعت بهم السبل، متمنية العودة إلى إدلب بعد تحريرها. 
أما نجاح المصطفى (60) عاماً من محافظة إدلب فقد عاشت نفس المعاناة "منذ اندلاع الثورة السورية عانينا من كافة أشكال الظلم من قتل وتشرد وقصف إضافةً للأوضاع المعيشية الصعبة، ففي إدلب لا تتوفر أي فرص عمل والطائرات فوقنا تقصف، وجبهة النصرة تحاصرنا ولا تترك لنا مجالاً للحياة، كما أن الأحوال ساءت أكثر بعد أن فرض علينا الاحتلال التعامل بالليرة التركية"، متسائلةً "أي حياة يعيشها أهالي إدلب؟، لدينا فرن في القرية لكن الاحتلال التركي يسيطر عليه ويبيعنا ربطة الخبز بـ 5 ليرات تركية، والربطة صغيرة لا تكفي طفل جائع فكيف ستعيش العائلات الكبيرة".
وتؤكد أن الأخبار التي تأتي من إدلب عن الأوضاع المزرية صحيحة "كل ما سمعتموه عن الأوضاع الصعبة والفلتان الأمني في إدلب صحيح فهناك خطف وقتل واعتداء، لا يوجد أمان بعد حلول الظلام فلا أحد يستطيع تجاوز عتبة باب منزله. أهالي إدلب يقفلون أبوابهم خوفاً من اللصوص وخشية على النساء والفتيات من المرتزقة"، وتبين أن السرقة منتشرة بشكل كبير "سرقت العديد من ممتلكاتنا، لذلك كان ابني يسهر طيلة الليل وفي البرد على سطح المنزل لحماية ممتلكاتنا".  
ما شهدته نجاح المصطفى كان كافياً لتقرر الرحيل "الوضع بات لا يطاق بـإدلب فلم نسلم منهم حتى في طريق النزوح فكل حاجز يوقفنا ويقوم بالتحقيق معنا عن وجهتنا، وكنا نخبرهم أننا متجهين صوب مخيم إعزاز. في الحقيقة إذا ما أخبرناهم أننا متجهين نحو مناطق الإدارة الذاتية فلن يسمحوا لنا بالعبور". مضيفةً "لم نأخذ معنا شيء عندما توجهنا إلى جرابلس ولم يسمحوا لنا بالوصول إلى منبج فدخلنا من طرق غير شرعية وعبرنا المياه لغاية وصولنا لقرية التوخار في شمال مدينة منبج".   
لماذا مدينة منبج؟ تجيب عن هذا السؤال بالقول "هنا ننام دون خوف وهذا ما يبحث عنه النازحين الشعور بالراحة والأمان، كما أن الوضع المعيشي هنا جيد والعمل متوفر".
كما أنها تستذكر العديد من الحوادث المؤلمة التي عاشها أهالي إدلب ومنها حادثة الأدوية الفاسدة "في إحدى المرات قتل 40 طفلاً بعد إعطائهم لقاحات فاسدة وبعد تلك الحادثة لم ترسل أي عائلة أطفالها لتلقي اللقاح، كما أن أغلب الأطفال في إدلب محرومون من حق التعليم، فنتيجة القصف الهمجي لا يرسل أحد أبنائه للمدارس".
وانتقدت الوضع الأمني في إدلب قائلةً إن الجهات التي تسيطر على المدينة هي سبب الأزمات التي يعانيها منها أهالي المدينة "لا توجد جهة لحماية الأهالي أو حتى الاستماع لشكواهم"، متسائلةً "لمن سنشتكي لجبهة النصرة أم الجيش الحر أو الاحتلال التركي؟ إذا كانوا هم من يرتكب هذه الانتهاكات بحقنا، إضافةً للطيران الحربي الذي يقصف بشكل عشوائي مما يوقع أعداداً كبيرة من الضحايا".
وتؤكد أن ضيق الحال هو ما يجبر أهالي إدلب على البقاء في المدينة "أهالي إدلب يرفضون بقاء الاحتلال التركي ومرتزقته لكنهم مجبرين على التحمل، فالمرتزقة يطلبون الكثير من المال ليسمحوا لهم بالخروج". 
واختتمت نجاح المصطفى حديثها بالقول "إذا استمر الوضع في ادلب على ما هو عليه فلن يبقى فرد هناك، ممارسات تركيا ومرتزقتها لا تختلف عما كان يقوم به داعش"، متسائلةً "أين الدين مما يفعلون؟ يسرقون محاصيل الزيتون باسم الزكاة ويقتلون الناس ويجوعون الأطفال، اتمنى أن يخرج الجميع فإدلب أصبحت بؤرة للإرهاب والفوضى".