ناجيات من العنف الأسري في مواجهة وصمة المجتمع
مع ازدياد وتيرة العنف ضد المرأة في إدلب، تحاول نساء التمرد على الواقع ورفض الظلم وعدم الاستسلام لوصمة المجتمع، للتحرر من العنف والتمييز المتأصل ضدهن.
لينا الخطيب
إدلب ـ تتعرض الكثير من النساء والفتيات في إدلب للعنف الأسري على يد أزواجهن أو أقربائهنّ، وفرض السلطة والوصاية عليهنّ، عدا عن النظرة السلبية لهنّ من المجتمع المحيط، الأمر الذي دفع نساء لرفض العنف الجسدي والنفسي والتخلي عن الموروث المتبع في غالبية المناطق ضدهن، والمبني بشكل خاطئ على العادات والتقاليد في التعامل مع النساء.
لم تعد سميرة العلاوي (31) عاماً من مدينة سلقين شمالي إدلب قادرة على تحمل عصبية زوجها واعتداءاته المتكررة عليها وعلى أولادها الثلاثة، وعن ذلك تقول "قررت أخيراً تركه والابتعاد عنه مع أولادي".
وأكدت أن زوجها يسيء معاملتها ويضربها لجل الأسباب ويمعن في ظلمها، كما يمنعها من الخروج من المنزل لأشهر أو حتى زيارة منزل أهلها، بحجة أنه يغار عليها، كما يقوم بضرب الأطفال باستمرار، حتى طفلها الرضيع الذي يبلغ من العمر سنة ونصف فقط لم يكن يسلم من التوبيخ حين يبكي في الليل لمرض أو جوع أو غيره.
وأوضحت أنها واجهت محيطها وخاصة والدها وأشقائها، من خلال الاعتماد على ذاتها وإيجاد فرصة عمل تعيل بها أسرتها، وتؤمن نفقات أطفالها دون الحاجة لأحد "أعمل كعاملة نظافة في منظمة إنسانية ولست بحاجة لأحد، آن الأوان لأعيش دون ضرب وتعنيف جسدي ولفظي".
براءة الحسن (20) عاماً من مدينة إدلب، انفصلت عن زوجها، وقامت بتقديم شكوى ضده أيضاً، وعن ذلك تقول "منعني والدي من إكمال تعليمي في سن الخامسة عشرة، وأجبرني على الزواج من ابن عمي، لكن حياتي معه كانت أشبه بجحيم لا يطاق، فأبسط الخلافات كانت سرعان ما تنتهي بالضرب، فهو يشبه الكثير من الرجال الذين يرون ضرب زوجاتهم نوعاً من التأديب".
وأضافت بصوت حزين "لم يكن يمض يوم دون أن يضربني، قضيت معه سنتين أقاسي مرارة الحياة، رجعت عدة مرات إلى بيت والدي، وفي كل مرة كانوا يجبرونني على العودة الى زوجي، ولكن العنف بلغ ذروته، عندما كنت في بداية فترة الحمل بطفلي الأول ضربني زوجي بشدة لدرجة أنني أجهضت جنيني قبل أن يبصر النور، لذا قررت منذ تلك اللحظة الانفصال عنه وتقديم شكوى ضده، مع إصرار بعدم العودة إليه مهما كانت الظروف والأحوال".
وبينت أنها أصبحت مطلقة ومدانة من قبل المجتمع، لكنها لم تلتفت لذلك "قررت العودة إلى مقاعد الدراسة، لأستعيد حلمي وأكمل تعليمي وأحقق هدفي بأن أصبح معلمة للأطفال"، مؤكدة أنها حققت حلمها، وحصلت على وظيفة مناسبة في إحدى مدارس المدينة، وأصبحت مستقلة مادياً، وتساعد أهلها في نفقات المنزل.
ولفتت إلى أن أهلها وأقربائها ضغطوا عليها لتتنازل عن حقها من زوجها، لكنه بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه حوالي ستة أشهر يحاول جاهداً منعها من مواصلة حياتها بشكل طبيعي، حيث يطلب منها الرجوع إليه ويهددها باستمرار بأنه سيقتلها إذا أقدمت على الزواج من رجل آخر، ولكنها لا تزال مصرة على موقفها الرافض، و "لن تتراجع" بحسب تعبيرها.
أما سميرة الخطيب (27) عاماً النازحة من ريف حلب إلى مدينة إدلب فقد تحدت نظرة المجتمع من خلال استقلالها مع طفلها والعيش وحدهم لتتخلص من عنف شقيقها وزوجته، وعن ذلك تقول "بعد وفاة زوجي أصبحت دون سند أو حماية، وانتقلت للعيش في منزل أخي الذي يقسو علي لإرضاء زوجته، كما يقوم بضربي ومناداتي بألفاظ مهينة".
ولفتت إلى أنها قررت أخيراً ترك منزل شقيقها، فقامت باستئجار منزل صغير، وبدأت تعمل في نسيج الصوف إضافة لعملها في الورشات الزراعية لتأمين لقمة عيشها بكرامة "تغيرت حياتي كلياً، بعد أن ابتعدت عن واقعِ الذلّ والضرب والعنف".
وأكدت أنها نجت من العنف لكن الكثير من النساء المعنفات تفضلن الصمت حياله، بسبب الخوف من المجتمع المعروف بعاداته وتقاليده الصارمة.
من جهتها أوضحت المرشدة الاجتماعية نوال السيد (33) عاماً من مدينة سرمدا شمالي إدلب احتياجات النساء الناجيات من العنف الأسري "أسباب عدة ساعدت على اتساع دائرة العنف الأسري خلال سنوات الحرب منها الظروف المعيشية السيئة من نزوح ولجوء، إلى جانب فقدان الرجل لدوره الطبيعي الاعتيادي سواء في الإعالة أو الحماية، والظروف الاقتصادية السيئة وعدم توافر الدخل أو الحصول على فرصة عمل".
وأكدت أن العنف ضد المرأة جريمة حتى وأن كانت أشكالاً كثيرة منه غير مجرمة قانوناً، لكنه غالباً ما يؤدي بالمرأة إلى الاكتئاب والقلق أو العزلة، فضلاً عن أن العيش في علاقة مسيئة يساعد على إضعاف خيارات المرأة واحترامها لذاتها وإمكاناتها.
وأشارت إلى أن بعض النساء تواجهن صعوبات مالية مما يصعب عليهن ترك الشريك المسيء، لذا تنصح نوال السيد بتوفير مساكن آمنة للنساء، وخط ساخن للعنف الأسري على أن يكون حراً ومؤتمناً، ويعمل على مدار الساعة طوال أيام السنة، ويعمل على توفير الأدوات الأساسية والدعم لمساعدة الناجيات من العنف الأسري، فضلاً عن توعية المرأة والرجل على حد سواء بخطورة العنف وتأثيره السلبي وعواقبه على الأسرة بأكملها.