ناشطات تونسيات تكشفن عن أسباب انتشار جرائم اغتصاب القاصرات

أكدت ناشطات حقوقيات أن الخوف من الفضيحة وبطء إجراءات التقاضي والأحكام غير الرادعة وراء انتشار جرائم اغتصاب القاصرات في تونس.

إخلاص حمروني

تونس ـ ما يكاد الرأي العام التونسي يستفيق على وقع تفاصيل جريمة اغتصاب حتى يصدم بمأساة أخرى، ففي حين يحصي مختصون "حالات اغتصاب الأطفال بالعشرات سنوياً"، تشير بعض الدراسات إلى استمرار هذه الجرائم في منحى تصاعدي، مما يطرح تساؤلات عدة بشأن أسباب تفشي هذه "الظاهرة" وتداعياتها المختلفة على المجتمع وسبل التصدي إليها.

أكدت الناشطة الحقوقية نسمة محفوظي ارتفاع عدد جرائم اغتصاب القاصرات في الآونة الأخيرة في سيدي بوزيد إلى حد يمكن الحديث عن انتشار ظاهرة اجتماعية تحمل إشكاليات صحية واجتماعية وإنسانية خطيرة.

وعن أسباب انتشار هذه الحالات، أشارت إلى أسباب اقتصادية واجتماعية بحكم أن انتشار جرائم اغتصاب القاصرات تتم في ظل هشاشة اقتصادية واجتماعية، مبينة أن "انتشار معدلات الفقر والجهل والبطالة" تعد من الأسباب الهامة لتكرار جرائم اغتصاب الأطفال.

كما ترى أن غياب الوعي لدى المجتمع بأهمية التربية الجنسية وباعتبار كلمة جنس من المواضيع المسكوت عنها وممنوع مناقشتها في الفضاء العام بسبب الأعراف التي تنص أن ذاك عمل "حرام ومشين"، له دور أيضاً في انتشار هذه الظاهرة.

ومن الأسباب الأخرى، ذكرت نسمة محفوظي سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على عقول متابعيها وترويجها لمفاهيم خاطئة وانفتاح الأطفال على هذا العالم في ظل غياب الرقابة التامة، مبينة أن هناك تقصير من قبل الأسر القاطنة في المناطق الداخلية يتعلق بـ "الشعور بالأمان الزائد" الذي يدفعهم لترك أطفالهم الصغار في الشارع دون رعاية أو اهتمام، مما يخلق بيئة للشواذ لارتكاب جرائم الاغتصاب سواء للفتيات أو الأطفال.

وأشارت إلى تكتم بعض الأسر وعدم التبليغ عن "تعرض ابنتهم للاغتصاب" خوفاً من "الفضيحة"، بالإضافة إلى "بطء إجراءات التقاضي" تجاه المتهمين باغتصاب الأطفال أو صدور أحكام "غير رادعة" ما يزيد من تكرار تلك الجرائم، موضحة أنه "بالرغم من وجود العديد من المنظمات والجمعيات والقوانين المدافعة عن حقوق الطفل، إلا أننا نسجل نقصاً في تطبيق هذه القوانين".

ومن هذه القوانين، ذكرت نسمة محفوظي القانون الذي يطالب الرجل المغتصب بضرورة الزواج من الفتاة التي اغتصبها والذي اعتبرته مجحفاً بحق المغتصبة لأنها تعاني الأمرين أولاً قام بالاعتداء عليها واغتصابها ثم بالقانون يتزوجها رغماً عنها.

 

 

بدورها ترى منيرة بوعزيزي ناشطة حقوقية في سيدي بوزيد، أن جرائم الاغتصاب انتشرت في المجتمع التونسي، مضيفةً "سجلت سيدي بوزيد منذ أيام واقعة اغتصاب لطفلة في عمر 4 أو 5 سنوات، وحسب ما يروج فإن الجاني هو من فرد العائلة (من المحارم)، تعد هذه الحادثة كارثة تقع في دولة عربية خاصة وأنها وقعت في منطقة داخلية".

ومن الأسباب التي تساهم في انتشار جرائم الاغتصاب، غياب كل من الدور التربوي للأسرة وللمدرسة، والذي من شأنه أن يوعي الطفل بحرمة الجسد ويعلمه كيفية المحافظة على نفسه والابتعاد عن الأماكن المهجورة والمشتبه بها، وانتشار الإحساس بالكبت الذي يشعر به رجال المنطقة بحكم تربيتهم في مجتمع محافظ، بحسب ما أوضحته.

ونظراً لارتفاع عدد هذه الجرائم، أكدت منيرة بوعزيزي أن المجتمع المدني النسوي يندد بانتشار هذه الجرائم "الأحكام القانونية على الجناة لا ترضينا سواء تزويج المغتصب بالفتاة أو الحكم عليه بعقوبة مخففة، فبمجرد خروج المغتصب من السجن يكرر الجريمة"، مطالبة بإنزال أقصى العقوبات عليه ليكون "عبرة" لغيره.

وبينت أن بعض الجمعيات لا تقوم بالتوعية الصحيحة ولا تقدم دروساً تفسيرية ولا حملات توعوية ولا تقدم حلولاً للحد من هذه الجرائم، مضيفةً "لم يتم بعد تقديم الحلول الجذرية للحد من هذه الظاهرة لأنه وفق بعض البيانات هناك حالات يُعلن عنها وأخرى يتم التستر عليها لأننا نعيش في مجتمع محافظ".

 

 

من جهتها اعتبرت الناشطة الحقوقية كريمة عمامي أن اغتصاب القاصرات تعد ظاهرة ملفتة للانتباه ومنتشرة في المجتمع التونسي، وهذا يدل على مدى انتشار ظاهرة العنف الجنسي والجسدي التي تتعرض لها الفتيات والنساء على حد سواء.

وأضافت "انتشرت ظاهرة اغتصاب القاصرات في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية هشة تشهدها أكثر المناطق الداخلية وخاصة سيدي بوزيد حتى أنها أصبحت من أكثر الظواهر خطورة"، مؤكدة أن إفلات الجناة من العقاب وعدم إصدار أحكام رادعة ضدهم من أهم أسباب ارتفاع عدد هذه الجرائم.

وعكس رأي منيرة بوعزيزي، أشارت كريمة عمامي إلى أن المجتمعات النسوية عمدت في الكثير من المناسبات إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة وقامت بالتعاون مع المجتمع المدني والجهات الرسمية بحملات توعوية.

وقالت "رغم وجود ترسانة كبيرة من القوانين المدافعة عن حقوق النساء عموماً والأطفال خصوصاً، إلا أنها لا تطبق على أرض الواقع لأن الكثير من الجناة أفلتوا من العقاب وأيضاً الذين سجنوا صدرت ضدهم أحكاماً خفيفة لا تتماشى مع حجم الجريمة التي ارتكبوها ولا ترتقي إلى فظاعة الأعمال التي قاموا بها".

وأكدت كريمة عمامي أن هذه الجمعيات والمنظمات لا تزال تضغط على الحكومة لتفعيل هذه القوانين على أرض الواقع، والمجتمع المدني لن يستطيع لوحده القيام بالضغط إلا بتظافر الجهود ومساعدة الجهات الرسمية.

 

حلول واقتراحات

وبخصوص الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة، اتفقت الناشطات الحقوقية على ضرورة نشر التوعية داخل الأسرة وخاصة الأسرة الريفية والتوجه إليهم والحديث معهم وتوعيتهم بخطورة هذه الظاهرة وبأهمية موضوع التربية الجنسية والعمل على تربية الأطفال على وسائل الاعلام المرئية والسمعية ومواقع التواصل الاجتماعي.

وطالبن بتعزيز دور الأولياء السلطوي والتخلي عن الدور الردعي وتبني سياسة الحوار والنقاش حتى تتمكن العائلة من الحديث مع أطفالها وتشرح لهم بعض المفاهيم بعيداً عن "حرام وعيب".

من جهة أخرى، طالبن بإجراء بحث مجتمعي للوقوف على أسباب هذه الجريمة والتطرق إلى أسباب انحراف الدراما عن دورها الثقافي بالترويج للمظاهر السلبية، هذا واعتبرت الناشطات أن الحل للتصدي لهذه الظاهرة يكمن في ضرورة تجديد البرامج الرسمية.