ميساء البلبيسي تتحدى إعاقتها وتعمل بالخياطة والأعمال اليدوية
تشعر ميساء البلبيسي بالمتعة والإنجاز وهي تقضي وقتها برفقة إبرتها وخيوطها لتنتج قطعة فنية تشعرها بالرضا عن الذات حينما تراها بشكلها النهائي.
رفيف اسليم
غزة ـ اتخذت من أحد غرف المنزل مشغل صغير لها، وبإرادة حديدية قررت ميساء البلبيسي، أن تبدأ عملها بالخياطة والأشغال اليدوية بالرغم من إعاقة جزئية باليد أصيبت بها منذ الولادة، لتجعل كل من يسمع عن مهاراتها بالصوف والتطريز يسأل كيف لفتاة أن تنتج تلك الأعمال التي تتطلب دقة متناهية بيد واحدة.
بدأ الأمر مع ميساء البلبيسي ذات (28) عاماً، عندما اضطرت لترك الدراسة لتخوفها من شبح الرسوب بالثانوية العامة كما أوضحت لوكالتنا، مشيرةً إلى أن السبب الآخر هو اعتمادها على أختها التؤام التي تزوجت وتركتها تكمل وحدها، لذلك قررت التوجه لتعلم مهنة تحبها وتؤمن لها الاكتفاء الذاتي، فاختارت الخياطة التي تدربت على أساسيتها بحصة التدبير المنزلي بالمدرسة إلى جانب أعمال التطريز اليدوي والصوف.
تعود بنا ميساء البلبيسي لفترة الطفولة مستذكرة عبارات التنمر التي كانت تسمعها في المدرسة من قبل الطالبات ونظرات الاشمئزاز التي ترمقها بها زميلاتها وهي جالسة تبكي لا حول لها ولا قوة لتتولى أختها دور المنقذ والمدافع في كل مرة، مشيرةً إلى أنها مع الوقت تعلمت كيف تدافع عن نفسها وتحيطها بأشخاص يحبونها ويتقبلونها، لكنها ترى أن على المدارس البدء بخطة لمواجهة التنمر ضد ذوي الاحتياجات الخاصة من الأسرة وخاصة الأمهات.
وتذكر ميساء البلبيسي أنها عندما كانت طفلة أتت زائرة لجدتها وكعادة الأطفال في بلادنا يركضون متسابقين لاستقبال الضيف، لكنها فوجئت بردة فعل المرأة التي صرخت عندما رأت يدها من الفزع، لتبقى هي متسمرة في مكانها، تعاني من حالة نفسية سيئة لعدة أشهر رافضة رؤية أي شخص غريب، وحاملة معها تلك الذكريات حتى اليوم.
ومن ضمن تلك الذكريات التي لا تنسى أيضاً أول يوم لميساء البلبيسي بحسب ما تحدثت في مركز تعلم الخياطة، ونظرات من حولها التي كانت ترمقها بتعجب وكأنها ترتكب جريمة فادحة، لافتة إلى أنها حاولت تناسي الأمر واثبات العكس من خلال ما تنتجه من قطع القماش التي تتحول في يدها للوحات، خلال تعلمها لأساسيات الخياطة كالقص والفك والحبكة، لتتفوق على زميلاتها اللواتي لم تكن لديهن إعاقة.
وترى ميساء البلبيسي أن الإعاقة الحقيقة تكمن في العقل وليس في الجسد، فطالما أن العقل بخير ويعمل جيداً يستطيع التفكير بعدة حلول ليخرج من أزماته ويبتكر ليساعد نفسه كي يكون أفضل، لكن الناس لا يرون الأمور من ذلك المنظور بل يطالبونها بأن تستمر بالشكوى وهذا ما لا تنوي فعله على الإطلاق.
وترجع بنا لمعهد الخياطة، لتروي أن التعلم هناك لم يكن سهلاً ففي البداية لم تولي لها المعلمة اهتمام وكأنها تراهن في قرارة نفسها أنها ستفشل لكن عندما رأتها تطبق الخطوات كاملة باتت توليها كامل اهتمامها، مضيفة أن المركز وفر لها بعد فترة التدريب ماكينة خياطة تعمل من خلالها اليوم لجني مبلغ بسيط من المال.
ميساء البلبيسي لم تواكب التطورات الرقمية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بل اكتفت بتوصية الصديقات والجارات المحيطات بها، بالرغم من نصيحة أخواتها لها بذلك كركيزة أساسية للتسويق، مشيرة أن ما تعمل عليه من مشغولات هي أعمال سابقة لزبائن اشتروا منها فشاهدوا من أقاربهم إضافة لأعمال الخياطة البسيطة كالتقصير أو تعديل بعض القطع بالرغم من عدم امتلاكها ماكينة الحبكة لكنها تحاول تدبر الأمر.
ومن الصعوبات التي تواجهها ميساء البلبيسي هي الظروف المادية الصعبة لعائلتها التي تجعلها غير قادرة على شراء ما تريد من المستلزمات كالقماش والخيوط، كما أنها لا تستطيع العمل لساعات متواصلة بسبب اكزيما تصيبها بيدها خلال ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وحاجتها لأن تبقي يدها المصابة حرة طليقة بالهواء لفترة من الزمن.
وتشعر بالمتعة والإنجاز وهي تقضي الوقت برفقة إبرتها وخيوطها لتنتج قطعة فنية تشعرها بالرضا عن الذات حينما تراها بشكلها النهائي، لافتة إلى أن عائلتها هي الداعم الأكبر لها وخاصة أخواتها فهن تثنين على مشغولاتها ودوماً ما تشجعنها من خلال النقد البناء.
وتتمنى ميساء البلبيسي أنْ تحصل على دعم مادي يمكنها من شراء بقية المستلزمات التي تُمكنها من إنجاز قطعها الفنية بشكلها النهائي في منزلها في ظل سوء الوضع المادي لأسرتها الذي يجعلها غير قادرة على التعامل دائماً، فتلجأ للاستدانة من صاحب المحال أو تتلقى من الزبون ثمن تكاليف القطعة المطلوبة لشراء المعدات اللازمة لإنتاجها؛ ثم تشرع في تجهيزها وتتلقّى بقية المبلغ عند التسليم.
وتنتج ميساء البلبيسي الأثواب والشالات المطرزة وإضافة إلى المحافظ والصواني وأغطية الرأس وغيرها، مؤكدة أنّ لديها القدرة على صناعة أشياء أخرى وتلبية طلبات الزبائن المختلفة وفقاً للتصميم الذي يرسل لها.
وتنوي ميساء البلبيسي في الأيام المقبلة أن تتقن فن الخياطة لتنتج مثل تلك الأثواب المطرزة التي تشبه فساتين الزفاف خاصة أنها تمتلك قدرات ومواهب عدة في التطريز، مقررة أن تنضم لدورة في التصميم أيضاً بالقريب العاجل حتى تستطيع أن ترسم لزبائنها التصميم المطلوب على الورق كي لا يحدث أي اشكالية خلال التنفيذ مع إضافة التعديلات المطلوبة.